الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيير النفس للأحسن يبدأ من داخلها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب أبلغ من العمر 21 سنة، مشكلتي اجتماعية ونفسية موجودة منذ فترة طويلة نسبياً، أهمها سوء التواصل مع الأصدقاء والأهل، فأفشل في تكوين صداقات؛ لأن شخصيتي شخصية فارغة، وابتليت بقلة التفكير والإبداع والغباء، وسبب هذا لي عزلة اخترتها لنفسي، ولاحظت أني قليل الكلام والتعبير، وأجد صعوبة في التحدث عن مجريات الأمور وتذكرها مقارنة مع أقراني، وأيضاً لا أمتلك أي حس مرح وفكاهي، لأزيد من فرح وحب الناس لي، وأفشل معظم الوقت في التعبير عما بداخلي بطريقة صحيحة ومنطقية، أقلد الآخرين، وأشعر دائماً بعجزي.

أعلم أن الكمال لله، ولكن حياتي بهذا الشكل صعبة جداً وأحتاج لأصدقاء أحادثهم وأختلط بالناس، لا أن أعيش وحيداً بمعاناتي، زرت طبيباً نفسياً ولم يخبرني بوضوح سبب المشكلة وتشخيصها، وصرف لي مضادات اكتئاب، وتحسنت حالتي وذاكرتي، لكن شخصيتي لم تتحسن، لا أعرف من أين أبدأ وكيف أخرج من هذه التعاسة.

آسف على الإطالة، وأسأل الله لكم المزيد من التقدم والخير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عماد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإن كل الذين يشتكون من مثل حالتك نعتقد أن مشكلتهم الأساسية في أنهم لا يقدرون ذواتهم بصورة صحيحة، فدائماً يكون التقدير للذات قائماً على معايير سلبية جدّاً، وأن لا يلاحظ الإنسان ما هو إيجابي عن نفسه ولا يقدره، فيترك فراغاً كبيراً داخل النفس، مما يجعل التفكير السلبي والتقييم السالب للنفس يسيطر على الواحد منا، ويصيبه بالإحباط ويشككه في مقدراته، حتى وإن كانت بسيطة، لذا أنصحك تماماً بأن تعيد النظر في مقدراتك وتنظر إلى إيجابياتك، حتى وإن كانت بسيطة، ففي نهاية الأمر تعتبر إنجازات بالنسبة لك.

هنالك مفاهيم خاطئة كثيرة، مثل اعتقادك عن سوء التواصل، واعتقادك بأنك فاشل في تكوين صداقات، وأن شخصيتك فارغة، وأنك قد ابتليت بقلة التفكير والإبداع ووصفت نفسك بالغباء، ويا أخي الكريم: هذه كلمات ليست بالسهلة، هذه مفاهيم خاطئة تماماً، لماذا تُلصق بنفسك هذه الأفكار؟ حرر نفسك منها، وانظر إلى نفسك بصورة أفضل، فالبناء النفسي يتم بهذه الطريقة وتنمية الذات تبدأ من هنا، بأن تصحح مفاهيمك عن نفسك، وبعد ذلك تبدأ في تطوير نفسك.

هنالك مهارات اجتماعية بسيطة يمكن لأي إنسان أن يكتسبها وتكون فاتحة له من أجل التواصل الاجتماعي السهل والمرضي، مثلاً أن تبدأ أنت بالسلام حين تقابل الناس، أن تتبسم في وجه إخوانك، أن تكون مشاركاً في المناسبات الاجتماعية، وهذا أمر مهم جدّاً.

أنا أعرف أحد الشباب كان لديه اعتقادات سلبية خاطئة عن نفسه، استطاع أن يبني نفسه فقط بحضور الجنائز، يذهب إلى المقابر، يصلي على الجنائز ويشارك في الدفن، ومن ثم أصبح يُلاحظ أنه أصبحت تأتيه إشارات الثناء من الآخرين، هذا بنى ثقة كبيرة في نفسه.

أخي الكريم: خذ خطوات إيجابية، بأن تشارك الناس، ولا تراقب نفسك أبداً في طبيعة أدائك، هذه أمور شبه فطرية أو غريزية، لا تحاسب نفسك بأنك غبي وبأنك غير مُبدع وبأنك قليل التفكير، من قال لك هذا؟ هذا الكلام غير صحيح وغير منطقي.

الخطوة الأخرى هي أن تكتب جدولاً يومياً، ويجب أن يشمل هذا الجدول على مهام مختلفة، يجب أن تنفذها، مثلاً تكتب سوف أصلي الصلوات الخمس في المسجد، سوف أزور صديقي فلاناً أو فلاناً، سوف أقرأ كتاب كذا وكذا، سوف أرتاح ما بين الساعة كذا وكذا، سوف أمارس الرياضة... هذه كلها أمور منتجة وأمور مطورة للذات.

عليك باتخاذ القدوة الحسنة، إن كنت ترى نفسك أنك لا تعبر حاول أن تقلد أحد المشايخ أو أحد المذيعين وكرر ذلك، إذن الأمر كله يعتمد على التفكير الإيجابي وتصحيح المفاهيم الخاطئة، واتخاذ الخطوات الحياتية البسيطة التي تطور المهارات، وبعد ذلك من وجهة نظري سوف تحس إن شاء الله برضا كامل عن نفسك.

دور الأدوية دور إيجابي وإن كنا لا نحتم عليه، كثير من الأطباء يميل إلى إعطاء مضادات الاكتئاب التي ترفع من الطاقة النفسية والجسدية لدى الإنسان، وهذه قد تساعد في تهدئة النفس وإشعارها بشيء من السكينة والطمأنينة، فلا مانع أبداً أن تتناول أحد هذه الأدوية مثل العقار الذي يعرف تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine) تناوله يومياً بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي عشرون مليجراماً، استمر عليها لمدة ستة أشهر، بعد ذلك اجعلها كبسولة يوماً بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناوله.

إن شاء الله تعالى باتباعك لما ذكرناه سوف تجد أن الأمور قد تغيرت وتبدلت، ولكن الأمر كله بيدك، فأنت تستطيع أن تغير نفسك، والشخصية لا تتغير ولكنها تتطور، وهذا هو الذي نصحناك به، أي أن تتبع الخطوات السابقة، وهنالك كتب كثيرة لتطوير الذات مثل (الخطوات السبع) كتاب (التعامل مع الذات) للدكتور بشير صالح الرشيدي، وكتيبات أخرى كثيرة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الأردن Ebraheem

    بارك الله في أجابتكم وجزاكم الله خيرا كنت أعاني من أعراض مشابهة شكرًا للإفادة

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً