الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أستطيع البر بأسرتي رغم أنهم يحتقرونني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكركم على المجهود الطيب الذي تبذلونه في حل مشاكل شباب المسلمين، وربي يجعله في ميزان حسناتكم يوم أن نلقاه آمين.

أرجو أن يسمع مشكلتي الشيخ موافي عزب، ويجيب عنها إذا تفضل.

أنا فتاة ملتزمة بحجابي الشرعي، حصلت على كلية دار العلوم التي فتحت لي أبواب العلوم أمامي، وتخرجت منها ولم أرد تكملة الدراسة فيها لأمور خاصة، بدأت أبحث على معاهد دينية لأخذ العلوم الشرعية مع حفظ القرءان، وبالفعل التحقت بأحدهم، ولكن المشكلة هي أن أسرتي في عالم، وأنا في عالم آخر أي أنهم غايتهم بعد تخرج البنت أن تعتمد على نفسها بأن تعمل زعما منهم أن هذا سلاح لها كما أنهم يريدون أن أعمل في البيت.

وأنا ليس عندي مشكلة في العمل بالبيت، ولكن أرى منهم أنهم يستهزئون من أي شيء أعمله في البيت، وينظرون فيه، ويقيمونه وكأني خادمة لديهم، يسخرون مني، وينظرون إلى نظرة دونية كأنهم يقولون أنت التي اخترت العمل بالنزول إلى العمل بالخارج استحملي كل قبيح كما ينظرون لي على أنني أسعى إلى المال، وأنا والله عكس ذلك أنا لا أحب المال أصلا، وأنا أعتبره وسيلة، وليست غاية كما أنهم يعتبروني مجالا للضحك في المجالس، وبين الأهل، فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يسترك في الدنيا والآخرة، وأن يمنّ عليك بزوج صالح طيب مبارك ينتشلك من هذا الواقع، ويطير بك عبر الحياة الآمنة المطمئنة والسعادة الدائمة في الدنيا ورضوان الله في الآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك أختي -الكريمة الفاضلة-:

أولاً احمدي الله تعالى على ما أكرمك به من الالتزام بالحجاب الشرعي، فهذه نعمة عظيمة، ثم احمدي الله تبارك وتعالى على ما أكرمك به أيضًا من إنهاء الدراسة على خير من كلية العلوم، فهذه نعمة أخرى، ثم احمدي الله -تبارك وتعالى- أن يسر لك الحصول على بعض المؤسسات الدينية التي تعلم العلوم الشرعية، وأنك بدأت في حفظ القرآن الكريم، فهذه نعم عظيمة، أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينك على إتمامها وأن يعينك على الاستفادة منها.

أما فيما يتعلق بتصرفات الأسرة، فمما يدمي القلب ويدمع العين أن الناس ينظرون إلى العمل الطبيعي على أنه عمل دوني، وعلى أنه عمل حقير، وأن عمل المرأة في بيتها عمل فيه نقيصة وفيه إهانة، في حين أنها لو خرجت لتعمل في أي عمل خارج البيت يمدحونها ويثنون عليها ويعتبرونها أنها مجاهدة وأنها فارسة في الميدان، إلى غير ذلك من الكلام المعسول الذي لا يمت إلى الواقع بصلة، فالأصل والأساس أن المرأة المسلمة حتى وإن تعلمت شيئًا من علوم الدنيا فإنها تتعلم لتنفع أبناءها وبيتها ولتطور من سلوكها، ولا يلزم أن تعمل خارج بيتها أصلاً إلا إذا كانت في حاجة ضرورية لهذا العمل، لأن عمل المرأة خارج البيت له ضوابط في غاية الشدة حقيقة؛ لأن الإسلام جعل المرأة ملكة في بيتها، ولذلك قال لها مولانا: {وقرن في بيوتكنَّ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} فعمل المرأة المسلمة إنما هو في داخل مؤسسة الأسرة التي تقوم على تربية أجيال المستقبل التي تستطيع أن تحمل راية الإسلام إلى العالم في الشرق أو في الغرب.

أما الواقع الآن مع الأسف الشديد فقد تأثر بنظام العلمانية، ونظام الإلحاد والأنظمة الشرقية والغربية التي إذا لم تعمل فيها المرأة لن تجد أحدًا يقدم لها لقمة خبز، أو أن يقدم لها حبة دواء أو أن يحتويها في بيت، فالمرأة في الغرب مضطرة للعمل لأنها إن لم تعمل ماتت جوعًا وماتت عُريًا وماتت مرضًا، أما نحن في عالم الإسلام الله -تبارك وتعالى- جعل المرأة سيدة مكرمة معززة ملِكة في بيتها، وألزم وليِّ أمرها كأب أو أخٍ بالإنفاق عليها ما دامت محتاجة، فإذا ما تزوجت ألزم زوجها بالإنفاق عليها أيضًا، فالإسلام يوفر كفالة كاملة ودائمة ومتصلة وراقية للمرأة المسلمة في ظل الأسرة المسلمة السعيدة.

أما نظرة أهلك مع الأسف هي نظرة عادية، نظرة عامة، وهذا مع الأسف الشديد ليس سلوك أمك وحدها، وإنما هو سلوك السواد الأعظم من العاميات من المسلمات، ترى أن مستقبل البنت أفضل من عملها في البيت، وأنها عندما تخرج صباحًا كالرجال وتذهب إلى العمل من أول النهار ولا تعود إلا قريب المغرب مهدودة مجهدة متعبة، ترى أن هذه هي البنّاءة وهي التي تُعطي وهي المضحية، في حين أن هذا على خلاف الفطرة، فأقول: إن نظرة أهلك هي نظرة عادية منتشرة في مصر، وفي غيرها من بلاد العالم العربي الذي تم تغيير معتقداته وتم تغيير أفكاره من خلال هذا الإعلام الفاسد الذي يدمر القيم والأخلاق تدميرًا بلا هوادة وبوسائل مختلفة.

فكم أتمنى أن تلتمسي العذر لهذه الأسرة؛ لأنها جاهلة بحقيقة الجانب الاجتماعي في الإسلام، وأنا واثق أنهم لو عرفوا الحق لما كان هذا موقفهم، ولكن نعذرهم على أنهم لا يعرفون الجانب الاجتماعي في الإسلام، ولذلك يتصرفون تصرفات العوام جدًّا، بل تصرفات غير المسلمين؛ لأن الاهتمام بالعمل خارج البيت حقيقة ما جاءنا إلا مع هذا الغزو الاستعماري الذي أصاب بلاد العالم العربي والإسلامي.

فأنا أقول: نلتمس لهم العذر، وعليك أن تواصلي خدمة هؤلاء ما دمت تخدمينهم ابتغاء مرضاة الله؛ لأنه ولا بد أن يكون كذلك أختي المتسائلة، اجعلي نيتك أن تخدمي الوالد والوالدة والإخوة والأخوات ابتغاء مرضاة الله تعالى، وليكن شعارك: {لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا} وثقي وتأكدي إذا صدقت نيتك فسوف يعينك الله تعالى على تحسين أدائك وعلى تطوير مستواك، وسوف يدفع الله عنك هذه النظرة الدونية، وسوف يجعل هؤلاء الذين ينكرون عليك الآن يقبلون رأسك ويشعرون بأنك أفضل منهم لأنك تخدمينهم في حين أنهم يخدمون غيرهم.

فعليك بارك الله فيك بالصبر الجميل، وأرجو أن لا تقفي طويلاً أمام هذا، وأسأل الله أن يزيدك توفيقًا، وأن يمنّ عليك بزوج صالح يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً