الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاكتئاب الناجم عن الاغتراب من أجل الدراسة وكيفية تجاوزه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب مبتعث إلى كندا، بدأت مشكلتي منذ اليوم الأول للدراسة؛ حيث أنني لا أجد حافزاً للدراسة، وهمتي ضعيفة جداً، ظننت أن السبب هو ضعفي باللغة الفرنسية - لغة الدراسة هنا - ولكن تعدى ذلك إلى حد أنني شككت بالمعلومات التي درستها ببلدي، وأعتقد أني نسيتها تماماً؛ ما سبب لي حالة غريبة من عدم المسئولية، وعدم انتظام النوم وكثرته، فقد وصلت إلى 18 ساعة، وللأسف فقد تراجعت علاقتي بالناس هنا، وبالكاد أخرج من البيت، وللأسف الأكبر فإن علاقتي برب العالمين انخفضت، مع عدم انتظام صلاتي بموعدها، وتقصيري في صلاة الجمعة والجماعة.

أرجوكم كل الرجاء أن تجدوا لي حلاً جزاكم الله عني كل خير، فأنا أشعر بأنني كئيب وحزين، وأرجو المعذرة من طول الرسالة، ولكني أرجو منكم الإجابة السريعة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إحسان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يعرف جيداً أن الإنسان إذا غير مكانه أو زمانه أو بيئته أو الظروف الاجتماعية التي كان يعيش فيها، قد يحس بمتغيرات نفسية، هذه المتغيرات نسميها بعدم القدرة على التواؤم، أو عدم القدرة على التكيف، وأنت حين انتقلت من بلدك لا شك أن ذلك كان بكامل القبول من جانبك، ولكن بعد أن ذهبت إلى كندا وواجهت بعض الصعوبات التي يمر بها تقريباً جميع الناس، لكن أنت لم تستطع أن تواكب أو تتواءم مع هذا الظرف، ويظهر أن الأعراض التي لديك من اضطراب في النوم، وشعور بالتكاسل، وافتقاد الدافعية، وحتى التقصير في الصلاة، كلها دليل على أنك تمر بنوبة اكتئابية مؤقتة، وهي كما أوضحت لك تأتي من الناحية التشخيصية تحت ما يسمى باضطرابات التواؤم، أو عدم القدرة على التكيف.

هنالك عامل آخر مهم جدّاً، وهو أن انتقال الإنسان من جوٍّ حار أو معتدل إلى منطقة باردة، هذا أيضاً يؤثر عليه كثيراً، وهنالك نوع من الاكتئاب يعرف بالاكتئاب الموسمي، يحدث للذين يعيشون في المناطق الباردة، خاصة إذا كانوا غير متعودين على مثل هذا المناخ.

من الناحية التشخيصية حالتك هي اكتئاب بسيط، وفيما يخص العلاج:

أولاً: أريدك أن تعرف أن هذه الحالة حالة بسيطة، وأن إرادتك وتحسين دافعيتك واستشعارك بأهمية الدراسة، وأنك لست الوحيد الذي تمر بمثل هذه الظروف، بل ربما يكون هنالك من يمر بظروف أصعب من ظروفك، في هذه الحالة هذا يجب أن يعطيك شيئاً من القدرة على التغيير المعرفي، أي أن تتخلص من الفكر السلبي التشاؤمي وتشعر بما نسميه عالمية المشكلة، أي أن الكثير من الناس يشاركونك نفس هذا الوضع وربما تكون معاناتهم أكثر، ولا تأخذ الأمور بشيء من الشخصنة أو الاعتقاد أنك الوحيد الذي مررت بهذا الظرف.

ثانياً: لا شك أن لديك رسالة ويجب أن تثق في مقدراتك، وموضوع اللغة يجب أن لا يكون عائقاً أبداً.

ثالثاً: تنظيم الوقت يعتبر أمراً مهماً جدّاً.

رابعاً: ممارسة الرياضة تعتبر أحد العلاجات الأساسية لمثل هذه الحالة.

خامساً: أن تعرض نفسك للضوء، وهذا قد يكون أمراً مضحكاً، لكنه علاج ضروري وهام؛ لأن الاكتئاب الذي يحدث للإنسان حين ينتقل من منطقة معتدلة المناخ إلى باردة المناخ هي علة معروفة وتعرف بالاكتئاب النفسي الموسمي، وهذه الحالات تعالج بواسطة التعرض للضوء لساعتين أو ثلاثة في اليوم، فأعتقد أن في هذه الأيام الشمس لا تسطع في كندا أو على الأقل تكون محجوبة بالسحب وبرودة الجو، فحاول أن تعرض نفسك لمصدر الضوء داخل الغرفة، هذا علاج مهم ومفيد، والضوء يساعد حقيقة في إفراز مادة هرمونية في الدماغ تسمى بالملوتينين، وضعف إفراز هذه المادة ربما يكون سبباً في الشعور بالإحباط والاكتئاب، وكذلك اضطرابات النوم.

بالنسبة للصلاة لابد أن تستشعر أهميتها، وتعرف أن المحافظة على الصلاة تؤدي إلى خيري الدنيا والآخرة، وأنت محتاج إلى الدعاء، فلا تقصر في صلاتك، ولا تجعل الشيطان يدخل عليك في هذا الأمر، أغلق عليه الأبواب، اعقد نيتك على أن تؤدي صلاتك في وقتها، وكل عمل تود القيام به لابد أن تعقد النية، حتى الدراسة، تنظيم الوقت، هذا كله يتطلب أن ينوي الإنسان القيام بالعمل ومن ثم سوف يجد أن الإرادة قد تحسنت، وأن فكره قد تفتق ويستطيع أن ينجز.

النقطة الأخيرة هي أن تستفيد من الإخوة الذين من حولك، الشباب المسلم والدارسين معك، لا شك أن فيهم من يمكن أن يقتدي به الإنسان ويتخذه نموذجاً، ولا مانع أبداً من أن تسترشد من خبراتهم فيما يخص الدراسة، وكيفية التحصيل، هذا يفيدك كثيراً.

لابد أيضاً أن لا تنظر إلى نفسك اليوم، بل انظر إلى نفسك بعد ثلاث أو أربع سنوات، وأعني بذلك أنك حين تكتسب المهارة والخبرة والشهادة العلمية لا شك أن ذلك سوف يكون محفزاً لك من أجل مستقبل مشرق بإذن الله تعالى.

بقي أن أقول لك أن حالتك هذه تستفيد كثيراً من العلاج الدوائي، ومن أفضل الأدوية التي ننصح بها في حالتك عقار يعرف تجارياً باسم (بروزاك) واسمه العلمي هو (فلوكستين) فأرجو أن تتحصل عليه، وإن صعب عليك الحصول عليه من الصيدلية دون وصفة طبية فلا مانع أن تذهب إلى طبيب الجامعة أو طبيب الأسرة وتذكر له أنك تعاني من حالة اكتئابية وقد نصحناك بتناول هذا الدواء، والجرعة هي أن تأخذ كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي عشرون مليجراماً، أرجو أن تتناولها يومياً لمدة ستة أشهر، وبعد ذلك يمكنك التوقف عن العلاج.

إن شاء الله تعالى باتباعك لهذه الإرشادات وتناول الدواء الذي وصفناه سوف تزول عنك حالة الكدر المؤقتة هذه، ويمكنك الاطلاع على هذه الاستشارات حول العلاج السلوكي للاكتئاب: (237889 - 241190 - 262031 - 265121 ) كيفية المحافظة على الصلاة (18388 - 18500 - 17395 - 24251 - 55265).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونسأل الله لك الشفاء والعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً