الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل برفضي السكن مع عائلة زوجي أشجعه على العقوق؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعيش أنا وزوجي في استقرار -والحمد لله-، في شقة ملك بعيدة عن منزل أهله، لكن والدَيه قد بنيا منزلًا جديدًا، ويرغبان في أن ننتقل للعيش معهما في شقة مستقلة ضمن منزل العائلة.

إلا أنني أرفض ترك منزلي الحالي، والانتقال إلى منزل العائلة؛ لأنني أشعر بالراحة والاستقرار في منزلي، ولا أرغب في تكرار تجربة سلفتي، والتي انتقلت للعيش معهم، وقد لاحظت أن وضعها لا يروق لي.

فمفتاح الشقة موجود في الباب، وتستطيع حماتي الدخول في أي وقت تشاء، كما أن أغراض بيتها مباحة في أي وقت، بحجة أننا بيت واحد، وزوجي يؤكد لي أنه سيضع حدودًا واضحة لخصوصيتنا، ولن يجعل الوضع كأخيه، ولكنني أعرف طبعه الطيب والحنون، وأدرك أنه قد لا يستطيع الالتزام بذلك.

والدا زوجي وإخوته يستبيحون هذه التصرفات بدافع الحب والترابط، أما أنا فلا أرتاح لذلك، وأُفضِّل الزيارات الخفيفة، والعلاقات الطيبة التي تقوم على الاحترام المتبادل، مع الحفاظ على المسافة المناسبة مستقبلًا.

أنا أرى أن من حقي البقاء في شقتي المستقلة والبعيدة، بينما يرى زوجي أن رفض الانتقال إلى منزل العائلة يُعد من العقوق، مع العلم أنه لا توجد حاجة ملحّة للانتقال، بل هو فقط من باب التجمع في السكن.

فهل أنا فعلاً أحثّه على العقوق؟ وهل ليس من حقي أن أعيش في منزلي الخاص، مع الحفاظ على برّ والديه وزيارتهما بانتظام؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ الاهتمام وحُسن عرض السؤال، ونُهنئكما على هذا الاستقرار المادي، والاستقرار الأسري، ونسأل الله أن يُديم علينا وعليكم النعم.

في مثل هذه الأمور، لا بد من النظر إلى العادات والتقاليد المألوفة، مع إدراك أن لنا دورًا كبيرًا في تصحيح المفاهيم الخاطئة، لذلك نتمنى أن تنجحي في إقناع زوجكِ بأن يقوم هو بهذا الدور، لأننا لا نرغب في أن يشعر والده ووالدته بأنكِ لا تحبينهما، أو لا ترغبين في السكن معهما، أو في ألا تكوني إلى جوارهما، أو أنكِ تحاولين عزل ولدهما عنهما.

لا نريد لمثل هذه المفاهيم –الخاطئة بكل أسف– أن تتسلل إلى نفوسهما، مع قناعتنا التامة بأهمية أن يكون للزوجة حياتها الخاصة، ومكانها الخاص، ووقتها الخاص، فهذه كلها حقوق شرعية معروفة.

وإذا كان زوجكِ حريصًا على تأمين هذا الجانب، والحرص على التأكيد عليه، وأنه سيبني علاقات مع أسرته تضمن هذه الضوابط، وتضمن لك الخصوصية، شريطة أن يتولى هذا الأمر بنفسه، فلا تُظهري أنت لهما شيئًا في هذا الاتجاه، لأن الشيطان يجعلهما يفهمان الأمور فهمًا سلبيًا؛ وأنكِ لا تحبينهما، وتريدين عزل زوجك عنهما، وأنكِ كذا وكذا... يعني مثل هذه الوساوس، فشأن الشيطان وهمّه أن يغرس العداوة والبغضاء بين الناس.

الأمر ليس سهلًا، ولكن نتمنى إذا كان هناك رفض أو اعتذار أو معالجات، أن تأتي من طرف الزوج، وعليه أن يتحمل مسؤوليته كاملة في أن يضمن لكِ الخصوصية، ويضمن لكِ الحياة الآمنة المستقرة، التي أيضًا تُراعى فيها الضوابط الشرعية، فإن الدخول إلى البيوت والخروج منها، والأماكن الخاصة، هذه أشياء شرعية، لا بد أن نُراعي فيها أحكام هذا الشرع الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

وكما قلتِ، يؤسفنا أن بعض هذه العادات متأصلة في كثير من الشعوب العربية والإسلامية، وأنهم يرون أن هذا الوجود العائلي هو الصحيح، وهذا قطعًا هو مفيد، ولكن ليس بالحالة الموجودة الآن التي لا تُراعى فيها الضوابط، والخصوصية، ولا أوقات الزيارة، ولا تُحترم الممتلكات الخاصة، إذ يتم العدوان عليها.

نؤكد أن الأمر ليس سهلاً، ولكن ما بينكِ وبين زوجكِ أعظم من ذلك، أبرزي قناعاتكِ، وشجعي زوجكِ على تطبيق الأحكام الشرعية، وامنحا نفسيكما الفرصة لتفويت الفرصة على النمامين وشياطين الإنس والجن، الذين قد يستغلون هذا الرفض ليفرقوا بينكما وبين الأسرة الكبيرة، مع احتفاظكما بحق العودة إلى بيتكما الأصلي في بعض الأوقات.

ثم إذا تعذر الأمر، فعليكما أن تخرجا بمبررات مقنعة، وأكرر دعوتي بأن يتولى الزوج إدارة هذا الملف، لأن هؤلاء هم أهله، ولا نريد أن تظهري أنتِ في الواجهة على أنكِ رافضة، أو غير راضية على هذا الوضع.

ومسألة البر والعقوق لا علاقة لها بهذا، لأنه يستطيع أن يبرّ والديه بغير ذلك، ويستطيع أن يبرّهما حتى لو لم يكن يسكن معهما، ونسأل الله أن يُعينكِ على الخير، وأن يكتب لنا ولكم النجاح والتوفيق والسداد.

الوصية الأخيرة بعد تقوى الله هي: أن يُدار هذا الموضوع بمنتهى الهدوء والحكمة، ونسأل الله أن يُقدّر لكما الخير، ثم يُرضيكما به.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً