الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توبة فتاة بعد رفض الشاب الزواج بها

السؤال

السلام عليكم.

رغم صلتي القوية بالله من خلال الفرائض وأعمال الخير والصدقة والنصح لغيري باتباع الدين والأخلاق، إلا أني غرتني نفسي واغتررت بديني، فأحببت شاباً حباً شديداً، ووعدني بالزواج كعادة الشباب، فارتبطت به سراً، ومع الوقت استطاع أن يلمسني ويضمني ويقبلني، ولكني عندما عدت إلى رشدي وخيرته بين الانتهاء عما يفعله أو أن ننفصل اختار أن يتركني.

وقد ندمت كثيراً على ما فعلت، ولكني أشعر بالقهر لأنه خدعني، علماً أننا نعمل معاً في مكان واحد، وأنا يتيمة الأب وليس لي سوى عملي، ولست أدري كيف أريح نفسي، وأحمد الله أني عدت إلى رشدي، وهذا من رحمة الله بي، وأُدرك أن الله غفور رحيم وأن الأهم هو أن أُعيد صلتي بالحي القيوم.

وأعلم أن الله لا يظلم العباد، وأن هذا جزاء أفعالي وأخطائي، ولكن كيف أهدئ نفسي؟ فدلوني على أمر يريح بالي ويهدئ من نفسي ويرضيني بقضاء الله لي.

وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ غرور التوبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يغفر لك وأن يتوب عليك وأن يسترك في الدنيا والآخرة، وأن يكرمك بزوج صالح عاجلاً غير آجل، وأن يخرجك من هذه الحالة النفسية التي أنت فيها ويكون عوناً لك على طاعته ورضاه، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن أكبر عدو للإنسان وأخطره هي نفسه التي بين جنبيه، وكما ذكر ابن القيم رحمه الله أن العدو القريب أخطر من العدو البعيد، فالنفس التي بين جنبينا هي أخطر عدو علينا، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الحاجة يستعيذ بالله دائماً بقوله: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا)، وعندما جاءه صحابي يطلب منه أن يُسلم وأن يعلمه شيئاً، فلما أسلم الرجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم قل: (اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي).

فالنفس الأمارة بالسوء تقف للإنسان بالمرصاد لتحول بينه وبين طاعة الله تبارك وتعالى وتورده المهالك وموارد الهلكة والشيطان، وذلك لأن النفس تقول: هذه الأعمال الطيبة التي نؤديها هي أعمال كثيرة وعلاقتنا بالله تبارك وتعالى صارت قوية ووطيدة، فإن وقعنا في معصية فإن الله سيغفر لنا لأنه يحبنا ولأننا نطيعه، وبذلك تضعف النفس أمام إغراءات الشيطان وإغوائه، فتوقع العبد فيما لا يرضي الله تعالى، وقد يخرج من هذا المستنقع وقد لا يخرج، ولكن أحمد الله تعالى أنه أعانك على إيقاف هذا الفعل المشين وتلك التصرفات المحرمة، وموقف هذا الشاب موقف طبيعي، فإن ما جاء بسهولة ويسر يتم التخلي عنه في أقرب فرصة، ولذلك لا نلومه بقدر ما نلوم أنفسنا، ولا نعتب عليه بقدر ما نعتب على أنفسنا لأننا الذين فرطنا في شرع الله تعالى وغرتنا الأماني وغرتنا نفسنا الأمارة بالسوء وغرنا الشيطان الرجيم، ولذلك أحمد الله تعالى أنك نادمة على ما فعلت، وكم أتمنى فعلاً أن تتوبي إلى الله توبة نصوحاً عسى الله أن يغفر لك وأن يتوب عليك.

وأما كونك تشعرين بالقهر من أنه خدعك فهذا أهون من عذاب الله تعالى، وهذا أمر طبيعي، فإن الرجل إذا قدمت المرأة نفسها له بسهولة ويسر فإنه لا يثق بها حتى وإن كانت من الصالحات؛ لأنه يظن أن التي تفعل معه ذلك قد تفعل ذلك مع غيره مهما كانت تُقسم له بأغلظ الأيمان بأنها لا علاقة لها بسواه أو أن قلبها لم يطرق بابه غيره، وهذا أمر طبيعي.

ولذلك فإن استطعت أن تغيري العمل – إذا كان بمقدورك – إلى مكان آخر فذلك حسن، حتى تخرجي من هذا الجو؛ لأنه قطعاً يراك وترينه كل يوم مرات ومرات مما يجعلك دائماً تشعرين بالمهانة أمام نفسك والذلة أمامه، وتشعرين دائماً بالتوتر المستمر، فابحثي عن وسيلة لترك هذا المكان إلى مكان آخر، فإن لم يكن فنحن ظلمنا أنفسنا ولنتحمل ظلمنا لأنفسنا، ولكن بالتضرع إلى الله تبارك وتعالى ودعائك لله عز وجل وانكسارك بين يديه وإظهار الفقر والاحتياج إليه وأنك لا حول لك ولا قوة إلا به، هذا كله كفيل بأن يعيد إليك ثقتك بنفسك؛ لأنك لست معصومة ولست صحابية ولا قديسة، بل إن من الصحابة من وقعوا في بعض المخالفات ليضرب الله لنا المثل بأنهم لم يكونوا معصومين وإنما العصمة كانت للنبي الكريم وحده صلى الله عليه وسلم.

ولذلك أوصيك ونفسي بشيء من قيام الليل وصيام النهار - بجوار العبادات التي تؤدينها - مع الإكثار من التوبة والاستغفار، واجعلي ذلك على لسانك دائماً أبداً، ولا تقفي طويلاً أمام هذا الذنب حتى لا تظلي تعيشين حالات الحزن والكآبة، وإنما انظري إلى حسن الظن بالله تعالى، واعلمي أن الله جل جلاله إذا أحسن العبد الظن به يسر له أمره، فهو قال: (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني)، فأوصيك بحسن الظن بالله وحسن العمل والإكثار من ذكر الله وصيام النوافل حتى تؤدبي هذه النفس الأمارة بالسوء، مع شيء من قيام الليل والاجتهاد في حفظ القرآن – إذا لم تكوني حافظة أو إذا كان حفظك قليلاً - ولو بمقدار آية أو آيتين حتى تؤدبي نفسك وتستفيدين من لحظة الانكسار التي عندها الآن في تقوية علاقتك بالله تبارك وتعالى، واسألي الله تبارك وتعالى أن يمنَّ عليك بزوج صالح يخرجك من هذه الحالة النفسية ويُذهب عنك هذا الإزعاج ويهدئ من نفسك ويرضيك بقضاء الله تعالى.

وإذا كانت أمك موجودة فاطلبي منها الدعاء لك بالستر والتعجيل بالزواج، لأنك لو تزوجت فإن حالك سيتغير بإذن الله تعالى إلى ما هو أفضل، نسأل الله لك الهداية والسداد والهدى والرشاد والستر في الدنيا والآخرة، والزوج الصالح والذرية الطيبة، ومغفرة الذنب وستر العيب، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية نور الصباح

    احمدى الله واشكريه انه ردك الى الواب قبل الوقوع فى الغلط ولا تندمى على هذا الفتا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً