أنا أحفظ القرآن وأصلي بالناس من سنوات، ولكن عندي مشكلتان:

الأولى: النسيان الشديد للقرآن وأنا أصلي بالناس، فمع أني أحفظ الآيات التي أريد قراءتها جيداً، إلا أنها تسقط مني كلمات وأحياناً آيات، ويذكرني الناس بعد الصلاة، فأتعجب كيف سقطت! مع أني لا أشعر بأي رهبة من الإمامة، فهل من حل لهذه المشكلة؟

الثانية: أني متقلب المزاج فيُنغص عليّ أيام مجرد كلمة عابرة من أحد، مع أنها قد تكون كلمة بسيطة، فأغضب وأرضى بسرعة، فهل هذا دليل على ضعف الإيمان؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ غانم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكثر من أمثالك، وأن يثبك على الحق، وأن يبصرك بالحق، وأن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – من أنك تنسى بعض الآيات أو تسقط منك بعض الكلمات عند إمامتك للصلاة، حيث إنك تحفظ القرآن وتصلي بالناس منذ سنوات، وتسأل عن السبب أو حل لهذه المشكلة؟

أقول لك بارك الله فيك: القرآن كما تعلم غالب وليس بمغلوب، والقرآن كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (أشد تفلتاً من الإبل في عُقُلها).
والواحد منا مهما كانت درجة حفظه إذا لم يراجع غالب أو معظم الآيات التي سوف يصلي بها مراجعةً قريبة فإنه قد يخطئ، فأحياناً قد يروق له أن يقرأ من موضع معين وهو لم يراجعه مراجعة قريبة، فيترتب عليه أن تدخل الآيات المتشابهة في بعضها البعض، مما يؤدي إلى سقوط بعض الكلمات أو نسيان بعض الآيات، وقد يكون الحفظ في بدايته ليس قوياً أو متيناً، فقد يحفظ الإنسان وهو متأخر في السن، وهذا الحفظ يحتاج إلى فترة طويلة وإلى مراجعة كثيرة أيضاً حتى يثبت ويرسخ في الذاكرة، وفي تلك الحال يترتب عليه مثل هذا الحال الذي تذكرها.

وقد يكون أيضاً هذا نوعا من الحسد من الجن نفسه، حتى إنه يريد أن يصرفك عن إمامة الناس، فيؤدي إلى هذه الاضطراب في الحفظ الذي يترتب عليه النسيان في الصلاة حتى يصرفك عن العبادة.

ولذلك أنا أنصحك بارك الله فيك أن تجتهد في مراجعة الآيات التي تريد قراءتها مراجعة جيدة مرة أخرى، أنت تقول إنك تحفظ الآيات التي تريد قراءتها جيداً، أنا أقول راجع الآيات قبل الصلاة، واحرص على ألا تقرأ غالباً إلا بالمحفوظ عندك حفظا جيدا؛ لأن كل إنسان من حفظة القرآن منذ النبي عليه الصلاة والسلام وإلى الآن وإلى يوم القيامة، هناك بعض الآيات التي يحفظها أفضل من غيرها حتى وإن كانت قصار السور، فما دمت أنك تشعر بأنك تسقط منك بعض الكلمات، وأحياناً بعد الآيات خاصة إذا قرأت مثلاً في السور الكبيرة وفي القصص المتشابه أو الآيات المتشابهة؛ فمن الممكن أن تقرأ سوراً صغيرة في الصلاة حتى لا تحرج نفسك.

وبعض العلماء يرى أن السور القصيرة أولى من قراءة آيات من سورة طويلة، يعني قراءة سورة الضحى أفضل من قراءة آية أو آيتين من سورة البقرة؛ لأن هذه سورة كاملة كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام.

فإذن تستطيع أن تتغلب على ذلك أولاً بكثرة المراجعة اليومية، لأنك إذا كنت تحفظ القرآن كاملاً فإن العلماء يقولون: أقل قدر من المراجعة يومياً خمسة أجزاء، فتحرص على ذلك، وتجعل وقتاً طويلاً للقرآن وهو لن يضيع عليك؛ لأنه وقت عبادة وطاعة، وبذلك ستظل محافظاً على هذه النعمة التي أكرمك الله بها، وهو حفظ القرآن الكريم.. هذا أولاً.

ثانياً – بارك الله فيك – الآيات التي تريد أن تقرأ بها في الصلاة حاول مراجعتها قبل الصلاة مباشرة، حتى تكون ما زالت قوية وما زالت نشيطة في ذاكرتك.

ثالثاً: - بارك الله فيك – إذا كانت الآيات طويلة أو السور طويلة تضطرب عليك ويحدث عندك نوع من النسيان كما ذكرت للكلمات أو للآيات، فمن الممكن أن تقرأ من قصار السور ولن يعتب عليك أحد، إلا إذا كنت مراجعاً لبعض الآيات من السور الكبرى فتستطيع أن تقرأ بها في الصلاة.

رابعاً: أتمنى – بارك الله فيك – أن تقوم بعمل رقية لنفسك، لاحتمال أنك قد تكون محسودا، قد تكون عندما صليت بالناس وصوتك حسن وحفظك جيد حسدك بعض الناس وهو لا يدري؛ لأن العين سبَّاقة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين).
فمن الممكن أن تقوم بعمل رقية لنفسك أو يرقيك بعض المشايخ أو بعض أهلك أو أرحامك من الصالحين؛ لأن هذه ستنفعك في المشكلة الأولى والمشكلة الثانية، والرقية كما تعلم إذا لم تنفع لن تضر قطعاً لأنها كلام الله تعالى وكلام النبي عليه الصلاة والسلام، فتستطيع أن ترقي نفسك بنفسك، وتستطيع أن تستمع إلى شريط الرقية، وتستطيع أن تستعين ببعض أهلك وأرحامك، إذا لم تجد فتستطيع أن تذهب لبعض المشايخ ليرقيك الرقية الشرعية لعلك تكون محسوداً، فقد يكون الحسد هذا من الجن، وقد يكون من الإنس.

كونك متقلب المزاج وهذا ينغص عليك أياماً، فمجرد كلمة واحدة تشعر بأنها تزعجك جدّاً وتغضب بسرعة، ثم بعد ذلك ترضى بسرعة، معناه أنك عندك – جزاك الله خيراً – نوع من الاضطراب في السلوك النفسي، هذه لا علاقة لها بضعف الإيمان ولا غيره، وإنما هذا اضطراب في الحالة النفسية، وهذا يحتاج كما ذكرتُ أولاً إلى الرقية الشرعية، ويحتاج إلى أن تتعلم كيفية معالجة الغضب، فالنبي عليه الصلاة والسلام أوصى فقال: (لا تغضب، لا تغضب).
والأمر الثالث: تحتاج لأن تقرأ سنة النبي عليه الصلاة والسلام في الحلم والأناة وعدم العجلة، حتى لا تغضب بسرعة ثم تندم بسرعة، لأنك قد تغضب، وقد تقول كلمات تغضب أيضاً من أمامك.

هناك كتاب بعنوان: (من يشد خيوطك) فلو استطعت أن تقرأ هذا الكتاب فسوف تذهب عنك هذه الحدة بإذن الله تعالى وأيضاً، كتاب آخر بعنوان (كيف تفهم نفسك وتفهم الناس) إن استطعت أن تقرأ هذا الكتاب لرجل يسمى (هنري كلاي)، طبعاً هذا من كتب مطبوعات مكتبة تسمى (الخنجي) بالقاهرة.

وعليك بكثرة الاستغفار، وعليك بالصلاة على النبي محمداً عليه الصلاة والسلام، وعليك بالدعاء أن يعافيك الله تبارك وتعالى من ذلك، واعلم أن هذا شيء بسيط ولا علاقة له بضعف الإيمان أو قوته، وإنما كما ذكرت لك هذا شيء في الاضطراب السلوكي تستطيع أن تتغلب عليه، بأن تمسك نفسك ولا تغضب كما أوصى النبي عليه الصلاة والسلام، ويمكنك أن تقرأ شرح حديث الغضب عندما أوصى النبي عليه الصلاة والسلام هذا الصحابي الذي سأله: أوصني، فقال: (لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب)، وتتعرف على كيفية علاج ظاهرة الغضب، وبذلك - إن شاء الله تعالى – ستكون أمورك طيبة، وإذا كان والدك موجوداً أو والدتك فاسألهما أن يكثرا من الدعاء لك أن يُذهب الله عنك هذا حتى تكون في حالة مرضية بإذن الله تعالى.

كونك ترضى بسرعة، معنى ذلك أنك إنسان على خير؛ لأن هذا كان هو شأن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يحمل في نفسه على أحد، وأن من أساء إليه ثم جاءه بعد ذلك، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يعفو ويصفح.

أسأل الله تعالى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يجعلك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

هذا وبالله التوفيق.