الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نرد على من يزعم أن الجن يعلمون الغيب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي استفسار يتعلق بموضوع استراق السمع من الجن، وهل حقيقةً أن الجن يسترقون السمع، ويعرفون المستقبل؟

لقد شاهدت بعض المقاطع لأشخاص يتحدثون عن المستقبل، وأنا لا أؤمن بهذا بناءً على قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "كذب المنجمون ولو صدقوا"، لكن المشكلة أن هناك من يقول إن الجن يسترقون السمع، ثم ينقلون ما سمعوه إلى المنجمين، ومن ثم يدّعون معرفة المستقبل، فما هو الرد على هذا الادعاء؟ وكيف نثبت أن كلامهم خاطئ، بالرغم من أن الجن يسترقون السمع بالفعل؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سمير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبعد:

إننا نتفهم وجه الاعتراض منك، ولكنك متى ما عرفت الحكم الشرعي، والعلة من ذلك، زال عنك ما علق بك -إن شاء الله-.

أما الاستراق، فقد قال الله تعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ) والمعنى: أن الشياطين يركب بعضهم بعضًا إلى السماء الدنيا، ويسترقون السمع من الملائكة، فيرمون بالكواكب فلا تخطئ أبدًا، فمنهم من تقتله، ومنهم من تحرق وجهه، أو جنبه، أو يده، أو حيث يشاء الله، ومنهم من تخبله فيصير غولاً يضل الناس في البوادي.

وقد ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية من سورة الصافات، ما نصه: (أي إلا من اختطف من الشياطين الخطفة؛ وهي الكلمة يسمعها من السماء، فيلقيها إلى الذي تحته، ويلقيها الآخر إلى الذي تحته، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها بقدر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه، فيذهب بها الآخر إلى الكاهن).

وهو بذلك يشير إلى الحديث الذي رواه البخاري -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، ينفذهم ذلك، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، وصفه سفيان أي راوي الحديث بكفه، فحرفها، وبدّد بين أصابعه، فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر، أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربّما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا، وكذا، كذا، وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء".

والحاصل أن أكثر هؤلاء لا يصلون إلى أهدافهم، وأن القلة الباقية إنما تبقى بقدر الله تعالى ليكون ابتلاءً يتمايز به المؤمنون حقًا بالغيب، من غيرهم.

وما يتم نقله لا تثبت به حجة، ولا يقوم به برهان؛ لأنه قليل بنفسه، ضعيف بذاته، لذا يحتاج المنجم أن يضيف أضعاف أضعاف ما سمع من نسج في خياله، ليوهم من أمامه بمعرفته بالغيب، وهو كاذب في ادعائه قطعًا.

وأما عبارة: "كذب المنجمون ولو صدقوا" التي ذكرتها على أنها حديث نبوي، فليست حديثًا نبويًا، ولم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي حكمة من الحكم الدارجة التي جرت على ألسنة الناس، وإنما الثابت عن النبي ﷺ أنه قال: ((من اقتبس شعبة من النجوم؛ فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد))، رواه الإمام أحمد وابن ماجه وأبو داود واللفظ له.

وبهذا نعلم أن الله كما يبتلي الناس بالأمراض أو الفتن، فإنه يبتليهم بمثل هؤلاء بعد أن علمنا حالهم، وكشف لنا كذبهم، والجميع في الدنيا التي هي دار امتحان مخير بين أن يستمع إلى كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبين هواه (إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا).

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات