الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بحزن وفراغ داخلي بعد موت أبي، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منذ أقل من شهر توفى الله والدي بعد أن كافح المرض لمدة 40 يومًا في المستشفى.

في البداية كنت مقتنعًا أنه قضاء وقدر، ولا زلت مقتنعًا بذلك حتى الآن، وقد كنت في البداية أواسي جميع أفراد عائلتي، وأحاول أن أخفف عنهم موت والدي، وقد كنت على ما يرام، ومقتنعاً بما اختاره الله، وأنه لا شيء بيدي لأفعله.

ولكني الآن بعد أن عدت أنا وأخي إلى الدولة التي نعمل فيها بعيدًا عن عائلتنا، أصبحت أشعر بفراغ داخلي، وكأني بلا هدف في الحياة، وكل ما أنتظره هو الموت، ومع ذلك أحاول الخروج والترفيه عن نفسي قليلاً، ولكن الشعور لا يزال موجودًا، وكأن هناك شيئًا ما ينقصني في هذه الحياة، مع أني ملتزم بصلواتي على وقتها، وأحاول قدر الإمكان الابتعاد عن المحرمات، لكني ما زلت أشعر بالفراغ.

يراودني تفكير أني إذا تزوجت فقد يذهب هذا الشعور، وأبدأ بالتفكير بأشياء وأهداف جديدة في حياتي.

أرجوكم ساعدوني على التخلص من هذا الشعور؛ فأنا أحيانًا أفكر بالانتحار للتخلص من هذه الدنيا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Sam حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بدايةً: أتقدم بخالص التعازي لفقدان والدك، وأسأل الله العظيم أن يرحمه، ويغفر له، وأن يسكنه فسيح جناته؛ ففقدان الوالدين هو تجربة مؤلمة وصعبة، ومن الطبيعي جدًا أن تشعر بالحزن والفراغ بعدها.

فيما يخص مشاعر الفراغ واليأس التي تشعر بها: فهي ردود فعل طبيعية تجاه الحزن والخسارة، لكن الانتحار ليس حلاً، ومن المهم جدًا أن تحصل على الدعم والمساعدة في هذا الوقت، وإليك بعض النصائح التي قد تساعدك:

- من المهم التحدث عن مشاعرك مع شخص تثق به، سواءً كان صديقًا، أو قريبًا؛ فالتحدث عن مشاعرك يمكن أن يساعدك في معالجة الحزن.

- الصبر على البلاء، والتضرع إلى الله بالدعاء يساعد في تخفيف الألم؛ فاطلب من الله الصبر، والسكينة، والتوفيق؛ فقد قال الله تعالى في سورة البقرة: (وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَ ا⁠لِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَ ا⁠تِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِینَ ۝١٥٥ ٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیۡهِ رَ اجِعُونَ ۝١٥٦ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیۡهِمۡ صَلَوَ ا⁠تࣱ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ ۝١٥٧﴾.

- حاول تحديد أهداف جديدة لحياتك، سواءً كانت متعلقة بالعمل، أو الدراسة، أو العلاقات الشخصية، أو الأهداف الإيمانية.

- حاول البقاء على اتصال بالأصدقاء والعائلة، وعدم العزلة عن الناس؛ فالتواصل الاجتماعي يمكن أن يوفر دعمًا عاطفيًا، ويساعد في تحسين المزاج.

- حاول القيام بأنشطة تستمتع بها، مثل: الرياضة، والقراءة، والسفر، أو ممارسة هواية مفضلة؛ فهذه الأنشطة يمكن أن تساعد في تحسين مزاجك، وتقديم إحساس بالإنجاز.

- الزواج قد يكون خطوةً إيجابيةً، ولكن من المهم أن تكون مستعدًا عاطفيًا ونفسيًا لهذه الخطوة، وتأكد من أنك تتخذ هذا القرار للأسباب الصحيحة، وليس فقط كوسيلة للهروب من مشاعر الحزن.

وصدمة الوفاة، والتي تُعرف أيضًا بـ"الصدمة النفسية بسبب الخسارة"، هي ردة فعل عاطفي ونفسي، يمر به الفرد عند فقدان شخص عزيز، مثل: وفاة أحد الوالدين، وهي تجربة مؤلمة يمكن أن تؤثر على مختلف جوانب الحياة.

وإليك شرح مبسط لآلية تأثير هذه الصدمة:

- في البداية، قد يشعر الشخص بالصدمة أو الإنكار، وهي آلية دفاعية يستخدمها العقل لحماية النفس من الألم الشديد، وقد يجد الشخص صعوبةً في تصديق ما حدث.

- بعد تجاوز مرحلة الإنكار، يبدأ الشخص في الشعور بالحزن العميق والألم، وهذه المشاعر قد تكون مصحوبةً بالبكاء، والاكتئاب، والشعور بالوحدة.

- قد يمر الشخص بمرحلة من الغضب؛ حيث يشعر بالغضب تجاه الأشخاص أو الظروف التي تسببت في الخسارة، كما قد يلوم نفسه أو الآخرين.

- في هذه المرحلة، قد يحاول الشخص إيجاد طرق للتخفيف من الألم، مثل: المساومة مع النفس مقابل التخفيف من الألم، ولا شك أن القرب من الله تعالى في هذه المرحلة هو القرار الصحيح.

- بمرور الوقت، يبدأ الشخص في تقبل الواقع، ويتعلم كيفية التعايش مع الخسارة، وهذا لا يعني نهاية الحزن، ولكنه يعني تعلم كيفية الاستمرار في الحياة بدون الشخص الراحل.

- الشخص يبدأ بالعودة تدريجيًا إلى روتين حياته اليومي، مع الحفاظ على ذكرى الشخص الراحل، والتعلم من التجربة.

ومن المهم الإشارة إلى أن هذه المراحل ليست خطيةً؛ فقد يتنقل الشخص بينها بطرق مختلفة، كما أن التجاوب مع الصدمة يختلف من شخص لآخر بناءً على عوامل متعددة، مثل: شخصية الفرد، ودعم الأسرة والأصدقاء، والجانب الإيماني.

في مواجهة صدمة الوفاة والأفكار الانتحارية، يمكن للتعلق بالله والتمسك بالجوانب الإيمانية أن يقدما الدعم والسلوى، وإليك بعض النصائح الإيمانية التي قد تساعد:

- الصلاة هي ركن أساسي في الإسلام، ووسيلة للتقرب إلى الله، وتخصيص وقت للصلاة والدعاء يمكن أن يوفر الراحة النفسية، ويساعد في التغلب على الأفكار السلبية، قال تعالى: ﴿وَٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِیرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَـٰشِعِینَ﴾ [البقرة ٤٥].

- القرآن مصدر للهداية والراحة؛ فقراءة القرآن، وتدبر آياته يساعد في تهدئة القلب، والعقل، ويقوي الصلة بالله.

- الاستغفار، وتكرار الأذكار اليومية، يساعدان على تطهير النفس، وتجديد الأمل؛ فالذكر يذكر الإنسان بمحبة الله ورحمته.

- التأمل في الطبيعة، والتفكر في خلق الله، يساعدان على تعزيز الإيمان، ويعطيان شعورًا بالتواصل مع الخالق.

- الإسلام يعلمنا الصبر، والثقة في الله خلال الأوقات الصعبة، والتذكير بأن الله مع الصابرين يساعد على تحمل الألم، قال تعالى: ﴿وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [هود ١١٥].

- التواصل مع شخص موثوق به، مثل: إمام المسجد أو مستشار ديني قد يقدم الدعم والنصح اللازم.

- العمل التطوعي ومساعدة الآخرين يمكن أن يقدما شعورًا بالإنجاز والرضا، ويقللا من التركيز على الألم الشخصي.

- الإسلام يحث على التفاؤل، وتجنب اليأس، والتذكير بأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأن بعد العسر يسرًا.

تذكر دائمًا أن الله قريب، ويسمع دعاءك، ويعلم بحالك، وأن التوجه إليه في الدعاء والتضرع يمكن أن يجلب السلوى والراحة.

أخيرًا: تذكر أن الوقت يساعد على التئام الجروح، وأن الحزن يختلف من شخص لآخر في كيفية التعامل معه؛ لذا كن صبورًا مع نفسك، واسمح لنفسك بالحزن، والشعور بالألم، ولكن في نفس الوقت حاول البحث عن الراحة، والتوازن في حياتك.

وفقك الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً