الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التوفيق بين إبقاء العلاقة واتقاء ضرر الأصحاب المخادعين..

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أحب ديني الإسلام كثيرًا، لكنني تكاسلت عن الصلاة لسنين كثيرة، وقد هداني الله قبل فترة -والحمد لله-، وعدت إلى صلواتي الخمس مع النوافل؛ لأعوض جزءًا مما فاتني من طاعة الله؛ لعله أن يغفر لي، ويعفو عني، ويقيني عذاب النار.

كنت في خطبة الجمعة، وسمعت الخطيب يحكي عن ليلة النصف من شعبان، وما فيها من مغفرة لكل العباد المؤمنين إلا المشرك والمشاحن، وأنا لست من المشركين، ولم أشرك بالله أبدًا، لكنني وقفت عند كلمة المشاحن!

كنت دائمًا أحب أصدقائي، وقد كان قلبي صافيًا معهم، لكنني تعرضت للخداع من معظمهم، وكانوا يظهرون لي عكس ما يسرون، وكنت أسامحهم على جميع أخطائهم معي، وأقنع نفسي بأنهم لم يقصدوا ذلك، لكن بعد تكرر نفس المواقف فضلت أن أقطع علاقتي معهم؛ لأني لم أعد قادراً على تحمل المزيد من خداعهم وألاعيبهم، فهل أكون بذلك مشاحنًا؟

أرجو الرد على سؤالي؛ لحرصي على أن أستغل كل يوم من حياتي لأكون ضمن من يغفر الله لهم، ويقيهم عذاب النار.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بدايةً نهنئك بتوبتك وعودتك إلى الصواب، ونسأل الله أن يُعينك على كل خير، وأرجو أن تسأل الله تبارك وتعالى أن يُحببك إلى خلقه، وأن يُحبب إليك الصالحين منهم، ونذكّرك بأن المؤمن الذي يُخالط الناس، ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يُخالط، ولا يصبر.

ومن حقك أن تُحدد المسافة بينك وبين الآخرين، لكن من الضروري أن تُبقي معهم العلاقة؛ كعلاقة السلام، وعلاقة الكلام معهم فيما يُرضي الله، وعلاقة النصح لهم، ورعاية حقوق المسلم: إذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا مرض فعُده، وإذا مات شيّع جنازته.

هذه آداب ينبغي أن يحافظ عليها الإنسان، والإنسان الذي يأتيك منه الشر، فلا مانع أن تجعل العلاقة به علاقةً سطحيةً، لكن لا نريد أن تكون هناك قطيعة؛ لأن القطيعة لا تُفرح سوى عدوّنا الشيطان، واعلم أن من الناس مَن علاقته داء، ومن الناس من علاقته كالغذاء يحتاجه الإنسان، ومنهم من علاقته كالدواء يحتاجه الإنسان عند المرض، مُذكّرًا وناصحًا، ومن الناس من علاقته كالهواء لا يستغني عنه الإنسان.

فلذلك أرجو أن تُبقي شعرة العلاقة بينك وبين إخوانك، ومن حق الإنسان أن يتجنب مَن يأتيه منه الشر، والباب الذي يأتي منه الريح -كما يُقال- تسدُّه وتستريح، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لنا ولك، وأن يجعلنا ممَّن قال الله فيهم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، وممَّن قال فيهم: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}.

{خذ العفو}: إن الله يأمرك أن تُعطي مَن حرمك، وأن تصل من قطعك، وأن تعفو عمَّن ظلمك، وهذا هو العلو الذي ينبغي أن تسعى إليه، أنت وأمثالك من الفضلاء أصحاب الهمم العالية.

أكرر: فلتبق شعرة العلاقة بينك وبين الجميع، ولا مانع من أن تقترب أكثر وأكثر؛ فالإنسان بحاجة إلى رفقة صالحة تُذكّره بالله إذا نسي، وتُعينه على طاعة الله إنْ ذكر، قل لي مَن تُصاحب أقول لك مَن أنت، وقد قال الله لنبيه ولنا: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات والهداية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً