الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصيب زوج قريبتي بمرض نفسي، فهل تطلب الطلاق؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي سؤال حول ابنة خالي، أبرمت عقد نكاحها على رجل من أقاربها، لكن للأسف أصيب هذا الشاب بمرض نفسي لا يعلم سببه؛ إن كان سحراً، أو غير ذلك، خاصة وأنه كان قد سبق له الزواج، وله ولدان، ثم طلق المرأة الأولى.

الآن تسأل هذه المرأة: هل تصبر فربما يتعافى هذا الشاب، أو تطلب الطلاق؟ خاصة وأن مرض هذا الشاب قد طالت مدته، وهذا الشاب هو ابن خالة السائلة؛ لذلك تطلب منكم المشورة.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سفيان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الترهيب والتخويف من أن تسأل المرأة الطلاق من غير سببٍ يُسوّغ ذلك ويدعو إليه، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ ‌سَأَلَتْ ‌زَوْجَهَا ‌الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ»، وفي رواية: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ»، وفي رواية البيهقي وغيره: «‌وَإِنَّ المُخْتَلِعَاتُ ‌هُنَّ المُنَافِقَاتُ، وَمَا من امْرَأَة ‌تسْأَل ‌زَوجهَا ‌الطَّلَاق ‌من ‌غير بَأْس فتجد ريح الْجنَّة، أَو قَالَ رَائِحَة الْجنَّة».

ولكن واضحٌ جدًّا من هذه الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نهى المرأة وخوّفها من سؤال الطلاق إذا لم يكن أمرٌ يُسوِّغُ ذلك؛ فإذا كان الزوج مريضًا بمرضٍ نفسيٍّ -كما ذكرتَ-، وكان هذا المرض يمنع من قيام الحياة الزوجية على وجهها الْمُعتاد المتعارف عليه، ويحول دون استمتاع الزوجة بزوجها؛ فإن هذا مُسوّغٌ ظاهرٌ يُسوِّغُ ويُبرّرُ لها طلب الطلاق، ثم الأمر يرجع بعد ذلك إلى تقدير القاضي الشرعي؛ فإذا رُفع الأمر إلى قاض يحكم بالشريعة الإسلامية في مسائل الطلاق والنكاح، وقدّر أن هذا الأمر ممَّا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق بسببه، وأن العيش معه فيه مضرَّةٌ عليها؛ فحينها يتبيّن أنه لا حرج عليها في ذلك.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُقدّر لهذه المرأة الخير حيث كان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الشيخ أحمد الفودعي، المستشار الاجتماعي والأسري.
وتليها إجابة الدكتور محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سؤالك هذا حقيقةً من الأسئلة الهامة، وجزى الله خيرًا الشيخ الدكتور أحمد سعيد الفودعي، فقد أفادك إفادة بليغة وواضحة فيما يتعلق بالجانب الشرعي في هذا الأمر.

أمَّا بالنسبة للجانب النفسي فأقول لك: الحمد لله تعالى أنا كنت عضوًا في لجنة الزواج المتعلقة بمثل هذه الحالات، في البلد الذي أعمل فيه، والشيء المتفق عليه نفسيًّا -وهو لا يتعارض مع الشرع أبدًا، بل على وفاق تامّ مع الشريعة الإسلامية- هو أنه إذا أخفى الزوج أو الزوجة المرض قبل العقد؛ فنرى حقيقةً أن هنالك خللاً كبيراً جدًّا في الزواج، والطرف الآخر الذي اكتشف مرض الطرف الأول له الحق أن يطلب الطلاق، هذا هو الموقف الأول.

الموقف الثاني: والذي ينطبق على هذا الشاب، هو أن المرض النفسي قد حدث له بعد الزواج، وفي هذه الحالة طبعًا نحن نقول: إن المرض ليس عيبًا، وهو أمرٌ قد يُكتسب في أي مرحلة من مراحل الحياة، ووجود الزوجة بجانب زوجها أمرٌ مطلوب؛ لأن المساندة العلاجية والتأهيلية يحتاجها المريض النفسي من أقرب الناس إليه، وأنا أعتقد أنه من البر ألَّا تتخلّى المرأة عن زوجها في أوقات الضعف، وكذلك الزوج طبعًا لا يتخلى عن زوجته في أثناء الضعف، والزواج أصلًا هو مودة وسكينة ورحمة، والرحمة لا تكون بين المتساويين؛ بل تكون دائمًا بين مَن هو قويّ ومَن هو ضعيف، والضعيف يحتاج لشيء من المساندة من القوي.

إذا كان المرض النفسي الذي يُعاني منه الشخص يُشكّل خطورة على زوجته؛ ففي هذه الحالة نحن ننصح تمامًا بالافتراق؛ لأن المريض النفسي -خاصةً الذي يُعاني الأمراض الذُّهانية العقلية- إذا كانت تنتابه ظنانيات وشكوك، فأوّل مَن يعتدي عليه هو أقرب الناس إليه، وهذا أمرٌ جوهريٌ.

أمَّا الأمراض البسيطة مثل: الوساوس، والقلق، والتوترات، والمخاوف؛ فهذه ليس فيها خطورة أبدًا.

والحل العملي والصحيح هو: أن تذهب الزوجة مع زوجها إلى الطبيب المعالِج، والطبيب المعالِج بعد إذن الزوج يمكن أن يزودها بكل المعلومات حول طبيعة زوجها، والخطة العلاجية، وإن كان هنالك أملٌ في التحسُّن أو الشفاء، وما هو المآل الحقيقي لحالة الزوج، وإن كانت هنالك خطورة عليها أو لا تُوجد خطورة.

هذا النقاش والحوار يمكن أن يدور بين الطبيب المعالِج والزوجة، لكن هذا لا يمكن إلَّا بعد أن يسمح المريض -وفي هذه الحالة هو الزوج- للطبيب بأن يفصح عن المعلومات الطبية الضرورية والمهمّة، وذات العلاقة الزوجية بالنسبة للزوجة.

على ضوء ذلك يمكن لهذه الأخت الكريمة أن تتخذ قرارها، أعتقد أن الأمر واضح، وما ذكره الشيخ أحمد الفودعي -حفظه الله- وما أوردناه لك يجعل الرؤيا واضحة جدًّا حول هذه الحالة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً