الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سيطر علي الأرق والخوف من الموت بعد حدوث زلزال..هل من نصيحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود أن أشكر هذا الموقع الكريم على ما يقدّمه للأمة الإسلامية، جزاكم الله خيرًا، ورزقكم الجنة.

حدث في مصر زلزالان متتاليان، عند وقوع الزلزال الأول، ظننت أنني فقط أشعر بعدم اتزان، ولكن عندما أخبرتني والدتي أنه زلزال، شعرت برعب شديد، وقمت لأُصلّي العشاء، ظللت أفكر كثيرًا في الأمر، لكن بعد يومين هدأت، وقلت لنفسي: "لن يتكرر بإذن الله".

ولكن الزلزال الثاني وقع بعد حوالي 8 أيام، وهذه المرة كنت وحدي، شعرت به بوضوح، فاجتاحتني حالة من الخوف لم أشعر بها من قبل، حتى أن قدمي كانت ترتجف وتتخبط في بعضها، وقلبي كان ينبض بقوة شديدة، قمت مباشرةً للصلاة، وما زال الخوف يسيطر عليّ.

في ذلك اليوم، لم أستطع النوم أو القيام بأي شيء سوى الشعور بالخوف والرعب، ظل الإحساس بالزلزال يرافقني حتى من أبسط الحركات؛ كدقات قلبي أو اختلال توازني، فأحسبها زلزالًا، كنت أشعر به وكأن لا أحد غيري يلاحظه، صرت أرتدي ثوب الصلاة طوال الوقت خشية وقوعه مرة أخرى.

ومنذ ذلك اليوم، الذي مضى عليه قرابة شهر، وأنا أشعر بعدم الأمان والطمأنينة، أخشى أن يحدث زلزال ثالث في أي لحظة، لا أستطيع الجلوس وحدي، وصار الخوف من الموت والقيامة يلازمني بشدة.

عندما أكون وحدي، ينتابني شعور غريب بأنني سأموت فجأة، وأحس كأن ملك الموت قادم ليقبض روحي، فأرتعب، وفي نفس الشهر، حدثت عاصفة قوية ومدمرة، وازداد خوفي، لكن وجود عائلتي خفف من الرعب.

أنا الآن في فترة امتحانات حاسمة، فهي السنة النهائية من المرحلة الثانوية، وعائلتي تنتظر مني نتيجة عالية، لكنني لست على ما يرام، ولا أستطيع التركيز، أو حتى الرغبة في الدراسة، مع أنني كنت مجتهدة سابقًا.

ماذا أصنع؟ أرجوكم مساعدتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جنى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بكِ في إسلام ويب.

طبعًا الزلازل تُعد من الكوارث الطبيعية المعروفة، ولا شك أن الزلازل قد تُولّد مشاعر الخوف لدى الكثيرين، والناس يختلفون في درجة تحمّلهم لمثل هذه الأحداث، فمنهم من يملك قدرة عالية على التحمُّل، ومنهم من يتأثر سريعًا.

والزلازل ككوارث طبيعية عامّة قد ينتج عنها ما يُعرف بـ (عُصاب - أو رهاب- ما بعد الصدمة)، ويبدو أن ما حدث لكِ هو شيء من هذا القبيل، وبعد الزلزال الثاني أصبحتِ غير مطمئنة، ومن الواضح أنه أصبحت تأتيك اجترارات ما وذكريات عن ما حدث، وهذا ولّد لديك ما نسميه بـ (الخوف التوقعي) والخوف من الموت.

هذه صورة إكلينيكية معروفة جدًّا لدينا في الطب النفسي، وأنا أريدك أن تطمئني –أيتها الفاضلة الكريمة– فهذه الأحداث أحداث عامة، وتصيب جميع الناس إذا وقعت، وإن شاء الله تعالى لن تتكرر، وإن تكررت فبدرجة أقل بإذن الله تعالى؛ لأن مصر أصلًا ليست من الدول الواقعة ضمن أحزمة الزلازل النشطة عالميًّا.

والأمر الآخر: أي كارثة طبيعية يجب ألّا تُشخصن، بمعنى: أن لا تعتقدي أنك أنت الوحيدة التي تأثرتِ بهذا الأمر؛ بناء الشعور على هذه الكيفية والطريقة يقلل كثيرًا عندك من الخوف، ويجب أن تحرصي كل الحرص على الأذكار؛ الأذكار مهمة جدًّا، وخاصة أذكار الصباح والمساء، فهي تحفظ النفس وتقي من الخوف بإذن الله تعالى.

وأريدك أيضًا أن تصرفي انتباهك عن أفكار عصاب ما بعد الصدمة، من خلال استبدالها بأفكار جديدة إيجابية وجميلة، تخيّلي أنكِ أنهيتِ امتحاناتك بأفضل أداء، وتحصلتِ على درجات عالية، ودخلتِ الكلية التي ترغبين فيها، ثم تخرجتِ منها بتفوق، وهكذا، عيشي هذا النوع من الفكر الإيجابي الاستبدالي، فهذا مهم جدًّا، وليس وهمًا ولا خداعًا للنفس.

والشيء الآخر أريد منك تعلُّم تمارين الاسترخاء، وخاصة تمارين التنفس المتدرج، وهناك برامج ممتازة على (يوتيوب) توضح كيفية ممارستها، كما أن استشارة رقم (2136015) في موقعنا توضح كيفية تطبيق هذه التمارين عمليًّا:

التركيز على التدبر والتأمُّل في أثناء تطبيق الاسترخاء، مع أخذ نفس عميق عن طريق الأنف، وهذا هو الشهيق، ويجب أن يكون عميقًا، وبطيئًا، يستغرق تقريبًا حوالي 8 ثوانٍ، وبعد ذلك احبسي الهواء في الصدر لمدة 4 ثوانٍ، وهذا مهمٌّ جدًّا ليساعد في انتشار الأكسجين في الجسد، ثم بعد ذلك يكون الزفير، وهو أن تخرجي الهواء بقوة وبطء عن طريق الفم، وهذا يجب أن يستغرق حوالي 8 ثوانٍ.

يُكرّر هذا التمرين خمس مرات متتالية، مرة صباحًا ومرة مساءً..؛ هو تمرين مفيد جدًّا، كما أن هناك تمارين أخرى تعتمد على شد العضلات ثم استرخائها، وهي فعالة أيضًا.

الوسيلة العلاجية الأخيرة هي الدواء، لكن هذا يحتاج إلى موافقة أسرتك الكريمة، يوجد دواء مناسب يسمى (سيرترالين، Sertraline)، ويُعرف تجاريًا باسم (زولفت، Zoloft)، وفي مصر يوجد أيضًا منتج محلّي فعّال يسمّى (مودابكس، Moodapex)، وهو دواء ممتاز لعلاج رهاب أو عصاب ما بعد الصدمة، وأنت تحتاجين له بجرعة صغيرة، حبة واحدة، الحبة تحتوي على 50 ملغ، لكن ابدئي -إذا أهلك وافقوا- بجرعة 25 ملغ يوميًّا لمدة 10 أيام، ثم اجعليها حبة كاملة (أي 50 ملغ) يوميًّا لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفّضيها إلى نصف حبة (أي 25 ملغ) يوميًّا لمدة أسبوعين، وبعدها 25 ملغ يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.

ويُضاف إليه دواء آخر بسيط جدًّا يُسمى (بروبرانولول، Propranolol) هذا هو اسمه العلمي، واسمه التجاري (إندرال، Inderal)، تحتاجين إلى تناوله بجرعة 10 ملغ صباحًا لمدة شهرين، وهو ينتمي إلى مجموعة تُعرف بـ (كوابح بيتا)، وهو متميز جدًّا؛ لأنه يؤدي إلى التقليل من إفراز الأدرينالين، ممَّا يُخفف من أعراض تسارع القلب، أو الرجفة، أو التعرق.

هذه أدوية بسيطة وسليمة وفعّالة، فأرجو أن تطبقي كل ما ذكرته لك، ونظّمي وقتك، واجتهدي في دراستك، واهتمي بالنوم الليلي المبكر، واستيقظي لصلاة الفجر في وقتها، ثم ابدئي يومك بالدراسة؛ فهذا وقت عظيم للاستيعاب والفهم.

بارك الله فيكِ، وجزاكِ الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً