الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تسببنا في فضيحة والدي بدون قصد فتركنا ورحل!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حدثتْ مؤخرًا مشكلة كبيرة بين أبي وأمّي انتهت إلى طلاقهما بعد أكثر من أربعين سنة من الزواج، وكان السبب الخيانة، وقد اكتشفتْ أختي الأمر ثم أخبرتني به، فتحرّجنا من مواجهة أبينا مباشرة، فرأينا أن نتحدّث إلى عمّنا الأصغر ليقوم بنصحه، لكن ذلك أدّى إلى انتشار الخبر، فقرّر أبي أن يخرج من البيت، وطلب الطلاق بحجّة أنّنا فضحناه في حيّنا وبلدنا.

استأجر أبي بيتًا قريبًا منّا، غير أنّه رفض أن يكلّمنا أو يستقبلنا فيه، وحاولت أنا وأخي أن نتقرّب إليه قليلًا، فسمح لنا بزيارات معدودة، أمّا أختي فلم يُكلّمها منذ ما يقارب السنة، وإذا ذهبت إليه يرفض لقاءها، وإذا صادفها في الطريق لا يردّ عليها السلام، بل ذهب يومًا إلى بيتها فدعا عليها دعاءً شديدًا، وأغلظ لها القول.

وإذ بنا نفاجأ في هذه الأيام بأنّه قد غيّر محلّ سكنه وغادر إلى مكانٍ لا نعلمه، وأرسل رسالة إلى زوجي يُعْلمه أنّه رحل بلا رجعة، وأنّ اللقاء سيكون أمام الله، وأنّه خصيمُنا، وممّا يزيد الأمر تعقيدًا أنّ أمّي ترفض رفضًا باتًّا أن تعود إليه.

فما الذي يتوجّب علينا نحن الأبناء؟ وكيف نتصرّف إذا كنّا لا نعرف مكانه؟ وكيف نبرّه وهو يُقاطعنا، ولا يفتح لنا باب الوصال؟ وصدقًا صرنا في كدرٍ من العيش، نسأل الله أن يدلنا على طريقٍ نسلكه لننجو بين يديه سبحانه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتَنا الفاضلةَ- في الموقع، ونشكرُ لكِ الاهتمامَ والحرصَ على السؤال، ونسأل اللهَ أن يهديَ الوالد لأحسنِ الأخلاقِ والأعمال، وأن يردَّه إلى الحقِّ والصواب، وأن يُعينَكم جميعًا على حُسنِ التصرّف.

ونحن نُوصيكم بالاستمرارِ في تكرارِ المحاولاتِ، والبحثِ عن هذا الأب، ومحاولةِ الإصلاحِ بينه وبين الوالدة، ونسأل اللهَ أن يُؤلِّفَ القلوبَ، وأن يغفرَ الزلّاتِ والذنوب.

وحبَّذا لو كان التشاورُ منكم قبل اتخاذِ هذه الخطوات؛ لأن شريعة اللهِ دعت إلى أن يَستر الإنسان على نفسِه، وأن يَسترَ على غيرِه، فكيف إذا كان مَن نريد أن نسترَه هو الأب؟ نسأل اللهَ - تباركَ وتعالى - أن يتوبَ عليه، وأن يردَّه إلى الحقِّ والصواب، وأن يُعينَ الوالدة أيضًا على المساعدةِ في إعادةِ الأمورِ إلى نصابِها وصوابِها، ونحن بلا شكٍّ لا نُؤيِّدُ الخطأ، والدينُ لا يقبلُ الخيانة، لكن الخطأ لا يُعالجُ بالخطأ، وإنما المؤمنُ يستر وينصح.

ومسألةُ إعلانِ هذه الأمورِ ومعالجتِها بالطريقةِ المذكورةِ لا تحصلُ منذ الوهلةِ الأولى، بل لا بد أن تسبقَها خطوات، ويتأكَّد هذا المعنى –الحرصُ على السترِ والإصلاح– عندما يكونُ الأمرُ بين والدٍ ووالدة، فنسأل اللهَ أن يُعينَكم على تجاوزِ هذه الصعوبات.

ونُبيِّنُ أن الذي يُخرِجُكم من الحرج هو الاستمرار في المحاولاتِ، والاستمرارُ في البحثِ عن الوالد، وبعد ذلك إذا لم تجِدوه، أو تعبتم، فكلُّ ذلك في ميزانِ الحسنات، ولا ذنبَ عليكم في هذا الذي حدث؛ لأنه –كما أشرتم– كان نتيجةَ خطأ، والمعالجةُ أيضًا كانت خاطئة، والإنسان إذا نوى الخيرَ ولم يُوفَّق له، وحاولَ أن يُعالِجَ لكنه أخطأ، فإنّا نرجو عفوَ الله ومغفرة الله - تباركَ وتعالى - للجميع.

إذًا: يظلُّ الوالد والدًا مهما حصل، ولذلك أرجو أن تستمرّوا في البحثِ عنه، والسعيِ في إرضاءِ الوالدة، ومحاولةِ الجمعِ بينهما، والاعتذارِ عن الأختِ التي أخطأتْ وكلَّمت العمَّ الأصغر، الذي أيضًا نرجو أن يكونَ له دورٌ في التصحيحِ والإصلاح، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُؤلِّفَ القلوبَ، وأن يغفرَ الزلّاتِ والذنوبَ، وأن يُجنِّبَنا المعاصيَ ما ظهرَ منها وما بطن؛ فإنَّ للمعصيةِ شؤمَها وثمارَها المرَّة.

نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يتوبَ علينا جميعًا لنتوب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً