الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الانطوائية والعزلة وعلاقتها بالرهاب الاجتماعي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب في الـ 16 من عمري، أدرس في الصف الأول الثانوي، متفوق ومن الأوائل على المدرسة -ولله الحمد-، لكنني أعاني من الانطوائية والعزلة والخجل من الناس، منذ أن عرفت نفسي لا أعرف إلا المنزل والمدرسة والمسجد، ففي المدرسة ليس لدي أصدقاء، ويذمني الكثير من الطلاب في المدرسة بسبب هذه المشكلة، ويسخرون مني في بعض الأحيان، لا أجد منهم شخصاً يفهمني، ويتوقعون أنني مرتاح وأنا أجلس لوحدي، بينما الواقع عكس ذلك، لا يتحدثون معي في العادة إلا لمصالحهم الشخصية، مثل طلب قلم، حل واجب، غش في الاختبار، إلخ.

عندما يمدحني أحد لا أعرف كيف أرد عليه، إلا بمجرد ابتسامة، وعندما يتحدث معي لا أعرف بماذا أرد عليه، ويقول لي البعض عندما يجلس معي: لماذا لا تتحدث؟ وأرتبك ولا أدري ماذا أقول! صوتي خافت عندما أتحدث، وأخجل أن أرفع صوتي للرد على الأشخاص البعيدين، أكره وأخجل من الخروج للفسحة؛ لأني لا أعلم إلى ماذا وأين أذهب، ولا أريد أن يراني الناس لوحدي.

أما في البيت فأحب الهدوء، بعكس إخواني تماماً، حتى أنني أطردهم، وأطلب منهم الهدوء وعدم الإزعاج، عندما يأتون أو يلعبون في الغرفة التي أجلس فيها، وأطلب أن يخفضوا صوت التلفاز، وبالنسبة لأبي، فهو غالباً ما يكثر من اللوم والصراخ واللعن، لأتفه الأسباب، مثل إطفاء المصابيح والمكيف والأجهزة الكهربائية، أو عند تناول الوجبات، وأنا ليس لدي شهية للأكل، ويقول إنني أعانده، ولا أسمع كلامه، ويحاج عليّ بذلك كلما طلبت منه شيئاً.

يأتي إلى المنزل أعمامي شهرياً، وأكره الجلوس وتضييع الوقت معهم، لكن والدي ووالدتي يجبرونني على ذلك ويهددونني، فأضغط على نفسي وأجلس معهم بضع دقائق وأخرج.

عندما أذهب للنوم في بعض الأحيان أجلس أفكر في مشكلتي التعيسة هذه، وأفكر في همومي وأحزاني وأملأ وسادتي بالدموع، أتمنى أن أجد لديكم الحل لهذه المشكلة، التي رافقتني منذ أن كنت طفلاً، وحتى هذه اللحظة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنك تشتكي مما وصفته بالانطوائية في شخصيتك، وأن نشاطك ينحصر فقط ما بين المنزل والمدرسة والمسجد، ولا تتفاعل اجتماعياً حتى في هذه الأماكن، وأهم شيء في دراسة الانطوائية هو: أن يتم فحص الشخصية بواسطة الأخصائي النفسي، وهنالك مؤشرات محددة، إذا استوفيت هنا نقول: إن هذا الشخص فعلاً يعاني من الشخصية الانطوائية.

بعض الناس تختلط لديه الانطوائية والخجل والرهاب الاجتماعي، أو الخوف الاجتماعي، وكذلك الحياء، عموماً الوضع المثالي هو أن تذهب وتقابل الأخصائي النفسي، إذا كان هنالك أخصائي نفسي بالمدرسة، حتى يقوم بتقييمك تقييماً سليماً وصحيحاً.

هنالك أدلة وإثباتات علمية قوية جدّاً، أن معظم الذين يشتكون من الانطوائية والخجل وعدم التفاعل الاجتماعي، تكون أحكامهم على أنفسهم ليست صحيحة، ويكون هنالك مبالغة في التقدير السلبي للذات، وهذه مشكلة أساسية، أي أن الإنسان ربما يكون أداؤه جيداً، أو مقبولاً أو معقولاً، ويتواصل اجتماعياً، ولكنه يعتقد -وهو تحت الانطباع الدائم- أنه انطوائي أو أنه خجول، ولذا من البدايات الرئيسية جدّاً هي أن يعيد الإنسان تقييمه، وعليه أقول لك: أرجو أن تعيد تقييم نفسك تقييماً صحيحاً، هل أنت بالفعل انطوائي؟ هل أنت بالفعل لا تتفاعل، أم أنه مجرد نوع من التردد البسيط، وعدم الارتياح لأن تكون متفاعلاً مع الآخرين؟

أنا على قناعة كاملة أنك سوف تصل إلى نتيجة -إن شاء الله- أن أداءك الاجتماعي، وتواصلك الاجتماعي، أفضل مما كنت تعتقد، وبالطبع إذا قابلت الأخصائي النفسي سوف تتوصل إلى هذه النتيجة أيضاً، وهناك نصائح عامة نوجهها في مثل حالتك:

أولها: أن تظن بنفسك خيراً، وأن تثق في مقدراتك، هذا مهم جدّاً.

ثانياً: ضع لنفسك برامج يومية، هذه البرامج يمكن أن تنحصر في نطاق المدرسة والمسجد والمنزل، في هذه المرحلة، لا بأس في ذلك، ولكن حينما تذهب للمسجد يمكنك أن تقضي وقتاً مع بعض المصلين بعد انتهاء الصلاة، وتتجاذب معهم أطراف الحديث في أمور مختلفة، وفي المدرسة تخير صديقًا أو صديقين، وكن متفاعلاً معهم، أطرح مواضيع للنقاش، حتى وإن كانت مواضيع عامة جدّاً، وبنفس المستوى في المنزل قل لنفسك: (سوف أكون نشطاً ومتفاعلاً مع أفراد أسرتي في حدود معينة، وسوف أزيد معدل هذا التفاعل يومياً) هذا علاج عملي وبسيط جدّاً، فقط يتطلب منك الإقدام والثقة في نفسك.

ثالثاً: عليك أن تلجأ إلى الدراسة الجماعية، تخير أيضاً من تثق فيهم من زملائك في المدرسة، ويمكنك أن تلتقي معهم مرة أو مرتين في الأسبوع، من أجل الدراسة والتحصيل مع بعضكم البعض، وحل أسئلة الامتحانات مثلاً.

رابعاً: أرجو أن تشارك في أي نشاط رياضي، مثل كرة القدم، حاول أن تمارس لعبة كرة القدم بمعدل مرتين على الأقل في الأسبوع، هنا سوف تجد أنك متفاعل تفاعلاً اجتماعياً جيداً.

خامساً: عليك أيضاً أن تشارك في أي جمعية ثقافية متواجدة بالمدرسة، وعليك أيضاً أن تشارك في حلقة التلاوة الموجودة في المسجد، هذه كلها طرق لتبني صورة ذهنية إيجابية عن نفسك، وتطبق هذه التفاعلات الاجتماعية المهمة المباشرة، والتي تجعل الإنسان يبتعد عن العزلة وعن الانطوائية -إن شاء الله-.

هناك أيضاً فنون بسيطة جدّاً للتفاعل الاجتماعي، من أهمها أن تنظر إلى الناس في وجوههم حين تتحدث إليهم، أن تكون أنت البادئ بالسلام، كلما أتيحت لك الفرصة لذلك، وإذا سلم عليك شخص آخر عليك أن ترد التحية بأحسن منها، وبصوت مرتفع، وحتى تحسن من مستوى صوتك، قم بتسجيل بعض المواضيع على المسجل، وبعد ذلك قم بالاستماع إلى نفسك، وحاول أن ترفع من صوتك في وقت التسجيل، هذه طريقة جيدة جدّاً، والإنسان حين يستمع لصوته يستطيع أن يبني الثقة في مقدراته، وفي نفس الوقت يمكن أن يرفع صوته في المرة القادمة بصورة أفضل، عليك أن تبني صورة إيجابية عن نفسك، أنت الحمد لله لديك مقدرات، أنت ملتزم، أنت في جانب الهدوء، تمتلك شيئاً من الحياء، وهذه كلها صفات وسمات إيجابية جدّاً يجب أن تتذكرها، وأن تتعايش معها، ويجب أن تستفيد منها للتواصل مع الآخرين.

علاقتك بوالدك من المفترض أن تكون علاقة جيدة وحسنة، خاصة أنك -بفضل الله تعالى- ملتزم من جميع النواحي، وأريد أن أذكرك أن والدك لا يكرهك، فهو بالطبع يحبك، ويريدك أن تكون أفضل مما أنت عليه الآن، وذلك حسب مقاييسه هو، وعليك أن تصبر على مثل هذه الحال، وتحاول أن تكون مرضياً له بقدر المستطاع، فمن الصعب جدّاً أن نغير منهج والدك، ولكنك أنت المطالب بأن تغير منهجك، وأن تبدي له الطاعة، وأن تقوم بفعل ما يرضيه بقدر المستطاع، وحاول أن تتودد إليه وأن تشركه في شؤونك، وأن تحدثه مثلاً عن أدائك في المدرسة، وشيء من هذا القبيل.

نصيحتي لك أيضاً هي أن تشارك في قرارات الأسرة، لا تكن مهمَّشاً، حاول أن تدلي برأيك في شؤون الأسرة، تفاعل مع إخوانك، مع أخواتك، مع والدتك، مع والدك، اطرح مواضع عن المستقبل، عن آمالك في الدراسة، ماذا تريد أن تكون؟ هناك أشياء كثيرة يمكن للإنسان أن يقوم بها، اقترح على الأسرة أن تكون لكم حلقة تلاوة مرة أو مرتين في الأسبوع مثلاً، من خلال هذا اللقاء الأسري تكون -إن شاء الله- النفوس والخواطر طيبة، ويكون التواصل في أفضل حالاته.

هناك أدوية تقلل من الخوف والقلق، وكذلك الخجل، خاصة إذا كان هذا الخجل من النوع الخجل الاجتماعي، ولكن صراحة لا أرى حاجة لك في هذه المرحلة لتناول هذه الأدوية.

أرجو أن لا تعيش في الماضي، ولا تعتقد أن صعوبات الطفولة هي السبب في وضعك الحالي، الماضي مهما كان هو عبارة عن عبرة وتجربة، يستفيد منها الإنسان لتطوير نفسه في المستقبل والحاضر، وليس أكثر من ذلك، انظر إلى الأمور كما هي الآن، وتذكر أنك -بفضل الله- على استقامة، ولا تلتفت إلى التعليقات السلبية من الآخرين، كن أكثر ثقة ومقدرة في نفسك، وأنت حقيقة تحمل الكثير من المميزات والمقدرات، ومن الطاقات الإيجابية، إذا أحسنت استغلالها، فسوف تحس -إن شاء الله- بالرضا الكامل عن نفسك.

ختاماً: نشكرك كثيراً على تواصلك مع إسلام ويب، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً