الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلما أقدمت على طاعة أصابني وسواس في الإخلاص، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أُفكّر في أن أرتدي النقاب، ولكن ربط النقاب واتساع فتحة العينين دائمًا ما يصيبني بألم في العينين وصداعٍ فظيع، حاولتُ حل المشكلة بشتى الطرق، من خلال إرخاء العُقدة، وتوسيع فتحة العينين، ولم يُجدِ ذلك نفعًا، فأُفكّر في استخدام نقاب يُغطّي نصف الوجه السفلي، وأُسدل على الجزء العلوي من وجهي (الجبهة والحاجبين) ما تيسّر من القماش، وهذا للأسف ليس تمام الستر.

فسؤالي: هل إذا ارتديتهُ بهذه الطريقة، واقتدت بي فتياتٌ كُنّ يلبسن النقاب الكامل والستر التام، يكون عليّ وِزرهنّ؟

السؤال الثاني:
إنني تعلّقتُ تعلُّقًا غير مشروع بشخصٍ ما، كان دائمًا يحُثُّني على الطاعات وطلب العلم، ولكننا حين أدركنا أن تواصُلنا غير شرعي، وأن بيننا تعلُّقًا محظورًا قطعنا الاتصال نهائيًا، وتُبنا إلى الله سبحانه وتعالى، (أرجو الدعاء لنا بالمغفرة والعفو والستر).

في تلك الفترة، وحتى الآن كلّما هممتُ بطاعةٍ، تُحدّثني نفسي أنني أفعلها رياءً، وأنني أسعى بها لنيل رضا ذلك الشخص واستحسانه، وليس لرضا الله تعالى.

كلّما حضرتُ حلقة علم أو ذِكر، أو حتى دعاء، شعرتُ بضيقٍ في صدري، وثِقلٍ في قلبي؛ وكأن عملي هذا غير خالص لله، وأنه من الأفضل أن أتركه، لكن -وبفضل الله - لم أترك الطاعة، ومع ذلك فإن شكوك النية فتّت فؤادي فتًّا.

أخاف أن أموت على هذه الحالة، وأن لا يُقبل مني عملٌ، وأن أُكتب من أهل الشرك، فأخسر الدنيا والآخرة.

ما فتواكم في هذه الحالة؟ وما نصيحتكم لي حتى أُخلِص التعلّق لله وحده؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لكِ تواصلكِ بالموقع، وحرصكِ على معرفة ما يَهمُّكِ ويعنيكِ من الأحكام الشرعية، وهذا من توفيق الله تعالى لكِ، فإن «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ ‌خَيْرًا ‌يُفَقِّهْهُ ‌فِي ‌الدِّينِ» كما أخبر النبي ﷺ.

فحرص المسلمة على معرفة أحكام دينها، وكيف تتقرب إلى ربها، هذا كله من علامات توفيق الله تعالى لها، ومن العلامات الدالة على أن الله تعالى يريد لها خيرًا، ويريد بها خيرًا.

فأحمدي الله تعالى على هذه النعمة، وأشكريه عليها، ومن شكرها لله -سبحانه وتعالى- المداومة على تعلُّم ما ينفعكِ في أمر دينك، والعمل بما تقدرين عليه من أحكام ربكِ.

وأمَّا ما سألتِ عنه بشأن تغطية الوجه، فالنقاب محل خلاف بين العلماء في إيجابه وعدم إيجابه، ولكن لا شك أنه أولى وأحوط، فخروج الإنسان من المسائل المختلف فيها بين العلماء بأن يفعل الشيء الذي يتفقون عليه؛ هذا الاحتياط أمرٌ مستحب، ينبغي للمسلم والمسلمة الحرص عليه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وقد وُفِّقْتِ أنتِ لهذا الحرص، وحاولتِ أن تلبسي النقاب كما أفدتِ في سؤالكِ.

ولكن ما دام النقاب يُحدِث لكِ ضررًا، ما دمتِ تفعلينه بهذه الطريقة، فينبغي أن تنتقلي إلى الشكل الذي لا ضرر عليكِ فيه، فإن الإسلام قاعدته الكبرى: (لا ضرر ولا ضرار)، و(الضرورة مدفوعة)، ورخص الله تعالى في ارتكاب المحرمات من أجل الضرورات، فكيف بترك الاحتياط فقط؟

فما تفكرين فيه من أن تُسْدِلي على وجهكِ شيئًا من أعلى رأسكِ، يجوز، ويحصل به الستر الشرعي، ولو لم تلبسي الجزء الذي تفكِّرين بأن يكون نقابًا للجزء الأسفل من الوجه.

ومجرد أن تُسْدِلي من رأسكِ على وجهكِ غطاءً، فهذا يكفي لتغطية الوجه، ولكن إذا فعلتِ هذه الطريقة التي قلتِ عليها: بأن تُغَطِّي نصف الوجه السفلي بشيءٍ، وتُسْدِلي على النصف الأعلى شيئًا آخر، فهذه الطريقة أيضًا صحيحة ومجزئة وكافية، فالمقصود هو تغطية الوجه من غير ضرر عليكِ.

وأمَّا ما ذكرتِه في السؤال الثاني من كونكِ قطعْتِ علاقتكِ بهذا الشاب والتواصل معه؛ لما رأيتِ أن الشيطان سيجُرَّكِ إلى الوقوع في المحظورات، فهذا التصرُّفِ هو التصرُّف المطلوب الذي يريده الله تعالى منكِ، وهو مقتضى العقل والحكمة، وهو توفيق من الله تعالى لكِ، فإن الشيطان يستدرج الإنسان إلى ما يريده منه خُطوةً خطوة، ولهذا حذّرنا الله تعالى منه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾.

فقد أحسن الله تعالى بكِ حين ألهمكِ الصواب والرُّشد، ودلّكِ على هذا القرار بأن تقطعي هذا التواصل؛ لأنه مَظِنَّة وسبب قد يؤدي بكِ إلى ما لا تُحمَد عاقبته، ونسأل الله تعالى أن يُثيبكِ خيرًا على هذا الفعل، وهو بلا شك فعلٌ يحبه الله تعالى، ولا يُضِيعُ الله تعالى أجركِ، فإنه لا يُضَيِّع أجر من أحسن عملًا.

ولا تلتفتي بعد ذلك إلى وساوس الشيطان التي يُحاول من خلالها أن يُثَبِّطكِ عن الطاعات، ويُكَرِّه إليكِ القُرَبَات بحجة أنكِ لم تُخْلِصِي النية، فهذه كلها محاولات شيطانية يريد من خلالها أن يصرفكِ عن هذه الطاعة، وقد حذّرنا النبي ﷺ منه ومن مكره وكيده، فقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ كُلِّهَا».

والشيطان من خبثه يَشُمُّ قَلْبَ الإنسان، فيأتيه من الشيء الذي يُحِبُّه، والطريق الذي يرغب فيه، فالمتديِّن الحريص على دينه يأتيه الشيطان من باب التشدد في أمر دينه، ومحاولة تشكيكه في نيَّتِه، وتخويفه من أنه لم يقصد وجه الله تعالى، وأن هذا شرك، وهو بهذا يريد أن يصل إلى مرحلةٍ ثانيةٍ، وهي أن يُقنعه بأن يترك هذه العبادات؛ لأنها لغير الله، وأنها قد تكون سببًا لدخولكَ النار، وغير ذلك من الحِيَل والمكر الشيطاني.

فلا تُبالي بهذه الوساوس أبدًا، واستعيذي بالله -سبحانه وتعالى- وحافظي على أذكاركِ، أذكار الصباح والمساء، ومنها الأذكار التي يُقصَد من ورائها تحصيل الإخلاص ودفع الرياء، كما علّم النبي ﷺ أبا بكر الصديق أن يقول في كل صباح ومساء: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ».

فاحذري من هذه الوساوس، وداومي على فِعْلكِ للقُرَبَات والطاعات، وجاهدي نفسكِ لإخلاص العمل لله، وستَرَيْنَ من الله -سبحانه وتعالى- كل خير وتوفيق وتسديد.

نسأل الله تعالى لكِ مزيدًا من الهداية والصلاح والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً