الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بأن هنالك تعطيلًا في موضوع زواجي، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري، وأود استشارتكم في أمر يؤرقني، وهو ما إذا كنت أعاني من تعطيل في موضوع الزواج، أم لا؟

يتقدم لي بعض الخُطّاب، لكن دائمًا ما تتعسر الأمور؛ فإمَّا أن يذهب الخاطب ولا يعود، أو يُحدّثني بعض الناس عن شخص مناسب، لكنّه لا يتقدّم أبدًا، إلَّا مرةً واحدة فقط تقدّم لي شاب، لكن بعد الرؤية الشرعية لم يكتمل الموضوع.

بسبب هذا الوضع، أصبحت أعاني من الوساوس، والقلق، وكثرة التفكير، وأشعر وكأن هناك تعطيلًا في موضوع الزواج، واستشرتُ أحد الأئمة، فأخبرني بأن هناك احتمالًا لوجود تعطيل، لكن والدي رفض أن أرقي نفسي، وقال إن ما أعاني منه مجرد وسواس.

والله إنني في حيرة شديدة، وأصبحت كثيرة التفكير، فهل ما أمرُّ به يُعد أمرًا طبيعيًّا قد تمر به أي فتاة؟ أم أن هناك فعلًا تعطيل في زواجي؟

مع العلم أنني في صغري تخطّيت مكانًا فيه سحر، وأُصبت بأذى بسببه، وقد عالجت نفسي بالرقية الشرعية، وقيل لي إن السحر لم يكن موجهًا لي، بل لشخصٍ آخر، وأنا من تخطّيته بالصدفة، فهل يمكن أن يكون لما حدث علاقة بما أَمُرُّ به الآن أم لا؟

أرجو منكم الرد، وشكرًا جزيلًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أصالة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ أختنا الكريمة في موقعكِ "إسلام ويب"، ونسأل الله أن يحفظكِ، وأن ييسِّر لكِ أمركِ.

أختي الكريمة، سؤالكِ في غاية الأهمية، وهو سؤال يتكرر كثيرًا من فتيات حائرات في أمر تأخر الزواج، فلستِ وحدكِ في هذا الابتلاء، لذا سأجيبكِ بجواب عملي، شرعي، نفسي، دقيق، يساعدكِ -بإذن الله- على فهم الواقع دون تهويل أو تهوين.

أولًا: هل ما تمرّين به يدل على تعطيل بسبب سحر أو عين؟
إن ما ذكرتِه من الخطّاب الذين يتراجعون، أو تعارف لا يكتمل، أو رؤية شرعية ثم لا يتم الأمر؛ هو أمر يحدث كثيرًا جدًا في حياة الفتيات، ولا يدل وحده على وجود تعطيل، إلا إذا اجتمعت عليه علامات واضحة، مثل:

• خوف أو نفور شديد من الخطبة بلا سبب.
• تكرار الرؤى المزعجة عن الزواج أو العريس.
• تغير مزاجكِ فجأة عند تقدُّم خاطب، ثم زوال التوتر بعد رفضه.
• ألم مفاجئ، أو صداع متكرر عند ذكر الزواج فقط.
• رؤى عن طلاسم أو حبس أو ربط.
• وجود تاريخ واضح لسحر قديم لم يُعالَج.

فإن لم توجد هذه العلامات مجتمعة أو غالبيتها، فغالب الظن أن الأمر طبيعي، وأنك واقعة في ما تقع فيه كثير من الفتيات، وهو: الانتظار الطويل، والقلق من التأخر، في مجتمع يضغط على الفتاة ما إن تبلغ سنًّا معينة.

ثانيًا: هل ما قاله الإمام صحيح؟ وهل رفض والدكِ للرقية صحيح؟
الإمام حين قال: "احتمال تعطيل"، فهو يفتح باب الاحتمال لا الجزم، وهنا نقول: نعم، يجوز لكِ أن ترقي نفسكِ دون الحاجة لموافقة أحد، لأن الرقية عبادة مشروعة، وليست سحرًا أو بدعة، لكننا نؤكد على ألَّا تنشغلي كثيرًا بالتشخيص، بل خذي بالأسباب الشرعية والواقعية معًا.

ثالثًا: هل يمكن أن يؤثر سحر قديم (كنتِ قد تخطّيته) في تأخر الزواج اليوم؟
إن كان السحر قديمًا، وتمّت معالجته، فلا داعي للربط بينه وبين ما يحدث اليوم، لأن هذا مستبعد تمامًا، لكن إن بقي في نفسكِ أثر، أو لم تشعري بشفاء كامل، أو كانت هناك رؤى متكررة مقلقة، فيُستحسن المداومة على الرقية العامة لا الخاصة.

رابعًا: خطوات عملية تحسم الأمر وتفتح لكِ باب التيسير:
1. المواظبة على قراءة الرقية الشرعية يوميًّا، وتشمل الآتي:
- قراءة سورة الفاتحة سبع مرات.
- تكرار آية الكرسي عدة مرات.
- قراءة أوائل سورة البقرة، ثم قراءة الآيتين الأخيرتين منها.
- تكرار سورة الإخلاص.
- قراءة المعوذتين: "قل أعوذ برب الفلق" و "قل أعوذ برب الناس".

2. بنية الزواج ورجاء التيسير:
- داومي على الاستغفار؛ فهو مفتاح للرزق والتيسير.
- أكثري من الصلاة على النبي ﷺ؛ فهي سبب في رفع الدعاء.
- أكثري من هذا الدعاء: "اللهم ارزقني زوجًا صالحًا، تقيًّا، نقيًّا، يخافك فيّ، وارزقني به سعادة الدارين."
- رردي أدعية الأنبياء عليهم السلام، مثل دعاء إبراهيم وزكريا المذكورين في القرآن الكريم.
- أكثري من هذا الدعاء القرآني: {وارزقنا وأنت خير الرازقين}.

3. إغلاق باب الوسواس:
قولي لنفسكِ كلما أتاك الشك: "أنا في يد الله، والزواج رزق، لا يمنعه إلا الله، ولن يمنعه عني حسود أو ساحر ما لم يأذن الله، والله لا ينسى عباده".

4. العلاج الواقعي:
• احرصي على أن يُعرف عنكِ الخير والدين والخلق في محيطك.
• اجعلي من يثق بكِ يساعد في التوسط للزواج من رجل صالح، وهذا أمر طبيعي وعادي، ويمكن أن تقومي به مع من تثقين، وتقوم به عائلتك.
• ثقي أنكِ لستِ متأخرة، فهناك من تزوجت وهي في منتصف الأربعين، فلا تقلقي كثيرًا.

واعلمي أن الله قدّر لكِ كلّ شيء، ومن قدّره الله لكِ زوجًا، فسيأتي في الوقت الذي أراده الله، لا يقدّمه استعجالكِ، ولا يؤخّره قلقكِ؛ فاطمئني، وعمّري قلبكِ بالرضا، وخذي بالأسباب بيقين، فإنّ الله لا ينسى عباده، ولا يُضيّع دعاء الداعين، ولكنّه يكتب لكلّ عبد من الخير ما يُصلحه، لا ما يهواه.

خامسًا: الختام بكلمة قلبية: أنتِ لا زلتِ في زهرة الشباب، والطريق لا يزال ممتدًا أمامك، فثقي بالله، ولا تجعلي تأخّر شيء يكسِر قلبكِ.

كم من فتاة تزوجت متأخرة، فأسعدها الله بزوج عظيم! وكم من فتاة تزوجت سريعًا، فندمت عمرها.

فثقي أن الله يدبّر لكِ الخير، ويراكِ، ويسمعكِ، ويعلم صدق نيتكِ، فلا تجزعي، بل قولي: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

أسأل الله أن يشرح صدركِ، ويقرّ عينكِ، ويكتب لكِ زوجًا تقيًّا يُسعدكِ في الدين والدنيا والآخرة، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً