الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شهدت بالحق على قريبتي بعد أن زكيتها للخطبة، فهل أخطأت بذلك؟

السؤال

السلام عليكم.

أراد ابن خالتي أن يخطب ابنة عمتي، وسألني عنها، وأجبت في حدود معرفتي بها، وقبل الخطبة، وأثناء التعارف حدثت مشكلة بيني وبينها، واتضحت لي طباع لم أكن أعرفها من قبل، وكان هو شاهدًا على الموقف، ورغم رفض والدته إتمام الخطبة إلا أنه مصر على خطبتها، فهل علي وزر في أنني مدحت أخلاقها ثم تبين ما يخالفها؟

والدته تحملني وزر الشهادة، وأني شهدت بغير الحق، مع العلم أنه لم تتم الخطبة حتى الآن، وما زالوا في فترة التعارف، وهو متمسك بها، وقد أخبرته بأنه سيتحمل تبعات قراره، ولا دخل لي؛ فقد قلت ما أعرفه في الحالتين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رضوى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الكريمة- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول وبالله تعالى أستعين:

ما قمتِ به هو نوع من التزكية والشهادة، وكانت إرادتكِ الخير للطرفين، ولقد زكيتِ تلك الفتاة بما تعلمين عنها، وما تبيَّن لكِ من صفاتها، ولم تتعمّدي المبالغة، أو الكتمان، أو التزييف؛ فالله جلّ في علاه نهانا أن نتكلم بما ليس لنا به علم، فقال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)، والشهادة تكون بالحق وفق ما يعلم الإنسان، قال الله تعالى: (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

وبحسب استشارتك؛ فإنكِ حين سُئلتِ عن الفتاة قد قلتِ ما تعرفينه وبصدق –أي أن شهادتكِ كانت مبنيةً على ما ظهر لكِ من خُلُقها ودينها آنذاك–؛ فلا إثم عليكِ مطلقًا.
وما حدث بعد ذلك من ظهور صفاتٍ لم تكوني تعلمينها، فلا يؤاخذكِ الله عليه؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله، ثم إن ذلك الرجل اطّلع على تلك الصفات، وفي هذه الحالة هو من يقرر هل يستمر أو يترك.
لقد كانت نيتكِ حسنةً، ولم يكن في نيتكِ أن تخادعي أو تغشي، فلكِ نيتكِ، وتؤجرين على ذلك -بإذن الله تعالى-، كما قال النبي ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".

من الطبيعي أن تكون الأم قلقةً على ابنها؛ ولذلك فهي تبحث عن أسباب لرفض الخطبة، لكن لومها لكِ في غير محله، وعليه فنحن ننصحكِ أن توضحي لها أنكِ لم تشهدي زورًا، ولم تكن إرادتكِ غشَّ ابنها، بل إنكِ قلتِ ما كنتِ تعلمينه في حينه، وأن الصفات السيئة التي ظهرت بعدُ لم تكوني تعرفينها، بل إن ولدها رأى تلك الصفات بنفسه، وهو ليس قاصرًا؛ بحيث لا يفرّق بين ما هو حسن وما هو سيئ، ولا يصح أن يُقال في حقكِ إنكِ قد خدعته، ثم إن الأمر لا يزال في طور التعارف، ولم تتم الخطبة، والقرار لديهم، وعلى الأم أن تثني ولدها عن الاستمرار إن رأت المصلحة في ذلك.

ينبغي أن تُناصحي هذا الولد وأمه بأن ما سُمِّي طور التعارف أمر لا يرتضيه الشرع؛ فلا يجوز لابن خالتك أن يُنْشِئ أي علاقة مع تلك الفتاة؛ كونها لا تزال أجنبيةً بالنسبة له؛ فإن كان يرغب في الزواج بها فليأتِ البيوت من أبوابها. ومن الطبيعي أن تظهر بعض الطباع التي لم تكن معروفةً أثناء فترة الخطبة، ولذلك كانت هذه المرحلة لمزيد من التفكير والسؤال والنظر، وهي فترة يجوز لكل طرف أن يتراجع وينهي الخطبة.

وليس من العدل أن نحمّل من عرّف بين الطرفين كل تبعات العلاقة؛ لأن كل إنسان مسؤول عن اختياره بعد أن يرى بعينه، ويتعامل بنفسه، وكونكِ أخبرتِ ابن خالتك بأن القرار يرجع إليه في الرفض أو الاستمرار كان في محله، وقد نصحتِ له، وفي هذه الحال يكون دوركِ قد انتهى.

نصيحتنا لكِ: ألا تحملي نفسكِ فوق طاقتها؛ فقد أديتِ ما عليكِ، وعليكِ أن تعتني بنفسكِ من الناحية الدينية والنفسية.

ونوصيكِ بالاستقامة على دين الله تعالى، والإكثار من الطاعات المختلفة، والمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم؛ ففي ذلك طمأنينة للقلب، وراحة للبال، فالله تعالى يقول: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

نسأل الله تعالى أن يكتب لكِ الأجر والمثوبة، ونسعد بتواصلكِ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً