الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلم الشرعي.. والطريقة الصحيحة لتحصيله

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد الآن أن ألتحق بكلية للعلوم الشرعية، فأريد بعض النصائح، وكما هو معروف فهنالك الكثير من المشايخ والدعاة، وأنا أريد أن أكون ساطعا كاللؤلؤة بين المشايخ، مع الحرص على الإخلاص، فدلوني وأفيدوني كيف أكون منهم؟ وأيضاً ما هي أفضل الطرق لدراسة العلوم الشرعية؟ وكيف أكون متميزاً وأحصل على علامات كاملة؟

وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بهاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحباً بك في موقع استشارات إسلام ويب بين آبائك وإخوانك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا وإياك في الدين، ويعلمنا التأويل وأن ينفعنا وينفع بنا، إنه جواد كريم.

نحن نشكر لك - أيها الولد الحبيب - هذه الهمة العالية في طلب علم الشريعة، وهذا يدل على رجاحة عقلك، فإن العلم بالله تعالى وبأحكامه وبأسباب رضوانه، من أجل الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه جل شأنه، والآيات والأحاديث في فضل العلم الشرعي كثيرة غير خافية على أحد، ويكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)، وفي الحديث: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) ويقول عنه – أي عن طالب العلم – عليه الصلاة والسلام: (فضل العالِم على العابد كفضلي على أدناكم)، والنصوص في هذا المعنى كثيرة متوافرة.

فهنيئاً لك - أيها الحبيب - هذه الرغبة في دراسة علوم الشريعة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيدك رغبة، ويرزقك همة عالية في تحصيل هذا العلم الشريف والانتفاع به ونفع الخلق به، إنه جواد كريم.

ونحن هنا - أيها الحبيب - نضع بين يديك جملة من الوصايا التي نأمل أن ينفعك الله عز وجل بها، ونتمنى أن تجد لديك قبولاً وتعمل بها، حتى تحصل هذه المطالب العالية التي سألت عنها.

أول هذه الوصايا ما تفضلت بذكره في استشارتك من الحرص على الإخلاص، فجاهد نفسك في تحصيل الإخلاص، واقصد بطلب العلم وجه الله الكريم والتقرب منه، ونفع الخلق به، ورفع الجهل عن نفسك، وتعليم الجاهل من المسلمين، وبهذه النية سيرزقك الله عز وجل ما لا تحتسب، فإن حسن النية وحسن القصد من أعظم الأسباب في نيل العلم.

واحذر أن ينزغك الشيطان عن هذا المقصود العظيم، فتطلب العلم لشهرة أو لتحقيق جاه أو للرفعة، أو نحو ذلك من المقاصد التي قد تصاحب طلب العلم، فإن العلم شريف في نفسه، تسعى له النفوس كلها، لكن تختلف مقاصدها، فاجعل رضوان الله تعالى والقرب منه، ورفع الجهل عن نفسك، ونحو ذلك من المقاصد الحسنة أمام عينيك، حتى يوفقك الله سبحانه وتعالى، ويمدك بمدد من عنده، فإن التوفيق بيده سبحانه وتعالى، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، أعلم حيث يجعل هذا العلم، من يعطيه ومن يورثه، فأري الله عز وجل من نفسك خيراً حتى يفتح عليك.

الوصية الثانية: إياك والحرص على الشهرة، لا تجعل الشهرة هي مقصودك الأعظم، فربما كان عطبك وهلاكك في تلك الشهرة، ولكن اسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير، وأن ينفعك بالعلم، وأن ينفع بك المسلمين، واجعل حرصك متجهاً نحو نفع الخلق مما تتعلمه من صغير العلم وكبيره، وبقدر اشتغالك بالله سيكون اشتغال الناس بك وبذكرك، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، وإذا أحب الله عز وجل عبداً ألقى له المحبة في قلوب الخلق، كما جاء بذلك الحديث، فإن الله عز وجل يحبه، (وإذا أحب الله عبداً نادى: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل وينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، ثم يوضع له القبول في الأرض).

فاحرص على نيل هذه المرتبة وهذه المنزلة عند الله، وبذلك ستنال المحبة في قلوب الخلق، فلا تجعل المكانة في قلوب الخلق والشهرة عندهم هي مقصودك؛ فإن هذا قد يفتح للشيطان باباً عظيماً من أبواب الشر عليك، والعلماء والأئمة لو قرأت تراجمهم، ستجد الشيء الكثير من أخبارهم في بعدهم عن الشهرة، ولكن كلما بعدوا عن الشهرة طاردتهم الشهرة وطالبتهم فشُهروا وعُرفوا وصاروا أئمة للعالمين، تتابع الأجيال على الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم والانتفاع بعلومهم، مع أنهم ما كانوا يطلبون الشهرة ولا بحثوا عنها، فالشهرة ستأتيك، ولكن ليست هي المقصود الذي ينبغي أن تهتم لأجله.

الوصية الثالثة: الجد في الطلب ومجالسة أئمة الدين، والتتلمذ على الماهرين في كل فن، فإن هذا من أعظم الأسباب في إتقان العلم وإحسانه والرسوخ فيه، فحاول أن تتلمذ على الماهرين في الفنون، فاطلب كل فنٍ من أهله والماهرين فيه، وجالس الجادين من طلبة العلم، فإن الصاحب ساحب، إذا ما جالست أصحاب الهمم العالية أكسبوك مثل أخلاقهم، وإذا ما جالست المفرطين والمضيعين والكسالى أكسبوك مثل صفاتهم.

الوصية الرابعة: الاجتهاد في تعليم الناس ما عندك من العلم، فاحرص على أن تبلغ العلم الذي تتعلمه بعد إتقانه وإحسانه، واحذر من شهوة التعليم والتصدر قبل التمكن، ووازن بين الأمرين جميعاً، فما أتقنته من العلم وأحسنته ينبغي لك أن تعلمه للآخرين وتقف عند ما تعلمه، فلا تتقول مما ليس لك به علم، واحذر من أن تقول على الله تعالى ما لا تعلم.

الوصية الخامسة: نوصيك باتباع الطريق الصحيح في التعلم بأن تتبع المنهج الصحيح بالبدء بصغار العلم قبل كباره، فإن العلم كثير، ولا ينال الإنسان منه إلا طرفاً يسيراً، فاحرص على أن تأخذ العلوم شيئاً فشيئاً، وابدأ بصغارها قبل كبارها، وهذا منهج معروف متبع عند العلماء إذا ما ذهبت إلى أهل العلم المتخصصين فيه فإنهم سيدلونك في كل فن على الكتب المختصرة القصيرة التي ينبغي أن تبدأ بها، ثم بعد ذلك تنتقل منها إلى ما هو أكبر منها، وهذه هي الربانية في التعليم كما قال الله تعالى: ((وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ))[آل عمران:79] أي علموا الناس صغار العلم قبل كباره.

وأنت بهذا السلوك إن شاء الله ستحصل علماً كثيراً، فاحرص بقدر الاستطاعة على أن تحفظ شيئاً من المتون في العلوم التي تدرسها، فإن هذا هو الذي يبقي من العلم، واجعل ما تقرؤه بعد ذلك من الشروح والمطولات في كل فن بمثابة الحواشي للمتن -وإن كان صغيراً- مما حفظته في ذلك الفن.

هذه أهم الوصايا التي تجعلها بين يديك، وهناك استشارات كثيرة لدينا فيها بيان كيفية طلب العلم الشرعي، وكتب شرعية في جميع علوم الشريعة نحيلك إلى بعضها لتجد فيها فائدة عظيمة.

نسأل الله تعالى أن ييسر لك الدرب وأن يوفقك للإخلاص في النية، ويرزقك حسن الفهم، وييسر لك سبل العلم، ويقدر لك الخير حيث كان.


- كيفية طلب العلم الشرعي 16790 - 260974 - 272866 - 3395
كتب شرعية في جميع علوم الشريعة 251691 - 237140 - 54651

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب غير معروف

    لحقيقة العلماء عندنا صنفوا كتبًا في أدب الطلب ، الطالب إذا أراد أن يقبل على العلم لابد أن يتحلى بآداب ، إن لم يتحلى بهذه الآداب ضاع علمه ، لذلك العلماء عقدوا في كتب المصطلح باب: أدب طالب العلم ، والخطيب البغدادي صنف كتابًا في هذا المعنى خصوصًا وهو منشور في مجلدين وهو كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، وكذلك السمعاني له كتاب وهو أدب الإملاء والاستملاء في أدب طالب العلم وكذلك الخطيب له كتاب الفقيه والمتفقه ذكر فيه شيئًا من هذا ، وبن عبد البر في جامع العلم ذكر جملة من آداب طالب العلم ، وكذلك بن جماعة في تذكرة العالم والمتعلم في أدب السامع والمتكلم ذكر أيضًا في هذا الكتاب مجموعة كبيرة من أدب طلب العلم .
    لكن الحقيقة أفضل خلق في طلب العلم وأنا جربته وهو التواضع في العلم .
    هذا التواضع هو صرة الفضائل ، والحقيقة هذا التواضع في العلم وقعت لي حادثة وأنا طالب في العلم في الجامعة كادت أن تقضي على مستقبلي وأنا تعلمت منها ، وهذه الواقعة بسبب فظاعتها علي في ذلك الوقت تعلمت منها أن أكون متواضعًا في العلم .
    الحكاية وربما أحكيها وربما لا تخلوا من فائدة ، لما دخلت كلية الألسن بدأت أبحث في أقسام الكلية عن قسم مناسب ، فأول قسم ذهبت إليه هو قسم اللغة الإنجليزية على أساس إن أنا في الأخر سأكون مدرس لغة إنجليزية وأعطي دروس وغير ذلك وستكون ظروفي المالية طيبة .
    فلما ذهبت إلى القسم هالني ما رأيت ، الناس حضروا من المعهد البريطاني والجامعة الأمريكية وغير ذلك ، ويتكلمون بالإنجليزي ويضحكون بالإنجليزي وكل حاجة بالإنجليزي وأنا أقف أنظر بدهشة لهذا وهذا ، فقلت لا ، لو بقيت في هذا القسم فأنا سأضيع وأنزل ، أنا أبحث عن قسم أخر وهذا زهدني في قسم اللغة لفرنسية مباشرة ، لأن أيضا سيكونوا قد أتوا من مدارس فرنساوي لكن أنا ذهبت وظللت يومًا واحدَا أيضًا لكن فررت من ذلك القسم .
    بدأت أمر على أقسام الكلية ، المهم قدر الله عز وجل وأنا استقريت في قسم اللغة الأسبانية ، والذي جعلني أن أدخل في قسم اللغة الأسبانية أنها كانت لغة جديدة على كل الطلبة الذين دخلوا القسم ، وكنت في الثانوية العامة بسبب ظروف خاصة لي لم أحصل المجموع الذي أريده ، إخوتي أطباء وأنا كنت أريد أن ألحق بركب إخوتي لكي نعمل مستشفي ، أحلام كانت قديمة المهم لما مجموعي نزل بسبب ظروف معينة ولم أدخل الكلية ، بعض أخوالي رحمة الله عليه قال لي أنت فاشل ولن تنفع ، الكلمة ضايقتني جدًا ، كيف أنا فاشل وأحببت أن أثبت لنفسي إن أنا لست فاشل ، وأثبت لأهلي وخالي أنني لست فاشل ، فبدأت أدخل في القسم واجتهدت والحمد لله في أول سنة حصلت على جيد جدًا وترتيبي في القسم طوال السنوات الأربع لم ينزل عن الثلاثة الأوائل وكان ممكن أن أكون فوق أو تحت أو في الوسط .
    المهم ظللت على هذا المستوى حتى وصلت للسنة الثالثة فالدكتورة رئيسة القسم كانت دائمًا تقول كلمة ، تقول إن أفضل ترجمة أنك تترجم الشعر إلى شعر والنثر إلى نثر ، وأنا أكتب الشعر من قديم ، أكتبه من الصف الأول الإعدادي ، ثم بدأت الملكة عندي تستوي في كتابة الشعر لما وصلت للثانوية العامة وبدأت أدخل الجامعة .
    فأول ما سمعت الحقيقة هذا الكلام سررت جدًا وأحضرت بعض دواوين الشعر وانتقيت قصيدة أو اثنين من دواوين الشعر وترجمت الشعر الأسباني إلى شعر عربي ، وذهبت إلي الدكتورة رئيسة القسم وأريتها النموذج ففرحت جدًا به وبدأت تعرفني معرفة قوية من ذلك الوقت من السنة الثالثة ومرت السنة الثالثة وحصلت على جيد جدًا وفي السنة الرابعة كان عند زهو وغرور إن أنا وصلت إلى القمة وطلع في رأسي أنني أكون عضو في مجمع اللغة الأسباني ، وفعلاً بدأت أعد العدة لكي أكون عضو ، وأنا عارف لكي يكون الإنسان عضو في أي مجمع من مجامع اللغة لابد أن يكون قوى جدًا في اللغة .
    امتلأت زهوًا وغرورًا ، وأنت تعرف أن في ذلك الوقت كان الجامعة لها قيمة ، أما الآن الجامعة والتعليم كله ليس له قيمة ، تطلع فوق مثل تنزل تحت ، لكن زمان كان المعيد فقط في الجامعة يعرفك فهذا يكون شيء كبير ، فضلاً عن أن يكون رئيس القسم أو أستاذ فهذا شيء فخم ، لأن كان هؤلاء في نظرنا شيء كبير جدًا .
    المهم في السنة الرابعة وكانت مادة الترجمة ودخلت اللجنة وبدأت أقرأ القطعة وقاعد ومنفوخ ومتمكن ، وكنت أنتهي من أي امتحان في ربع ساعة وأزعج المراقبين أريد أن اخرج من اللجنة ويقول لا ، لازم نصف الوقت ، المهم أول ما مسكت قطعة الترجمة قرأتها ووجدتها سهلة جدًا لا توجد فيها أي مشكلة ، وبدأت أترجم ، القطعة عنوانها كان التفاؤل والتفاؤل بالأسباني كان أوبتينسموا ، وأنا أقولها بالأسباني لكي أبين لك كيف أنا غلطت ، فبدأت أقرأ القطعة ، لكن أنا قرأت العنوان بالعكس ، قرأته بيسينسموا وهذا معناه التشاؤم وصارت في رأسي أنها التشاؤم ، بدأت أقرأ القطعة وجدت القطعة تقول التشاؤم جميل وحلو وأن الحياة لا تحلوا إلا بالتشاؤم وأن التشاؤم يدفع للأمام ، أستغرب هذا الكلام ، كيف يدفع التشاؤم للأمام ، فهذا يجعلني أو ينبهني أن أرجع لعنوان القطعة مرة ثانية لأرى ما هي القصة ، لا ، لم أرجع لعنوان القصة هي أمامي هكذا بيسينيسموا وانتهت ، لم أرى أل أو التي في الأول ، بدأت أستغرب ثم خطر ببالي حكاية كنا نقولها في المدينة الجامعية لشاب كان في كلية الآداب قسم فلسفة ، فسبحان الله جاءت هذه الحكاية في رأسي لكي تثبت ما قدره الله لي ، تقول هذه الحكاية وكان شاب من الأرياف أيضًا مثلنا وذهب إلى كلية الآداب جامعة عين شمس في قسم فلسفة ، في أول أسبوع لما أخذ الأجازة نزل خميس وجمعة نزل على أبوه في البلد وأراد أن يعرف أبوه أنه يتفلسف والولد جاء من القاهرة وذبحوا له ديك ووضعوه في طبق وهكذا ، فالولد أراد أن يتفلسف فقال لأبوه يا أبي لازم تذبحوا ديكين وطبعًا هو ديك واحد فقط الذي أمامه ، لازم تذبحوا ديكين كان ديك واحد يكفي ، فقال له أبوه سلامة النظر يا بني هذا ديك واحد ، قال له ديكان ، يا بني ديك ، قال له لا ، ديكان ، يا بني ديك اعمل معروف ، قال له لا ، ديكان ، ديكان أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أبوه طبعًا لأنه متعلم الفلسفة في مدرسة الحياة وليس من الكتب ، قال له يا بني حيث أنه ديكان ، سنأكل أنا وأمك هذا الديك وأنت تأكل الديك الثاني وأخذ الديك وتركه ، فنحن كنا نتندر بهذه المسالة ، هو فيلسوف يتعلم الفلسفة ، فقلت أكيد هذه قطعة فلسفية كتبها صاحب مخ ضارب ويقول التشاؤم جميل والتشاؤم حلو وأن الحياة بدون تشاؤم لا تنفع .
    مثل جمعية أصدقاء الضفدعة وهذه جمعية موجودة في أوروبا قائمة كلها على التغزل في جمال الضفدعة ، يا عين الضفدعة ، يا فم الضفدعة ، يا سلام على الضفدعة وهى تجلس القرفصاء وتنظر إليك وأنت من الممكن أن تضحك جدًا لكنهم يأخذونها جد .
    المهم هذه الحكاية لما دخلت إلى رأسي وقلت أنها أكيد قطعة فلسفية ، بدأت أتعامل مع القطعة على أنها قطعة فلسفية ، وترجمت القطعة وأحضرت المحسنات البديعية والمعجم اللغوي العربي الذي عندي بسبب حفظي للشعر والنثر وقراءتي لكتب الأدباء ن كان معجم إلى حد ما واسع بما يناسب سني في ذلك الزمان ، المهم عملت ترجمة ممتازة ، ثلث ساعة وانتهيت من الترجمة ثم أريد أن أخرج من اللجنة قالوا لي لا لابد من نصف الوقت ، وقاعد على ضيق ن هل أنظر في القطعة ؟ ، هل أنظر في العنوان مرة ثانية ؟ أبدًا العملية مغطاة تمامًا .
    ثم لما مر نصف الوقت خرجت من اللجنة ، وأول ما أعطيت الورقة للمراقب وأنا لا زلت على باب اللجنة انكشف عني الغطاء رأيت أل أو ، التي هي في كلمة أوبتينيسموا ، حاولت أن أعود لأنني كنت زهقت المراقب لأني كنت أريد أن أطلع ، فلما أردت أن أعود مرة ثانية وقلت له فيه حاجة بسيطة أعدلها ، قال لا ممنوع ، قلت له أرجوك اعمل معروف أنا لم أخرج خارج اللجنة ولم أغش من أحد أنا أقف أمامك ، قال ممنوع ، لن أعطيك الورقة ، وأنا طبعًا سأسقط من طولي ، أنا في كل عام أحصل على جيد جدًا وفي أخر سنة أحصل على ملحق ترجمة ، وأنا عندي أمال عريضة وأريد أن أكون أستاذ في الجامعة وغير ذلك ، لا أستطيع أن أقدر المحنة الجسيمة التي وقعت لي لما المراقب أبي تمامًا أن أدخل اللجنة وأصحح هذه المسألة .
    قلت الحل الوحيد أن أذهب إلى الدكتورة رئيسة القسم وأحكي لها الموضوع وبالفعل وجدتها في فناء الكلية وتقول لي ماذا عملت ؟ قلت لها والله غلطت غلطة لا يغلطها طالب في السنة الأولي قالت ماذا عملت ؟ قلت لها أنا ترجمت القطعة بالتشاؤم ، وطبعًا أسمعتني كلمتين لا داعي لتذكرهم ، كيف تخطيء هذا الخطأ ، فقلت لها أرجوك أنت تعرفين مستواي في الترجمة وأنا لست ضعيف لكن حصل تسرع ، فاحذفي كلمة التشاؤم وضعي مكانها كلمة التفاؤل وحاسبيني على المسألة ، والحقيقة جزاها الله خيرًا لما جاءت نتيجة أخر السنة فوجدتها أعطتني جيد جدًا في الترجمة ، ويمكن هذا الذي يعتبر نزلني قليلا ، لأنها أعطتني في الغالب أخر سقف الجيد جدًا ، ولم تعطني على المستوى العالي .
    الحقيقة هذه القصة أنا عاهدت نفسي من بعدها أن أكون متواضعًا في العلم وتبين لي بعد دراسة العلوم الشرعية أن التواضع في العلم هو أجل العطايا لو الإنسان تواضع في علمه يجمع من العلم كثير .
    وأنت تعرف أن التواضع معناه الانخفاض الأرض المنخفضة هي التي تستوعب الماء بخلاف الأرض الجبلية التي تكون عالية الماء ينزل من حولها لا تنتفع بها ، إنما تستقر المياه في القيعان وفي الأرض المنخفضة ، وكذلك كل إنسان يتواضع في العلم يحصل علم الآخرين كما حدث لداود بن على إمام أهل الظاهر وكان من تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وكان يحضر في مجلسه أكثر من أربعمائة عمامة كما يقال ، أي أربعمائة عالم .
    مرة واحد ملابسة ممزقة وشكله لا يسر ، دخل مجلس داود بن علي وجلس بجوار داود ولم يجلس مع التلاميذ ، ثم قال: أي سؤال ، فنظر إليه داود بشدة أي سؤال ، من الذي أدخلك هنا وأجلسك بجواري فأراد داود أن يضحك الناس عليه فقال له كلمنا في الحجامة ، ولماذا اختار له الحجامة ؟ لأن الدم نجس ، فأراد أن يقول له يا رخم قل ، تكلم ، فقال له كلمنا في الحجامة ، قال داود فجثي الرجل على ركبتيه وبدأ يذكر كل أحاديث الحجامة بالإسناد ويذكر عللها ويذكر طرقها ومتونها واختلاف ألفاظها ثم جاء بتاريخ الحجامة من أول أدم عليه السلام ، ومن أول من احتجم ، ثم دخل في خلاف الفقهاء في الحجامة هل جائزة أم لا ؟ ، وأجر الحجام جائز أم لا ؟ وهل الحجامة تفطر الصائم أم لا ؟ ، ما ترك شيئًا يتعلق بالحجامة لا من جهة أول من فعلها ، ولا من الجهة ألحديثيه ولا من جهة الألفاظ ، ولا من جهة الفقه ، ولا من جهة غريب اللغة فيها إلا واستوفي هذا الموضوع استيفاءً كاملاً .
    فقال داود بن على فعاهدت نفسي ألا أحتقر أحدًا قط ، لماذا ؟ لأن في الزوايا خبايا ، وأنت لا تعرف ، لا تقيس الناس بما يلبسون ، فلا تحتقر أحد أو تقول إنا أحسن من الناس ، لا ، هذا الكلام غير صحيح ، في الزوايا خبايا
    كيس البلاستيك الذي أضرب المثل به وثمنه عشرة قروش أنت ممكن أن تحمل فيه مائة ألف ، ومائتين ألف ، وثلاثمائة ألف في هذا الكيس ، فإياك أن تغتر بالمظهر الخارجي .
    لذلك أقول لكل من يطلب العلم عليك أن تتواضع في العلم ولا تستعلي على أقرانك ، فإن أحرزت هذه الصفة فكل آداب طالب العلم أو بعضها ممكن أن تحصلها تحصيل حاصل لأنها نازلة تحت معنى التواضع .

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً