الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عمل المرأة المخلتط، مع عدم وجود حاجة ملحة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعمل في مكتب يضم أربع موظفات وثلاثة رجال، ويحدث بيننا حديث عادي، قد يتخلله أحيانًا بعض المزاح، أو مشاركة في طلب الطعام، أشعر بالذنب بسبب ذلك، رغم أنني أقول لنفسي: إن هذا العمل رزق من الله، ولا ينبغي أن أكرهه.

لباسي واسع، لكن لا يمكنني القول إنني ملتزمة بالحجاب الشرعي الكامل، وأشعر بضيق شديد من خروجي اليومي، خصوصًا عند استقلالي المواصلات وسط الرجال، حيث أكون أحيانًا الفتاة الوحيدة في السيارة.

أخشى أن أُضيّع عمري في معصية، ولا أعلم إن متُّ في الطريق، هل أُعدّ شهيدة أم مذنبة؟ علمًا أنني لا أعمل لحاجة مادية، لكنني لا أحتمل البقاء في المنزل لفترات طويلة، وأحب عملي، وأتعلم منه الكثير.

أنا مترددة كثيرًا في اتخاذ قرار ترك العمل؛ خوفًا من تأخر الزواج، فأقضي بقية سنوات عمري بلا عمل ولا زواج، وهذا أمر صعب جدًا عليّ.

كما أنني أعمل من المنزل في تحفيظ القرآن للأجانب، وهو عمل يُدر عليَّ دخلًا جيدًا، بل يفوق دخلي من الوظيفة، لكنني أتعب كثيرًا في تدريس الأطفال.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حنين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يقدر لكِ الخير، ويرزقكِ الزوج الصالح الذي تقرُّ به عينك، وتسكن إليه نفسك.

وقد أحسنتِ حين انشغلتِ وشغلت نفسك بتحفيظ القرآن الكريم، فهو عمل جليل له فوائد دينية ودنيوية كما تلاحظين، ونوصيكِ بالإخلاص في العمل لله تعالى، ولا ينافي الإخلاص أن تأخذي أجرًا على تعليم القرآن الكريم، فقد أجاز علماء كثيرون أخذ الأجر على تعليم القرآن، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال عنه: "إِنَّهُ أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا" [رواه البخاري] وتذكُّرك بالنتائج الجميلة التي تترتَّب على قيامك بهذا العمل؛ وهو سيخفف عنكِ ما تجدينه من إرهاق أو تعب مع الأطفال، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ" [رواه البخاري]، فتعليم القرآن من أجلِّ العبادات التي ينبغي للإنسان أن يتقرَّب بها إلى الله تعالى.

وأمَّا ما ذكرتِ في شأن عملك في الوظيفة: فالأصل أن عمل المرأة مباح إذا كان منضبطًا بالضوابط الشرعية، لكن ما ذكرته أنت في كلامك ووصفك لهذا العمل، بأنك تختلطين في غرفة واحدة مع رجال أجانب، ويحصل بينكم مزاح ونحو ذلك، فهذا الاختلاط فيما يظهر لنا أنه غير منضبط بالضوابط الشرعية، فإن الله تعالى أمر النساء بعدم الخضوع في القول، وإن كان الكلام موجهًا إلى أمهات المؤمنين، وهنَّ أطهر هذه الأُمّة، فغيرهنَّ أولى، قال لهنَّ سبحانه وتعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32].

وكثير من فقهاء المسلمين يرون حرمة أن تبدأ المرأة رجلًا أجنبيًا بالسلام، وهو سلام؛ وذلك لأنه يُطمع فيها الأجانب، والشريعة الإسلامية شريعة واقعية، شرعها الذي يعرف ويعلم حال هذا الإنسان، ويعلم ما تنطوي عليه نفسُه، فهو سبحانه العليم الخبير، وقد نهى عن أشياء كثيرة بين الرجل والمرأة الأجنبية، والمقصود من ذلك سد الأبواب أمام الشيطان، حتى لا يجرَّ الإنسان المسلم -رجلًا أو امرأة- إلى الوقوع فيما لا تُحمد عاقبته، ولذلك حرمت الشريعة خلوة المرأة بالرجل الأجنبي، وحرمت عليها كشف شيء من حجابها أمام الرجل الأجنبي، وحرمت عليها مصافحة الرجل الأجنبي، وهذا كله سدًّا لأبواب الشر والفساد والوقوع في المحرمات.

فما دام العمل لا ينضبط بهذه الضوابط، وتقعين فيه في بعض المحرّمات، فنصيحتنا لك أن تتقي ربَّك، وأن تعلمي أنه -سبحانه وتعالى- لا يضيع أجر من اتقاه، فقد قال جل شأنه: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * ويُرزقه من حيث لا يَحْتَسِب} [الطلاق:2-3] وسيجعل الله تعالى لك عوضًا وبدلًا، فـ "من ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه"، "إِنَّكِ لَنْ تَدَعِ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَعْطَاكِ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ"، فاحرصي على حماية نفسك، واجتهدي في الالتزام بحدود الله تعالى، فذلك سعادتكِ في دنياك وفي آخرتك.

نسأل الله تعالى أن يوفقكِ لكل خير، وأن يُقدِّر لكِ الخير حيث كان ويرضيكِ به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً