الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشكلة الوحدة أوقعتني في اقتراف الشهوات، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب عمري 18 سنة، مدمن على مشاهدة الأفلام الإباحية والعادة السرية، حاولت كثيرًا أن أبتعد عنهما، لكني لم أتمكن من ذلك، ولدي شهوة قوية جدًّا، وبحثت عن حلول؛ لأني أعلم أن ما أفعله يُغضب ربنا، ويسحب بركة وقتي ويومي، لكني لا أستطيع الابتعاد عنهما.

حاولت كثيرًا أن لا أكون في خلوة، لكنني أساسًا أجلس وحدي معظم الوقت، فأنا في خلوة طوال الوقت تقريبًا، والمشكلة أنني في فترة امتحانات، وبالتالي لا أستطيع الخروج كثيرًا للذهاب إلى الجيم، أو ممارسة الرياضة، أو الجلوس مع أصدقائي الصالحين؛ فهذه الأمور غير متاحة حاليًا.

حاولت أن أبدأ يومي بالصلاة وقراءة القرآن، لكني لا أستمر طويلًا، وسرعان ما أجد نفسي أعود لممارسة العادة السرية، ويتعطل يومي كله بعدها.

صليت كثيرًا، ودعوت الله مرارًا أن يعينني وينجيني من هذه المشكلة التي أعيشها؛ لأنها تدمر مستقبلي حرفيًا، ولكن لا أرى تغيّرًا، وأخشى أن يصل بي الحال إلى التفكير الإلحادي -والعياذ بالله-.

قلت لنفسي: كلما شعرت بالشهوة أو الضعف، سأعاقب نفسي بالضرب بعصا سيليكونية؛ حتى لا أؤذي نفسي كثيرًا، وعندما أضرب نفسي أشعر بالألم، فأعتدل وتذهب الشهوة، كلما راودتني الشهوة أضرب نفسي، وكذلك إذا فوت صلاة، أعاقب نفسي بالضرب كي أستقيم.

لكن بعدما قرأت عن هذا الأمر، وجدت أنه لا يجوز شرعًا أن أعاقب نفسي بهذه الطريقة، مع أنني لم أجد حلاً أنسب من ذلك في حالتي، خاصة وأنني رأيت نتائج إيجابية بعض الشيء من هذا الأسلوب.

سؤالي: هل يجوز لي استخدام هذا الأسلوب كعقوبة لنفسي في هذه الحالة؟ لأني حقًا لا أجد طريقة أخرى أنسب منها.

أريد أن أتقرب إلى الله وأقرأ القرآن، لكن لا أستطيع، وأريد أن أذاكر وأجتهد حتى يكرمني الله وألتحق بكلية أحلامي (كلية الهندسة)، لكنني غير قادر على ذلك، كل هذا بسبب العادة السرية التي دمّرت حياتي وتفكيري وعقلي وجسمي وطاقتي، أريد أن أبتعد عنها، لكنني لا أقدر، أشعر أن الله لن يكرمني بسبب ما أفعله!

أرجو منكم مساعدتي، ونصحي، وإنقاذي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك أخانا الفاضل في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

بدايةً، نُبشّرك -أخي الكريم- بأن هذه الروح التي تدفعك للسعي نحو الخير، والرغبة في التوبة، والابتعاد عن المعصية؛ هي علامة خير في قلبك، ونفسٌ لوّامة تحثك على تزكية نفسك، لذا، لا تُبالغ في جلد الذات أو كثرة اللّوم، حتى لا تفتح بابًا للشيطان، فيُقنِطك من رحمة الله، ويُغلق أمامك سُبل التوبة والتغير، ويُزيّن لك الكبائر وما هو أعظم منها -كالإلحاد- والعياذ بالله.

أكثِر من عبارات التفاؤل والاستبشار بالفرج، وثق أنك قادر -بعون الله- على الانتصار على هذه العادة السيئة؛ فبذلك تُجدّد العزيمة في نفسك وتقوّي إرادتك، فكثرة اللوم واليأس تُضعف الهمة وتزيد من العجز، وقد أوصانا النبي ﷺ بالاستعانة بالله والاجتهاد وعدم الاستسلام، فقال: «استعن بالله ولا تعجز».

ثم اعلم -وفّقك الله- أن كل ابن آدم مُعرّض للزلل والتقصير، فقد قال النبي ﷺ: «كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوّابون» ولكن التقي الصالح يبادر إلى التوبة، ويُكثر من الاستغفار والعمل الصالح كلّما أخطأ أو غفل، ليمحو أثر المعصية من قلبه، كما قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114].

أخي الكريم: ضع في ذهنك أن الله تعالى لم يُحرّم علينا شيئًا إلا وكان في طاقتنا اجتنابه، كما قال سبحانه: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، وقال أيضًا: (ومَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78] فشرع الله رحمة، لكن الناس يختلفون في مدى التزامهم به بحسب قوة إيمانهم وهمّتهم.

لذا، ننصحك -أخي الكريم- بمجموعة من التوجيهات العملية التي ستُعينك -بإذن الله تعالى- على الخروج من هذه المشكلة، لكن تأكّد أولًا أنك العنصر الأهم في تحقيق نتائج هذا التغيير، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69].

أولًا: العلاج المعرفي:
للتوقف عن هذه العادة، لا بد من كسر لذة "المكافأة" الناتجة عنها، وذلك ببناء وعي عميق حول أربعة أمور:

• استشعار عِظَم المعصية ومخالفتها لأمر الله، وما تجلبه من سخطه سبحانه، وتجرُّؤ على حدوده في الخلوات، حتى يصبح الله -والعياذ بالله- أهون الناظرين إلى العبد، كما أن هذه المعصية تُزيل الطمأنينة، وتُورث القلق والهمّ والضيق.
• خطر الإدمان الصحي والنفسي، وما يُسببه من انسحاب اجتماعي، وتراجع في الإنتاج، وشعور بالفراغ واللا معنى، مما يفتح باب الاكتئاب، ويُؤثر على حياة الإنسان بأكملها.
• أثرها السلبي على المستقبل، فهذه العادة تُضعف طاقة الإنجاز، وتؤثر في طموحات الإنسان وقدرته على التقدّم والمنافسة.
• خطر الانحدار السلوكي، فهذه العادة لا تبقى عند حدّها، بل تفتح الباب لممارسات أخطر، مثل إدمان الإباحية، أو الوقوع في العلاقات المحرّمة -والعياذ بالله-.

ثانيًا: العلاج السلوكي:
ويتضمن مبادرات عملية وجادة للخروج من المشكلة:

• إغلاق منافذ الإثارة: مثل النظر الحرام، أو تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي، أو متابعة الأفلام. فلما حرم الله الزنا حرم وسائله، قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30]، فغض البصر أساس الوقاية.

• إضعاف مُحفّزات العادة: ومنها كثرة الطعام، والخلوة بدون عمل نافع، والفراغ الذهني، وقد وصف النبي ﷺ هذا الدواء فقال: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء». فالصيام الحق هو الذي يكسر الشهوة ويضيق مداخل الشيطان، ويمنع التفكير في الغرائز، فهو علاج نبوي ناجع.

• المسارعة إلى الزواج: متى ما توافرت القدرة الجسدية والمادية والنفسية، فباب العفّة الأكبر هو الزواج.

أخي الكريم: عليك أن تُزاحم فكر الشهوة بفكر الصلاح، وأن تملأ وقتك بالنافع من العلم والعمل والطاعة، فإن النفس إن لم تُشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، حتى لو كنت بمفردك، فاجتهد في دراستك، فانهماك القلب والعقل، يقطع على الشهوات الوصول إلى النفس، وابتعد عن كل ما يُذكّرك بالشهوة من وسائل وأصدقاء، واملأ وقت فراغك بنشاطات تبعدك عن المعصية، كالرياضة ونحوها.

أخي الكريم: لا شك أن هذه الشهوة في سن المراهقة ابتلاء واختبار، ولا بد من الصبر والمجاهدة لتربية النفس على الخير، كما قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت: 2]، وهذه المجاهدة مأجور صاحبها بإذن الله، قال ﷺ: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه». فاعلم أن هذا هو طريق العلاج الصحيح -بإذن الله- ولا حاجة لتعذيب النفس أو ضربها، فالله لم يجعل طاعته في ضرر أو إيذاء.

أخيرًا: اعتصم بالله، وأكثر من الدعاء، وداوم على التوبة والاستغفار، واملأ وقتك بالطاعات، واطّلع على سير أصحاب الهمم العالية والقلوب الزكية، واجعلهم قدوةً لك؛ فإنّ سمو الروح وعلو الهمة يُعينك على التحرر من أسر هذه العادة، واحتقار ما فيها من دناءة وقبح.

وبالنسبة لسؤالك حول مدى جواز طريقة العقاب النفسي -التي ذكرتها- من عدمها، يرجى مراسلة مركز الفتوى بالموقع؛ لأنه المختص بسؤالكم، وذلك على الرابط الآتي:
http://www.islamweb.net/ver2/fatwa/index.php

وفقك الله وأعانك، وفتح لك أبواب الخير، ويسّر أمرك لما يحب ويرضى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً