الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخاف أن أدخل الجامعة مرة أخرى وأفشل!

السؤال

بارك الله لكم في جهودكم، وتقبل الله منكم صالح أعمالكم في هذا الشهر الكريم.

لقد حصلت في هذا العام على شهادة البكالوريا شعبة علوم الحياة والأرض بدرجة جيدة، لكن للأسف لم أقبل في جل المدارس التي ترشحت للولوج إليها، حتى الجامعة أنا في لائحة الانتظار، لكني سجلت بالتكوين المهني لكني مازلت متردداً، هل أتابع دراستي به أم أتابعها الجامعة.

التكوين المهني في المغرب يتاح مدة عامين من الدراسة، في كل عام يخضع المتدرب لامتحان تقويمي، ويمكن للمتدرب أن يدرس السنة الثالثة (الإجازة المهنية) بدفعه مبلغاً مقابل دراسته، أما في حالة تفوقه فبالمجان، لكن الدراسة بالجامعة تختلف تماماً، فهي تقوم على نظام الوحدات في كل عام يدرس فيها فصلين في آخر كل فصل يجري امتحان تقويمي.

مررت من تجربة في الجامعة ولم أفلح فيها، وخائف أن أعيد نفس الكرة، فكيف أستفيد من صلاة الاستخارة في هذا الأمر؟

أرجو منكم أن تدلوني على الطريق الصحيح.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.

مما لا شك فيه أن دراسة الجامعية تختلف كثيرًا على الدراسة المتوسطة أو التكوين المهني، لأن خريج الجامعة عادة ما يكون صاحب شهادة كبيرة، وبالتالي أيضًا تكون صلاحياته أكبر من الذي يتخرج من ذوي الشهادات المتوسطة أو التكوين المهني، وفوق ذلك أيضًا فإنه يترتب عليه أن يكون صاحب مسئولية أكبر، وصاحب امتيازات اجتماعية أكبر، وذلك أيضًا صاحب امتيازات مادية أكبر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز).

فالذي يكون في صالح الإنسان ينبغي عليه أن يبحث عنه وأن يجد ويجتهد، وكونك قد مررت بتجربة في الجامعة، إذ أنك لم تُفلح فيها وتخاف أن تعيد نفس الكرّة، أقول: لماذا تخاف؟ حاول بارك الله فيك أن تنظر في الأسباب التي أدت إلى عدم توفيقك في المرة الأولى، وحاول القضاء عليها، واجتهد في تطوير أدائك واستغلال وقتك بطريقة حسنة، - وبإذن الله تعالى - سوف يكتب الله لك نصيبًا في دخول الجامعة، لأن الله تبارك وتعالى أخبرنا سبحانه أنه لا يضيع عمل عامل، فأي إنسان يأخذ بالأسباب ويدع النتائج على الله تعالى فإن الله يكرمه ويوفقه حتى وإن كان غير مسلم، وأنت الآن ولله الحمد والمنة رجل مسلم تحب الله ورسوله، فيقينًا سيكون الله معك، والله جل جلاله لا يضيع أهله، ولكن الذي أنصح به بارك الله فيك: أن تنظر في الثغرات أو في نطاق الضعف التي كانت لديك في السنة الماضية، وأن تحاول التغلب عليها هذا العام.

اجلس مع نفسك وقل: (لماذا أخفقتُ؟ لماذا لم أوفق في العام الماضي) ستجد أمامك عدة أسباب، إذا كانت هذه الأسباب من الممكن القضاء عليها وتحويل هذا العام إلى عام نجاح وتفوق وتميز بالنسبة لك، فأرى أن تستعن بالله تعالى وأن تتوكل على الله، وأن تعيد الكرّة مرة أخرى بإذن الله تعالى، أما إذا كانت هذه المعوقات من الصعب التغلب عليها لأمر خاصٍ يخصك أنت نفسيًا كقدرتك على الاستيعاب أو الذكاء أو غير ذلك، أو عدم وجود الوقت المناسب للدراسة بالنسبة لك شخصيًا، أو عدم وجود القدرة المادية التي بها تستطيع أن تواصل رحلة الدراسة، فأقول في تلك الحال عليك بالالتحاق بالتكوين المهني، ولعلك تستطيع أيضًا أن توفق فيه لتتعلم بالمجان ولتكون أمامك فرصة في المستقبل أن تلتحق بالجامعة.

فإذن هذا الأمر متوقف على معرفتك بقدراتك وإمكاناتك التي أكرمك الله بها، واستعدادك أيضًا، ومعرفتك بمستوى الدراسة كذلك.

أنت تقول: كيف تستفيد من صلاة الاستخارة؟
في الواقع لا توجد هناك فائدة ملموسة أو محسوسة، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة أن المطلوب من المسلم إذا أراد أن يستخير الله تعالى أن يصلي ركعتين من غير الفريضة، أي سنة من السنن، ثم بعد ذلك يسأل الله تبارك وتعالى بالدعاء الذي تعرفه، ثم بعد انتهاء صلاة الاستخارة والتي فيها دعاء الاستخارة يتوكل على الله وينطلق لحاجته التي استخار الله عليها، ولكنه لا يلزم أن يرى الإنسان علامة معينة، أو حتى مسألة الراحة النفسية والقلبية هذه أيضًا مسألة ظنية قد تتحقق وقد لا تتحقق فلا يُعوّل عليها.

كذلك أيضًا مسألة التفاؤل بأنك بعد أن صليت صلاة الاستخارة قابلت رجلاً اسمه مثلاً سعيد أو صالح فقلتَ إن شاء الله سوف أكون موفقًا لمجرد هذا الاسم، نقول هذه مسائل كلها ظنية ولكن الذي كلفنا الله تبارك وتعالى به أنه كلفنا بما نطيق، ولم يكلفنا ما لا طاقة لنا به كما لا يخفى عليك.

فالواجب كما ذكرتُ أن تنظر في حالك، إن وجدت أنه من الممكن التغلب على هذه المشكلات فأرى أن تواصل رحلتك في الدراسة الجامعية، وأن تجتهد في المحاولة مرة أخرى وتعيد الكرّة مرة ثانية، عسى الله تبارك وتعالى أن يكتب لك التوفيق والسداد.

أما كما ذكرت إذا كانت المعوقات يتعذر القضاء عليها والتغلب عليها، فأرى أن ترضى بما قسم الله تبارك وتعالى لك، وثق وتأكد من أنك ستكون أغنى الناس كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس).

فأنا أرى بارك الله فيك دراسة العوامل التي أدت إلى الإخفاق في العام الماضي، ثم النظر فيها، وهل هذه يمكن التغلب عليها أم لا، فإذا كان من الممكن فأرى أن تسجل في الدراسة الجامعية، وأن تستعين بالله وسيجعل الله لك مخرجًا، وسييسر لك أمرك.

أما إذا كانت المعوقات هي هي ولم تتغير والحياة تزداد صعوبة ومشقة وضيق عليك في بيتك، فأرى أن تكتفي بالدراسة المتوسطة، ثم بعد ذلك لك أن تُكمل فيها الجامعة، شريطة أن تكون لك الأموال اللازمة لعملية القيد والتسجيل وغير ذلك.

أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يجعل لك من كل خير نصيب، وأن يعيننا وإياك على طاعته ورضاه.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً