الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي أفضل الطاعات لتجنب سوء التوفيق؟

السؤال

أشعر بسوء التوفيق يلازمني، بسبب ذنب معين أجاهد نفسى لتركه، وأغلب نفسي مرة وتغلبني مرة، فما هي أقرب الطاعات لتجنب سوء التوفيق؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه، وبعد:

الابتلاء أو ما أطلقت عليه -سوء التوفيق- له وجهان، لا بد من فهمها:

الأول: أن الابتلاء سنة وأنه مقصود، يبتلي الله أهل الصلاح رفعة لدرجاتهم، كما يبتلي الله العصاة تكفيراً لذنوبهم، وأملاً في عودتهم إلى الله سالمين، وعليه فالنظر إليه نظرة إيجابية تدفعك إلى التزود من الطاعة، والابتعاد عن المعاصي.

الثاني: أن الأسباب لها دورها في تحقيق الأهداف، فمن جد وجد، ومن زرع حصد، ومن اجتهد في طلب ما يريد أعين على ذلك، وعليه فلا بد من الأخذ بالأسباب كلها شرعية كانت أو مادية.

أخي الكريم: قد ذكرت أن لك ذنباً معيناً لا تستطيع الفكاك منه، وهذا يوجب عليك دراسة أسباب وقوعك في الذنب هذا، وكيفية تجنبه، وعدم الرضوخ لما يوهمك الشيطان به، بأنك غير قادر على تركه، فإن من حيل الشيطان إيهام العبد أن الذنب المقيم عليه لا يمكنه الفكاك منه، وهذا يجعل معالجته له هشة وضعيفة.

حدد ذنبك، واكتب الأسباب التي توقعك فيه، واجتهد في إزالة تلك الأسباب، وكل تخلية يجب أن يكون معها تحلية.

دعنا نضرب مثالاً:
لو أن شاباً كان مفتوناً بفتاة -والعياذ بالله- فإنه يبدأ أولاً بمعرفة الأسباب:
- الفراغ.
- الجيرة.
-زمالة في الجامعة.
-مكان يجمعهما.
كل هذه أسباب عليه أن يبدأ في إزالتها، وهذه هي التخلية ثم يبدأ بالتحلية:
- الصحبة الصالحة.
- الرياضة.
-العمل المجتمعي.
-الصيام.

هو بذلك -أخي- كل يوم سيتقدم؛ لأن للمعصية شؤمها على الفرد، ومن شؤمها:

1- حرمان العلم والهداية:-
روي أن الإمام الشافعي رحمه الله، لما جلس بين يدي إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله، ورأى عليه مخايل النجابة والذكاء بادية، وأعجبه وفورُ عقله وكمال حفظه، قال له ناصحاً: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.

قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 146].

2- الوحشة بين العبد وبين الله:-

في هذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (إن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق، وقوة في البدن ومحبة في قلوب الناس، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب، ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الناس)، وقال جل وعز: ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ ﴾ [النور:40]، وقال: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14].

3- المعصية تورث الذل:
يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:
رأيت الذنوب تميت القلوبَ ** وقد يورثُ الذلَّ إدمانُها
وتركُ الذنوب حياةُ القلوبِ ** وخيرٌ لنفسك عصيانها
وهل أفسد الدينَ إلا الملوكُ ** وأحبارُ سوءٍ ورهبانها

4- حرمان الرزق، ومحق العمر:-
قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
وقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 65، 66]

عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، و إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)، أخرجه الحاكم في المستدرك. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ﴾ [طه: 124، 125].

أما الأعمال الصالحة التي تعجل بالخير، فأولها الفرائض، والسنن الرواتب، مع المحافظة على أمرين:

1- صلة الرحم، فقد جاء ذلك في السنة النبوية حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه) رواه البخاري.

2- كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم حين سأله الطفيل بن أبي كعب عن أبيه: أنه قال لرسول الله: إني أكثر في الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شئت، فقال: الربع، فرد عليه رسول الله: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، فقلت: النصف، فرد عليه رسول الله: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، فقلت: فالثلثين، فرد عليه رسول الله: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، فقلت: أجعل لك صلاتي كلها، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنب) حديث صحيح.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يسعدك في الدارين، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً