الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صديق زوجي يعرض عليه العلاقات المحرمة..ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا الزوجة الثانية، وقد أخبرني زوجي مرارًا أنه لجأ إلى مشاهدة الأفلام الإباحية والدردشة؛ بسبب تقصير زوجته الأولى في تلبية احتياجاته، واتفقت معه على أن نُعفّ بعضنا، وأن لا يلجأ إلى مثل هذه الأمور مرة أخرى.

ولكنه تعرف في عمله على رجل متعدد العلاقات غير الشرعية، وهي علاقات كاملة في الحقيقة، وعرض هذا الرجل على زوجي مثل هذه الأمور أكثر من مرة، ووفّر له المكان، وهيّأ له كل شيء، لكن بحسب كلام زوجي، فإنه رفض، وقال له: لا، ومع ذلك، فإنه يذهب ويجلس معه كثيرًا، ويتعذر أن بينهما عمل.

تفاجأت بوجود فيديو إباحي على هاتف زوجي، أرسله إليه ذلك الرجل، وعندما سألته عن الأمر، قال: أنا من طلبت الفيديو، فقد كان لديّ فضول لرؤية هذه المرأة، لكثرة ما يُقال عنها، وكان مجرد فضول، وهذا أمر معتاد بين الشباب، فكنا نفعل ذلك في صغرنا، ونشاهد مثل هذه الأمور، وبما أن الأمر أزعجك، فلن أكرره مرة أخرى، ثم طلب مني أن أسامحه.

لكنّي أشعر بألمٍ وقهرٍ شديدين في داخلي، لأنني حاولت أن أعفّه، ولذلك أشعر بالحزن على نفسي، ولا أستطيع تجاوز ما حدث بمجرد قوله: لن أفعل ذلك مجددًا، خاصة وأنه ما زال على صلة بذلك الرجل، وعندما طلبت منه ألّا يذهب إليه مرة أخرى، قال: سأفعل ذلك بعد أن أنتهي من العمل معه، وأنا حقًا لا أستطيع تجاوز الأمر، بينما هو يريد مني أن أنهي الموضوع وأتجاوزه.

وعندما قلت له: أنا لا أستحق منك هذا، قال لي: انظري، أنا رجل، وسأفعل ما أريده، ولن أقطع علاقتي بصديقي، وسأرافق من أشاء، وأنام مع من أريد، وأنتِ افعلي ما ترينه مناسبًا.

منذ بداية الموضوع وحتى آخر كلمة، لم أقل سوى: أنا لا أستحق منك هذا، وكنت صامتة تمامًا، ولم أنطق بها إلا بعد أن ظل يُلحّ عليّ كثيرًا حتى أتكلم وأقول ما في داخلي.

تعبت نفسيًا وجسديًا، وأصبحت مريضة، وعندما نطقت أخيرًا وقلت: أنا لا أستحق منك هذا، كان هذا ردّه!

أنا في صدمة حقيقية، ولديّ أربعة أطفال، وزوجته الأولى لديها بنت، وأنا الآن لا أعلم ما هو الحكم الشرعي في حالتي، وأحتاج إلى مساعدتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يصلح زوجك، وأن يسعدكما، إنه جواد كريم.

أولًا: الحكم الشرعي فيما يفعله زوجك:
مشاهدة الأفلام الإباحية محرّم شرعًا، قال الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا۟ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُوا۟ فُرُوجَهُمۡ}[النور: 30]، وقال نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "العينان تزنيان وزناهما النظر" [متفق عليه].

ثانيًا: الجلوس مع من يجرّه إلى الحرام باب من أبواب الفساد، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، ووجوده مع هذا الرجل الذي يعرض عليه الحرام يعد خطرًا شديدًا، وهو معصية في حد ذاته، حتى لو قال: بأنه من أجل العمل، لكن العلاج ليس بهذه المواجهة التي أفضت إلى أن يأخذ موقف الشدة بدلًا من اللين.

ثالثًا: أول ما تحتاجينه هو الحكمة والهدوء، والله تعالى قال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]. زوجكِ يحتاج أن يشعر بأنكِ سكن وطمأنينة له، لا مصدر خصومة، فاقتربي منه باللين والرحمة، وحاولي أن تذكّريه بالله دون إلحاح أو اتهام، بل بأسلوب يملؤه المحبة والخوف عليه، وذكّريه بأن النظر المحرَّم، ومجالسة رفقاء السوء يُطفئان نور القلب، وأن الله يغار أن يُنتهك ستره، استخدمي لحظات الصفاء بينكما لتقولي له مثلًا: أنا أريدك طاهرًا لله، نقيًّا من هذه الذنوب؛ لأنك أغلى عندي من الدنيا كلها، وامدحي أي خطوة إيجابية يقوم بها، حتى لو كانت صغيرة؛ ليشعر أنك تساندينه لا تحاكمينه.

رابعًا: الصحبة الصالحة بديلًا عن صحبة السوء:
النبي -صلى الله عليه وسلم- شبّه الجليس الصالح ببائع المسك، وجليس السوء بنافخ الكير، والحديث متفق عليه. فحاولي أن تُقترحِي عليه بدائل مناسبة، مثل: صديق صالح من المسجد أو العمل يمكن أن يقترب منه، والمشاركة في عمل الخير، مثل: الصدقة، حضور الدرس، أو حتى مشاهدة مقطع وعظي قصير، وحاولي اصطحابه معك أحيانًا لزيارة أهل الخير، أو المشاركة في المناسبات الدينية، حتى لو لم يقبل فورًا؛ فوجود هذا البديل في حياته بمرور الوقت سيخفف من تعلقه بذلك الصديق السيئ.

خامسًا: تقويتك أنت وتجاوز الألم:
أنت شعرتِ بوجع وقهر شديد، وهذا مفهوم، لكن تذكّري أن الله سبحانه جعل لكِ أجر الصبر عظيمًا، فقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] فلا تُثقلي نفسك بكثرة العتاب؛ فالزوج إذا شعر أن الزوجة دائمة النقد واللوم، سيهرب منها أكثر، بل اجعلي بيتك واحة هدوء، لا ساحة نكد ومشاكل، واعتني بنفسك، بصلاتك، وذكرك، وصحتك؛ فهذا يمنحك قوة داخلية تُعينك على الاستمرار.

الخلاصة: زوجك أخطأ، لكنه لا يزال في مرحلة يمكن فيها الإصلاح، ولا ينبغي أن يكون الحل في هدم البيت، أو دفعه إلى العناد، بل الحكمة أن تقتربي منه أكثر، تذكّريه بالله، باللين، وتوفري له الصحبة البديلة، وتجعلي بيتك مكانًا يجذبه لا مكانًا ينفره، ومع الوقت والدعاء، ومع دعمك له، قد يتغيّر حاله ويتوب بصدق، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخۡرَجا * وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].

نسأل الله أن يهديه، وأن يصلحه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً