الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي يشاهد الأفلام القذرة ويقول إن الله غفور رحيم!!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زوجي كان مدمنًا على مشاهدة الأفلام الإباحية، وكان يتحدث مع فتيات على الإنترنت كثيرًا، ولديه علاقات سابقة محرمة.

بعد الزواج، تكررت المشاكل المتعلقة بهذا الأمر، فحلف يمينًا ووضع يده على القرآن الكريم أنه لن يتحدث مع بنات أو يشاهد الأفلام الإباحية مرة أخرى.

لكن بعد مدة عاد لمشاهدة فيديوهات لفتيات عاريات فقط، وقال إنه حلف فقط على عدم مشاهدة الأفلام الإباحية، وأن مشاهدة الفيديوهات التي فيها عري ليست محرمة عنده.

والآن، هو مقرّر أن يدفع كفارة اليمين لكي يتمكن من الكلام مع البنات ويعود لمشاهدة الأفلام الإباحية، وهو لا يُقدّر العواقب، وأن هذا الأمر يغضب الله، ويقول لي إن العقاب سيكون في الآخرة، وإن الله غفور رحيم سيرحمه، وأن الله يغفر كل شيء ما عدا الشرك.

أشعر أن هذا الأمر فيه استهانة برب العالمين، وأنا أخاف من غضب الله، خصوصًا أن لديَّ بنتين.

أريد أن أعرف حكم كفارة اليمين التي يؤديها من أجل ارتكاب المحرم، لِأُعْلِم زوجي وأجعله يقرأ جوابكم لعله يعود إلى رشده.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارة إسلام ويب، نشكر لك غيرتك على حرمات الله تعالى أولًا.

كما نشكر لك حرصك على إصلاح زوجك ونصحه، وتذكيره بحقوق الله تعالى، وهذا من الإحسان الذي ينبغي أن يكون متبادلاً بين الزوجين، فينصح كل واحد منهما صاحبه، ويذكِّره بحقوق الله تعالى عليه؛ وبهذا تسعد الأسرة، وتستقيم الحياة، وتصلح الذرية، فنسأل الله تعالى أن يجزيك خيرًا على هذا الحرص، وأن يصلح لك ذريتك، ويهدي زوجك ويردَّه إلى الحق ردًا جميلاً.

ولا تيأسي أبدًا من إصلاح زوجك، وأكثري من الدعاء له، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

وأمَّا بخصوص ما ذكرته عن زوجك، وأنه قرر أن يرجع إلى الحرام، وسيكفِّر عن يمينه، وأن الله غفور رحيم، وأنه سيرحمه؛ فهذه كلها شبهات باطلة، نفندها واحدةً واحدة:

1. أما قوله بأن الله غفور رحيم، وأنه سيرحمه؛ فهذا غرور بالله تعالى، ومصدر هذا الغرور وُعود الشيطان وأمانيه، وقد قال الله تعالى عن الشيطان: {يَعِدُهُمْ وَيُمْنِيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: 120]، فالله تعالى قد خوّف عباده من المعاصي والذنوب، وإذا كان الله هو الغفور الرحيم، فهو أيضًا شديد العقاب، وقد قال سبحانه: {نَبَئ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:49-50].

وحُسن الظن بالله يقتضي أن يظن الإنسان بالله تعالى خيرًا، وأنه -سبحانه وتعالى- يغضب، ويغار حين تُرتكب محرماته وتنتهك حدوده، فلا يجوز للإنسان أن يعتمد على مغفرة الله ورحمته ويتعمّد ارتكاب المحرمات؛ فهذا خداع من الشيطان للنفس، فليحذر الإنسان من هذا كله.

نعم، الله غفور رحيم إذا وقع الإنسان في الذنب، وغرَّته نفسه، وخدعه الشيطان، وزلّت قدمه، وضعف، فحينها ينبغي أن يُذكِّّر نفسه بأن الله غفور رحيم، فيُسارع إلى التوبة، ويطلب من ربه الرحمة والمغفرة، ولن يرده الله تعالى، ولن يُخيِّب ظنه.

2. أما الشبهة الثانية أن الله يغفر كل شيء ما عدا الشرك، فنعم، هذا صحيح، ولكن من الذي أخبر هذا الإنسان (هذا الزوج) بأن الله تعالى سيغفر له؟ فمن الأمور القطعية التي نجزم بها -باتفاق علماء المسلمين- أن هناك من المسلمين من يدخل نار جهنم، ويعاقب بحسب ذنوبه، ثم يخرج منها، فما الذي أدراه أنه ليس من هؤلاء إذا هو أصرَّ على فعل الذنوب ومات قبل أن يتوب؟! هذا أيضًا خداعٌ من الشيطان، ينبغي له أن يحذر منه.

3. وأما حلفه لليمين بأن لا يفعل الحرام؛ فهذا ليس إلَّا زيادة تأكيد فقط، وإلَّا فالحرام يجب على الإنسان أن يتجنبه وأن يبتعد عنه بحكم الله تعالى قبل اليمين، فإذا حلف يمينًا صار الواجب مضاعفًا من جهتين: من جهة أن الله تعالى حرَّمه، ومن جهة أنه قد حلف يمينًا وعاهد الله تعالى على ترك هذا الحرام.

فإذا كفَّر عن يمينه؛ فإن هذه الكفَّارة لا تُبيح له الحرام، فيبقى الحرام حرامًا ولو كفَّر عن اليمين، وعليه أن يحذر من خداع الشيطان ومغالطة النفس، والذنوب قد تتراكم على القلب بحيث يُظْلِم هذا القلب بعد زمنٍ فلا يُبصر الحق ولا ينتفع بالوعظ والنصح، فيتوفاه الله تعالى وهو على حالة من التقصير والتفريط، فيلقى الله تعالى بذلك الوجه.

وقد حذرنا الله تعالى في كتابه الكريم من مقارفة الذنوب والآثام، وحذرنا الرسول ﷺ من الاستمرار على الذنوب، ووصف قلب ابن آدم بأنه: إذا أذنب الإنسان ذنبًا نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو تاب ونزعها واستغفر صُقِلَ قلبُه.

وأفضل ما يُعين الإنسان على ترك الذنوب والمعاصي -وخاصةً هذا النوع من ذنوب الشهوات- هو: أن يتذكَّر العواقب والنهايات؛ فهذه اللذات لذات سريعة وفانية وتزول عن قريب، ويبقى العقاب والمؤاخذات والحرمان من أرزاق الدنيا وخيرات الآخرة، فينبغي له أن يتذكَّر النهايات والعواقب، والعاقل لا يرضى أبدًا بأن يتلذذ بلذةٍ فانية قصيرة ليتحمل آلامًا وأحزانًا طويلة.

خير ما نوصيك به دوام الدعاء لزوجك، والوعظ له، والنصح باللين والرفق، وأن تُكثري من إسماعه المواعظ التي تذكره بالجنة والنار، ولقاء الله، والحساب والجزاء، فإذا استيقظ قلبُه وقوي فيه الإيمان؛ فإن الإيمان هو الذي يحجز الإنسان عن العصيان، كما قال الرسول ﷺ: "الإيمان قيد الفتك".

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يُجري الخير على يديك، وأن يرد زوجك إلى الحق ردًّا جميلاً.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً