الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدتي تكرهني وتفضل أخواتي عليّ لذا أفكر في الابتعاد عنها!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أمي تكرهني وتدعو علي بالشر، وأنا بعمر 49 سنة، وأعاني من 5 أمراض عضال، ولا أستطيع تحمل الشجار معها، وكرهتها منذ أن كنت صغيرًا.

كانت معاملتها لي قاسية وتفضل إخوتي علي، وتختلق الشجار معي، ومنذ أكثر من 24 سنة وأنا مريض، وأحد أمراضي يجعلني أشعر بضيق الصدر وكثرة القلق، وما زالت تعاملني بقسوة، وأصبحت أفكر في وضع حد لحياتي لكي أعذبها معي.

حاليًا ابتعدت عنها ولا أريد رؤيتها أو التحدث معها، والدتي تحرض بناتها عليّ، فلا يتحدثن معي، والحل الوحيد هو الابتعاد عنها، فمجرد رؤيتها تسبب لي الضغط، لم أحس يومًا بحنانها، بل كنت أتعجب عندما يتحدث بعض أصدقائي عن حنان أمهاتهم! أكره أمي وكل ما يذكرني بها، عشت نصف قرن من الوجود والمعاناة معها، لا أريد شيئًا، أريد فقط الابتعاد عنها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ توفيق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الجواد الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

إننا نتفهم حديثك -يا أخي- والتعب الذي ألم بك مما أورث عندك ضيقة الصدر وكثرة القلق كما تفضلت، ونسأل الله أن يرفع عنك ما ألم بك، ولكن دعنا نضع عدة قواعد ومن ثم نقول لك نصيحتنا:

أخي الكريم: الفطرة التي خلقها الله عز وجل لا تتبدل ولا تتغير، وقد فطر الله الأمهات على محبة أولادهم، هذه قاعدة مطردة لا يمكن أن تتغير، لذا حديثك عن كراهية والدتك لك أمر مستبعد بل مستحيل، وأنت يبدو عليك من خلال صياغتك السؤال متدين، وبالتأكيد تقرأ القرآن، لذا لن تجد آية واحدة توصي الآباء على الأبناء بل عشرات الآيات التي تأمر الأبناء ببر آبائهم وأمهاتهم، وذلك لأن الفطرة هنا حاكمة وقاضية.

ثانيًا: محبة الوالدين لأولادهما لا تعصمهم من الخطأ، نعم قد تخطئ الأم، وقد يخطئ الأب، لكن تعمد إلحاق الضرر بولدهم هو المستحيل بعينه، لذا يجب أن تفرق بين الخطأ والكراهية.

ثالثًا: دعنا نتجاوز مسألة الكراهية والتحريض والتي سيستغلها الشيطان حتمًا لحملك على العقوق، أو على الأقل الابتعاد عنهم، دعنا نتجاوز ذلك لنتحدث عن أمر آخر وهو: هل البر مرتبط بالإحسان إلى الأولاد؟ بمعنى هل البر معاوضة إذا أحسن الوالد وجب البر وإذا أساء توجب العقوق؟

الحق أن البر واجب في كلا الحالتين، والله الذي أمرك بعبادته وعدم الشرك به أوجب عليك برهما ولو كانا كافرين، بل أوجب عليك مصاحبتهما ولو دعواك إلى الكفر والشرك، قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، وحذر الإسلام من العقوق، وهذه بعض النصوص التي يجب أن تكون حاضرة في ذهنك -حفظك الله-:

- عن أبي بكرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر -ثلاثا-؟ قلنا بلى يا رسول الله: قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين..) الحديث.

- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه ومدمن الخمر والمنان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والديوث والرجلة) [رواه النسائي].

- عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يقبل الله عز وجل منهم صرفًا ولا عدلًا: عاق ولا منان ومكذب بقدر) رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بإسناد حسن صحيح.

- عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت رمضان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا ونصب أصبعيه ما لم يعق والديه))، رواه أحمد والطبراني.

كل هذه النصوص وغيرها كثير توجب عليك إعادة النظر في طريقة معاملتك مع والدتك، لا سيما وأنت مقبل على الخمسين، وهذا يعني أنها قريب السبعين، أي أنها في أضعف مراحل حياتها، هي اليوم بحاجة إليك، بحاجة إلى ودك وعطفك وإحسانك إليها، حتى وإن أساءت إليك، اطلب رضا الله في برها، واعلم أنها اليوم معك وغدًا راحلة عنك، فاتق الله فيها وأحسن إليها، وثق أن الله سيكتب أجرك، ويجزيك خير الجزاء على برك بها.

نختم بهذه الآية التي نرجو أن ترددها كثيرًا، هي من أوامر القرآن الحاسمة لك، قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا*رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا).

نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك وأن يرزقك برها، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً