الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي حساسية زائدة تجاه تعامل صديقاتي معي، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم

أنا متزوجة منذ عشر سنوات، لدي ثلاثة أطفال، ومغتربة منذ أربع سنوات، أحس بملل شديد بغربتي رغم وجود زوجات أصدقاء زوجي، لكني أشعر بأنهن لا يتقربن مني، ويقللن من أهميتي، ولا يعبرنني عند الاجتماعات.

أحس بذلٍ عندهن، وأشعر بأنني وحيدة، وهذا يسبب لي أرقاً وحزناً عند النوم؛ لأني أفكر كثيراً بما يحصل لي، فعزمت على الوحدة وعدم الاختلاط بهن، لكني أرجع لأني أشعر بالملل والوحدة، وبالذات أن زوجي كثير العمل، والأرق يسبب لي كسلاً وخمولاً بقية اليوم، ولا أستطيع أن أعطي أولادي الحنان، وزوجي أهمله؛ لدرجة أنه يمل مني ويضطر للخروج، ويقول بأني أصبحت مريضة نفسياً بسبب ما أعانيه!

أريد نصيحتكم لي، هل أنا إنسانة مريضة نفسياً لاهتمامي الزائد بتصرفات زوجات أصدقاء زوجي ومعاملتهن لي؟ وما العيب الذي فيّ كي يقلل الناس من أهميتي؟ وماذا أفعل لأذهب التفكير وقت النوم وأستطيع أن أعيش طبيعية مع أسرتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أحمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

من خلال رسالتك وشكواك يتضح بأن لديك ما يسمى بالشخصية الحساسة، وهذا نوع من اضطرابات الشخصية التي قد يصاب بها الإنسان؛ بحيث ينشغل الإنسان كثيراً ويهتم برأي الآخرين فيه، ودائماً يحلل كل الأمور التي تصدر من الناس على أنها تصرفات ضده، وأنه هو المقصود منها فيشعر بأن الناس يقللون من شأنه، فينعكس الأمر سلباً على تصرفاته فيصبح عديم الفعالية ومحبطاً ووحيداً، وتتسلط عليه هذه الأفكار كثيراً، فتأخذ من طاقته ووقته وتفكيره، وتصيبه بنوع من الكآبة، والتي قد تنعكس إما بكثرة الميل إلى النوم أو بالقلق وعدم النوم، وبالتالي الإرهاق.

أحب أن أقول لك بأن النفس تمرض تماماً كالجسد، وهذا ليس عيباً فيك، بل له أسباب نعلم بعضها ونجهل بعضها، فمثلاً من أسباب الحالة هو ما نحمله من خبرات من الطفولة والمراهقة، ما قد ينعكس علينا في هذه المرحلة من العمر، كما أن الوراثة تلعب دوراً هاماً في ظهور بعض اضطرابات الشخصية في البالغين، كالتي لديك.

الجسد والنفس مرتبطان ببعضهما البعض من الناحية الصحية، فكما أن مرض الجسد ينعكس على النفس، كذلك مرض النفس ينعكس على الجسد؛ لذلك يجب أن لا تبقي بمعاناتك هذه فتتأثر حياتك العائلية سلباً، فأطفالك بحاجة إلى رعايتك رعاية قوية متوازنة ومنفتحة، فأنت الآن قدوتهم ومصدر قوتهم ونافذتهم على هذه الحياة، والشكل الذي تبدين عليه أمامهم سيكون هو جزء من خبرات طفولتهم؛ التي قد تنعكس سلباً عليهم أيضاً، لذلك سأقدم لك بعض النصائح العامة:

يجب أن تقومي أنت أولاً بتقييم نفسك بصورة صحيحة، وأن تقومي بإدراك مشكلتك فتراجعين نفسك، وهنا غالباً أنك ستجدين بأن شعورك بأن الناس لا يكنون لك الاحترام والتقدير الكافي، هو شعور ظني أو افتراضي من داخلك، بسبب أنك تفسرين تصرفات الناس بهذا الشكل، وقد تكون الحقيقة هي أن لديك درجة أصلاً من عدم الثقة الكاملة في نفسك، وبالتالي فإنك لا تبادرين الناس، وهنا فإنهم يظنون بأنك لا ترغبين المشاركة معهم، وهذا كثيراً ما يحدث، فكل طرف ينتظر الطرف الآخر ليبادر فتنعدم المبادرة والمشاركة من الطرفين.

يتشكل لديك الشعور بأنهم لا يقدرونك، وعليك أن تعرفي بأن الآخرين أيضاً مثلك ينتظرون منك أن تكوني إيجابية ومبادرة؛ لذلك عليك بمراجعة نفسك، هل أنت شخصية غير مُبادرة أي -تجنبية-، أي تتجنب المشاركة أصلاً أم لا؟ فالناس كثيراً ما تبتعد عن الشخص الحساس والانطوائي، وغير المبادر، وتسيء فهمه.

كما أن الغربة قد تكون أثرت عليك من ناحية عدم قدرتك على التأقلم مع الأجواء الجديدة، وغالباً في الغربة نحن لا نختار أصدقاءنا، بل يفرضهم الواقع والظروف المحيطة بنا؛ لذلك تكون الخيارات أمامنا محدودة.

عليك برسم صورة إيجابية عن نفسك، وتواصلي بشكل إيجابي مع أفكارك، وتجاهلي فكرة أن الناس يكرهونك، وكوني أنت المبادرة ولا تنتظري أي مقابل، بل تجاهلي من أساءت إليك بالتصرف، واستمري بمعاملتها بشكلٍ حسنٍ، فقد تنقلب إلى صديقة حميمة لك بعد أن تعرف معدنك الأصيل، وهذه من أهم مبادئ ديننا العظيم، وهي أن نقابل الإساءة بالإحسان، وهذا لا ينم عن ضعف مطلقاً، بل عن رقي وفهم.

تذكري بأن الناس تنظر إلينا من خلال نظرتنا لأنفسنا؛ فإن كنا واثقين معتدين بأنفسنا فسيعاملوننا على هذا الأساس والعكس صحيح، وانهضي من حزنك واطردي عنك هذه الأفكار السلبية، وأشركي نفسك بنشاطات أو برامج تخرجك من روتين الحياة وتخلصك من العزلة.

وركزي أولاً وأخيراً على إيجاد السعادة مع زوجك وبين أطفالك، فهم بحاجتك، ويجب أن يكون لهم الأولوية في أفكارك وليست للآخرين.

وإن شعرت بأنك غير قادرة على تحسين نوعية حياتك، وعلاقتك بالآخرين وخاصة بزوجك وأطفالك؛ فأنصحك بعرض نفسك على طبيب أمراض نفسية؛ فقد تحتاجين جلسات علاجية سلوكية أو دواء لعلاج هذه الحالة، حتى لا تتطور إلى كآبة مزمنة فتنعكس على حياتك العائلية.

نسأل الله العلي القدير أن يفرج كربتك، وأن يسعد غربتك ويمدك بالصحة والعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً