الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما توجيهكم في شأن عدم التوفيق والإحساس بالفشل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وفقني الله في دراسة الطب، والتخصص في مجال معين، ومن ثم الذهاب إلى إحدى أفضل الجامعات في العالم، لإجراء البحوث العلمية، كما أن الله وفقني في الحصول على منح مالية، جعلتني أبقى كباحث لأكثر من ٧ سنوات.

في السنوات الثلاث الأخيرة وجدت صعوبات، وظهرت مشاكل، منها:

عدم القدرة على نشر المقالات العلمية في أوقاتها؛ بسبب رفض المجلات، والدخول في خصام مع الأساتذة بسبب سوء الإدارة، واختلاف الآراء، وقطع الطريق، وهذه الأحداث أدت إلى تفويت عدد من الفرص، ومن ثم إلى استقالتي كباحث قبل ستة أشهر.

مقالاتي الآن بدأت تنشر، ولكني دخلت في دوامة عدم إيجاد وظيفة لمدة تزيد عن ستة أشهر، وقد بحثت عن وظائف تتداخل مع مهارات اكتسبتها من خلال عملي كباحث.

والآن أنا أعاني من الإحباط بسبب كثرة المحاولات، وأخشى من حصول سخط الله الذي أدى إلى انتفاء التوفيق في عملي كباحث، كما أني لم أوفق في عملي كطبيب حينئذ، وأدى إلى تغيير مجالي إلى باحث، حيث وجدت التوفيق من الله في بداية مشواري هناك.

والآن لم يبق على ولادة زوجتي سوى شهرين، وإذا لم أجد عملاً فنحن مقبلون على أزمة مالية بسبب تراكم الديون، وانعدام الدخل بعد الولادة.

فقدت الأمل في نفسي، وأملي بالله كبير، ولكني أحس ببوادر الفشل والعجز في تغيير الواقع، واغتنام الفرص، وأجد من زملائي العتب فيما وقعت فيه بعد الأربعين من عمري، لا أشكو، ولا أسخط من حالي، وقد سلمت أمري إلى ربي، وأحتاج لنصحكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أيها الأخ الفاضل- في الموقع، ونشكر لك التواصل والاهتمام، ونذكرك بأن هذا الكون ملك لله، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، فابذل الأسباب، وتوكل على الكريم الوهاب سبحانه وتعالى، واعلم أن هذا الابتلاء سيكون طريقك إلى الرفعة، والأجر، والثواب عند الله، واعلم أن مع العسر يسرا، ولن يغلب عسر يسرين، فثق بالله، وارض بما يقدره الله، واعلم أن السعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، مع المواظبة على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.

واحمد الله على ما حصل لك من التوفيق، واشكره على ما أولاك من النعم، وانظر دائمًا في أمور الدنيا إلى من هم أقل منك، فإن هذا دافع وحافز لمزيد من الشكر لربنا الشكور، ومزيد للتوفيق لمعرفة النعم التي نتقلب فيها؛ فإن الشكر هو الحافظ للنعم، والشكر هو الجالب للمزيد، قال العظيم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ)، ونسأل الله أن يعينك على الخير.

فكر دائمًا بعقلية المؤمن الذي ينطلق من إيمانه، ويستمع إلى قول رسوله صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".

ولا تتوقف عن بذل الأسباب، ولا تلم نفسك، ولا تستمع لمن يريد أن يعيدك إلى الوراء؛ فإن ما حصل كان بتقدير من الله، واجعل أملك في الله كبيراً، واعلم أن الله يوفقنا إذا أحسنا التوكل عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا"، ليس لها مزارع، وليس لها رواتب، وليس لها مكافأة نهاية خدمة، لكنها تبذل الأسباب، فتخرج، وتتحرك، وتعود وهي شبعانة، تحمل رزقها ورزق أبنائها من الرزاق الكريم سبحانه وتعالى.

وحتى هذا الطفل الذي سيخرج إلى الدنيا سيأتي برزقه، ونسأل الله أن يعينكم على تجاوز هذه المرحلة الصعبة، ومثلك ممن يملك الخبرات سيتجاوز هذه الصعوبات بتوفيق من رب الأرض والسماوات.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات، ونكرر دعوتنا لك إلى بذل الأسباب، وطرد اليأس؛ فإنه من عدونا الشيطان، فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً