الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي حدود التعامل مع الزوج الذي يهين زوجته ويؤلمها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتمنى من حضرتكم توضيح حدود التعامل مع الزوج النرجسي، من حيث تعامله بالإهانة والتقزيم، ومشيه بالنميمة بيني وبين الناس، وخاصةً بما يؤلمني، ومحاولته تشويه صورتي أمام الأطفال، وحبه للسيطرة، والتحكم حتى في أتفه الأمور.

كيف أدافع عن نفسي؟ وأبدي الحقيقة للأطفال دون التأثير على نفسيتهم؟ ودون أن أقع أنا أيضًا في الغيبة والنميمة؟ وكيف أجيبه دون الانحدار إلى مستواه؟ وهل تجب علي طاعته في كل شيء، حتى في التفاهات؟ الوضع مَرَضِيٌّ حقًا، وخانق!

وكيف أتعامل معه في حدود الشرع في حالة الصمت العقابي الذي يدوم لأسابيع؟

أرجو الدعاء، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم لينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نبدأ بالشكر لك على ثقتك بموقع إسلام ويب، ونسأل الله أن يفرّج همك، ويشرح صدرك، ويعينك على تخطي هذه المحنة بأمان وطمأنينة.

ويمكن تقسيم طرق التعامل مع المشكلة إلى عدة خطوات، كما يلي:

أولاً: ينبغي أن تدركي أن ما ذكرتِه من صفات ينطبق على ما يُعرف في علم النفس بـاضطراب الشخصية النرجسية؛ وهو اضطراب نفسي يتميز صاحبه بصفات مثل: حب السيطرة، وتضخيم الذات، والحاجة المفرطة للإعجاب، وضعف التعاطف مع الآخرين، والميل إلى إهانة أو استغلال من حوله، ويُعد الشخص النرجسي مريضًا نفسيًا من حيث التصنيف الطبي (اضطراب شخصية)، إلا أنه يبقى مسؤولًا عن أفعاله شرعًا وعقلاً؛ لأنه يملك الوعي والقدرة على الاختيار.

أما من حيث العلاج، فهو ممكن، لكنه يحتاج إلى وقت، والخطة العلاجية:

- تبدأ أولًا: باستبصار المريض بوجود مشكلة لديه، وهذا من أكبر التحديات،؛ إذ أن أغلب النرجسيين لا يعترفون أصلًا بوجود خلل لديهم، ومع ذلك، قد يُظهر بعضهم تحسنًا من خلال جلسات العلاج السلوكي، أو النفسي إذا كان لديهم استعداد حقيقي للتغيير.

- ثانيًا: من الناحية الشرعية: الأصل في العلاقة الزوجية أنها قائمة على السكن، والمودة، والرحمة، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء:19، ومن حق الزوجة أن تُعامل بالاحترام، وليس من حق الزوج إهانتها، أو تشويهها أمام الأبناء.

أما طاعة الزوج فهي واجبة في المعروف، ولا تجب في المعصية، أو في ما فيه ظلم، وإذلال، أو في ما لا يحتمله طبعك عادةً، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الطاعة في المعروف) -رواه البخاري ومسلم-.

- ثالثًا: خطوات عملية للتعامل مع شخصية الزوج:

1- تحديد الحدود بوضوح: حددي ما هو مقبول، وما هو غير مقبول في التعامل معه، مثل: "لن أقبل أن يتم التقليل مني أمام الأطفال، وعبّري عن رفضك بطريقة هادئة وواضحة عند الضرورة" دون الدخول في جدال طويل، أو تجريح.

2- الدفاع عن النفس بهدوء ووعي: استخدمي جملاً قصيرةً ومحايدةً للتعبير عن موقفك، مثل: "أنا أرفض أن يُوجَّه الكلام بهذه الطريقة"، ولا تنجرفي وراء استفزازاته؛ فهو يتغذى على ردود الفعل العاطفية.

3- التواصل مع الأطفال بحكمة: أوضحي الحقائق بلغة محايدة، دون تشويه صورة الأب، مع التركيز على حماية الأطفال نفسيًا، وتعليمهم التمييز بين السلوك الجيد والسيء.

4- الطاعة في المعروف فقط: الطاعة واجبة في ما لا يضر شرعًا، أو نفسيًا؛ فلا تجب الطاعة في ما فيه ظلم، أو إذلال، أو مجرد محاولات للسيطرة.

5- التعامل مع الصمت العقابي: فكرة الهجر التام لأسابيع أمر غير جائز شرعًا؛ فهو ظلم للزوجة، وضرر للأسرة، فلا تركضي خلفه لكسر الصمت؛ فهذا يزيد شعوره بالسيطرة، ولكن يمكنك بعد فترة المبادرة بكلام محايد مثل: "إذا رغبت في الحوار فأنا جاهزة، لكن لا أقبل أن يكون الصمت وسيلةً للعقاب"، مع ضرورة السعي لاستشارة مختص شرعي، أو نفسي، إذا استمر الصمت لفترة طويلة.

6- توثيق المواقف إذا لزم الأمر: ويكون بطريقة هادئة بكتابة المواقف المؤذية؛ لتكون دليلًا عند الحاجة (نفسيًا أو قانونيًا).

7- الحفاظ على الدعم النفسي والروحي: التفريغ النفسي بالكتابة، أو الحديث مع مختص، مع الالتزام بالأذكار، والدعاء، والتوكل على الله.

ويمكن تلخيص ما سبق في أن الدفاع عن النفس يكون بهدوء، ووضوح، وحدود شرعية، والطاعة تكون في المعروف فقط، والتعامل مع الصمت العقابي يكون بحكمة، مع الحفاظ على كرامتك النفسية، وحماية أطفالك.

نسأل الله أن يصلح حال زوجك، وأطفالك، ويكتب لكِ الصبر والسكينة، ويوفقك لحفظ كرامتك وأبنائك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً