الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي كثرت طلعاته وسهره ومبيته خارج المنزل!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوجة منذ أربع سنوات، وزوجي متعلق بأصدقائه تعلقًا شديدًا.

في بداية الزواج كان زوجي يسهر حتى الفجر مرة واحدة في الأسبوع، وكوني عروسًا كنت أتضايق كثيرًا وأعاتبه، وبعد كثرة المشاكل، اتفقنا على أن يكون له يوم في الأسبوع (يوم الخميس)، لا يحق لي أن أعارضه فيه، مع العلم أنه يخرج منذ الصباح.

كتب الله لي الحمل بعد ثلاث سنوات من الزواج، والحمد لله أنجبت ابني في يوم الخميس بعملية قيصرية، فجاء زوجي إلى المستشفى لزيارتي، ثم ذهب للسهر مع أصدقائه ولم يهتم بي، ومن بعدها تحول السهر حتى الفجر إلى مبيت خارج المنزل، والعودة بعد ظهر الجمعة، ثم أصبح يبيت خارج المنزل يوم الجمعة أيضًا ويرفض أن يخبرني أين هو.

طلبت منه أن أكمل النفاس في منزلي بسبب صعوبة الأجواء في منزل والدي، لكنه رفض، وقدر الله أن أصيب ابني بمرض، وقضى أول شهر من حياته في المستشفى للعلاج، وكنت معه لوحدي، وزوجي يأتي لزيارة بسيطة وليس يوميًا.

بعد عودتي إلى المنزل، كثرتْ طَلْعاته وسهره ومبيته خارج المنزل؛ مما زاد من توتر العلاقة الزوجية؛ لأنني أصبحت مهملة بعد فترة صعبة، وأصبح سهره بدلاً من يوم الخميس، يومي الخميس والجمعة، والآن أنا على هذه الحال منذ ثلاثة أشهر، وبصعوبة أراه في عطلة نهاية الأسبوع لبضع ساعات.

طلبت منه أن يخبرني فقط أين ينام (مع العلم أنني لا أسأله عن أماكن خروجه، لكن كثرة المبيت خارج المنزل وإهماله زرع في نفسي الشكوك)، لكنه رفض بشدة، وبعد إقناعي وافق شفهيًا، لكن عندما أتصل به في الفجر أو الصباح الباكر وأسأله أين هو، يرفض أن يقول لي.

مع العلم أن معاملته لي ليست بأحسن حال، وقد ضربني عندما رفعت صوتي عليه لعتابي على أسلوبه السيئ وكلماته البذيئة.

تحدثت إليه عدة مرات عن رغبتي في الاستقرار الزوجي، وأنني لا أريد أن أنام وحدي في المنزل، لكن دون جدوى.

طلبت الطلاق لكنه رفض، ومع ذلك لا يريد أن يغير معاملته لي، وأشعر نفسي مهملة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكرك على اهتمامك وحرصك على السؤال، ونسأل الله تعالى أن يوفقك، ويصلح الأحوال.

لا شك أننا نرفض ما يصدر من الزوج من تقصير في حقّكِ، وسهر خارج المنزل، فكثير من الأزواج يرغبون -بعد الزواج- في الاستمرار على نفس نمط حياتهم السابقة، ومن هنا نحن دائمًا ننصح المتزوجين والمتزوجات بأن تكون الصداقات مع أسر تشبههم، داخل دائرة الحياة الزوجية؛ يعني المتزوجة تُصادق متزوجة، والمتزوج يُصادق متزوجًا؛ لأن الجميع يُدركون أن عليهم حقوقًا وواجبات، لكن استمرار الزوج في صداقاته مع الذين لم يتزوجوا (العزّاب)؛ هذا قد يجعله أحيانًا يتغيَّب مثل هذا التغيُّب.

مشاعرك الطيبة بطريقة ذكية وهادئة نشكرك عليها، فهناك فرقٌ شاسع بين من تُعاتب بعباراتٍ تحمل اللوم والتضجّر، كأن تقول: "أين كنت؟ ولماذا تأخّرت؟ وما هذا الغياب؟" وبين من تستقبله بكلمة حنونة مثل: "افتقدتك"، أو "كم أسعدني رجوعك"، أو "أشعر بالطمأنينة حين تكون قريبًا مِني"، أو "لقد اشتقت إليك، أسعدُ لمَّا تأتي مبكّرًا".

فهذه العبارات البسيطة تُحدث أثرًا كبيرًا في قلب الرجل، وتُقرّبه من زوجته دون أن يشعر بأنه محاصر باللوم والانتقاد، فالرجل بطبعه ينجذب إلى المكان الذي يشعر فيه بالتقدير والسكينة، لا إلى حيث يُستقبل بالشكوى والتجريح، مهما كانت النية طيبة.

هذه التي تتكلم بهذه اللهجة تتشبَّه بأمنا عائشة رضي الله عنها، حين أراد النبي ﷺ أن يخرج من دفء فراشها في ليلتها (ولاحظي ليلة عائشة تأتي بعد تسع ليالٍ، أي بعد ليالي زوجاته الأخريات)، تقول: "أتاني في ليلتي حتى ‌مس ‌جلده ‌جلدي"، فاستأذنها ﷺ في ذلك، وقال: «ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ لِرَبِّي»، فقالت: «والله إني لَأُحِبُّ قُربك، ولكنّي أُؤثر هواك».

هذه كلمات جميلة تُشعر الزوج أن زوجته تسعد بقربه، ومع ذلك فهي تُؤثِرُ هواه، هوى النبي كان في طاعة ربِّه، فاستأذنها في الخروج من فراشها ليسجد لله، ليركع لله تبارك وتعالى، فقالت هذه العبارة الجميلة، التي نتمنى أن تتفهمها كل زوجة وكل امرأة، وتجعلها محفوظة لديها لتستعملها مع زوجها؛ فمثل هذه العبارات توفر للزوج أغلى ما يطلب، فالزوج يريد الاحترام والتقدير، والمرأة تريد الحب والأمان.

ويزيد هذا المعنى نورًا الحديث الذي رواه النبي ﷺ عن نساء الجنة، حيث قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْدَ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ: وَاللهِ ‌لَا ‌أَذُوقُ ‌غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى».

فأشعري زوجكِ بفرحكِ الصادق كلما كان في البيت، وعبّري عن سعادةٍ أكبر كلما جاء في وقت أبكر، فإذا اعتاد أن يأتي في الثانية صباحًا، ثم بدأ يحضر في الواحدة، استقبليه بفرح وامتنان، فإذا جاء في الثانية عشرة، أظهري سرورًا أكبر، وإن حضر في العاشرة، أظهري مزيدًا من البشاشة والفرح...وهكذا؛ ليشعر أن عودته المبكرة تصنع في قلبك سعادة حقيقية، الرجل يحتاج إلى أن يشعر أنه مهم، وأن وجوده مهم، وأنك تسعدين بوجوده.

وعندما يتأخر أيضًا يفضل أن تُؤخري وتؤجلي العتاب؛ لأن العتاب في نفس اللحظة لا يصلح، فالزوجة لا تعرف ربما ما الذي حصل لزوجها، ولكن لو فرضنا أنه تأخر يوم الجمعة، تحسن استقباله، ثم مساء السبت بعد المغرب تقول له بلطف: "لقد كَسر خاطري تأخُّرك، وأثّر فيّ غيابك، لأني أريدك معي، وبجانبي"، ونحو هذا الكلام الجميل الذي يترك آثارًا كبيرة على نفسية الزوج.

وتعوذي بالله من شيطان يريد أن يغرس عندك الشكوك؛ نحن نريد أن نقول: السهر هذا نمط يعتاد عليه بعض الناس، والزوج أحيانًا لا يُجيبُ بوضوح؛ لأنه يشعر بأنه صاحب قرار. وينبغي أن يعرف الرجال أن الوضوح مهم، ولا مانع أن يقول: "سهرنا في كذا، وفعلنا كذا"، لا مانع من هذا، وهذا ما فعله النبي ﷺ عندما انزعجت أُمُّنا عائشة -رضي الله عنها- من خروجه لأهل البقيع، (يعني حديث جبريل)، فتأثرت لخروجه ليلًا وخرجت تتبعه، وبعد ذلك بيّن لها ﷺ السبب، وقال: «جِبْرِيلُ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِي، فَأَجَبْتُهُ، ... وَخَشِيتُ أَنْ ‌تَسْتَوْحِشِي، وقَالَ لي: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ».

يعني بيَّن لها ﷺ الموضوع، وأيضًا بيَّن لها حين خرج من عندها ليلًا، فغارت وظنت أنه ذهب إلى إحدى زوجاته، فلمَّا عاد ورآها على حال غير حالها، سألها بلطف: "ما لكِ يا عائشة؟ أغرتِ؟" فقالت: "وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟".

نحن نقول لكِ: تعوذي بالله من الشيطان، والرجل أيضًا لم يقصّر عندما وافق أن يُبيِّن لك شفهيًا، وأرجو وأتمنّى أيضًا ألَّا تُكثري عليه الاتصال عند وجوده مع الرجال؛ لأن هذا أيضًا محرج، وأحيانًا صوت المرأة يخرج من خلال الهاتف الذي إذا كان بجواره أحد يسمع صوتها، أو يسمعها تصرخ، أو يسمعها تقول كلماتٍ لا ينبغي أن تقال وحوله رجال، ولذلك كثير من الأزواج يتفادون الردِّ على زوجاتهم، ونفضلّ في مثل هذه الأحوال -إذا كان هناك أمر ضروري- أن يكون التعامل بالرسائل.

عمومًا نتمنى أن يقوم الزوج بما عليه، ونتمنى منكِ أيضًا أن تتفهّمي خصائص الرجل واحتياجاته، وهو كذلك عليه أن يتفهم احتياجاتكِ كأنثى، إلى الوجود في البيت، والاحتفاء والاحتواء، واستثمار الأوقات التي يُوجد فيها معك في البيت، وأن يُشارككِ في تربية الطفل، ويقف معكِ في الأوقات الحرجة، كأيام النفاس، أو المرض، وغير ذلك؛ فهذه تحتاج إلى وقفات من الزوج، ويعترف بجميلها، وهي تعرف له هذا الفضل، وبهذا تسير الحياة الزوجية في استقرار ومودة.

نسأل الله لنا ولكما التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً