الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما الحل للتخلص من خجلي وغبائي في التصرف والتعامل مع الناس؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا، وأسأل الله أن يوفقكم ويعينكم ويجعلكم سبباً لبث الطمأنينة في نفسي ونفس كل من لديه مشكلة.

مشكلتي هي مزيج من الخجل وعدم الثقة بالنفس أثناء التعامل مع الآخرين، وأيضا أشعر بغرابة في تصرفاتي مع الآخرين وأندم عليها بعد ذلك، وأظل محرجة من التصرف فترة طويلة، والشعور بهذا الحرج يؤلمني ويعكر صفائي، وأشعر كأنني طفلة، وعندما أرى من حولي عاديون وتلقائيين أشعر بضيق شديد من نفسي وأمقت شخصيتي، لم أكن أشعر بالمشكلة من قبل، لكنها كانت موجودة.

مثلا في حلقة القرآن أظل صامتة طوال الوقت فقط أعبر بابتسامة، حتى إن كنت أعرف إجابة سؤال ما أقولها بصوت خافت، وأصلا صوتي خافت، وكل الناس عندما أحدثهم يعلقون على صوتي الهادئ وأنهم لا يسمعونني.

في البداية كنت أظن أن هذا ليس عيبا، وبعد ذلك شعرت أنهم متضايقون من صوتي ولا يحبون الحديث معي، ومرارا حاولت التواصل مع محفظة القرآن وأن أتكلم معها، لكني فشلت، وأتردد في كل خطوة وكل كلمة، وأخاف بشدة من الإحراج، مع أنني كثيرا أقول لنفسي إن هذا ليس محرجا.

بالأمس حدث لي في حلقة القرآن موقفا جعلني أبكى كثيرا، لأني فشلت في كل محاولاتي لتعديل شخصيتي للأفضل والتخلص من الانتقادات، وصديقتي حاولت أن تساعدني في التخلص من هذه المشكلة، وجعلت تخلق فرصا للحديث مع المعلمة بعد الحلقة لكي أتخلص من صمتي وخجلي.

وكنت قد خرجت من الباب وظللت واقفة بالخارج أسمعهم وأنا أصارع نفسي أن أدخل وأشارك معهم ولو بالاستماع، وفى النهاية انصرفت وتركت صديقتي، وبالطبع هي لم تصدق ما فعلته وأنا أيضا لم أصدق، وأصبحت محرجة منها جدا ومن المعلمة، لأنها كانت تعلم أني واقفة بالخارج وانصرفت، ولا أعلم هل فهمت ما أنا فيه أم لا؟

أنا لا أعلم كيف سأذهب المرة القادمة من إحراجي؟ فكرت في عدم الذهاب في المرة القادمة، وأنا الآن في غاية الحزن والكآبة، وأدعو الله أن يشفيني ويصلح عيبي.

معذرة على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الفتاة الحائرة الحزينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

شكرا لك على سؤالك، ولم تطيلي فيه، حيث عرضت جوانب هامة من الموضوع.

من الأرجح أن ما وصفت يقع تحت عنوان الرهاب الاجتماعي، أو القلق الاجتماعي، وهو من أكثر أنواع القلق انتشارا بين الناس، وإن كان الكثير منهم لا يتحدثون عنه، بسبب الوصمة الاجتماعية أم ما يسمى الخجل الاجتماعي.

ومن أهم أعراض هذا القلق الاجتماعي اضطراب الشخص وانزعاجه وقلقه من محاولة الحديث مع الناس، أو أمامهم، والارتباك الشديد إذا اضطر الواحد منهم للحديث مع الآخرين، وشعوره بأن هذا أمر صعب جدا، وبأنه سيفضل في هذه المحاولات، وبأن الناس سيسخرون منه ومن صعوباته هذه.

ويبدو لي مما قرأت في سؤالك أنك دائمة المحاولة، وحقيقة يبدو أنك تبذلين جهدا غير قليل مع هذه المحاولات.

أولا: اسمحي لي أن أقول لك ومطمئنا لك بأنك لاشك ستتجاوزين كل هذا، وستحصلين على ما تريدين أن تصبحي.

والسؤال: ليس فيما إذا كان هذا سيحصل أم لا، وإنما متى سيحصل؟ وخاصة أنك في العشرين من عمرك، مما يضاعف عندك فرصة النمو وتجاوز هذه المشكلة أو الصعوبة.

وثانيا، أريد أن أطلب منك أن تتوقفي عن هذه المحاولات الجادة جدا في تعديل شخصيتك، ولعلك تستغربين من كلامي هذا وتسألين، وكيف هذا وأنا أريد أن أتخلص من هذه المشكلة؟

إننا أحيانا عندما نحاول أن نحصل على شيء، فإننا نجد هذا الشيء يبتعد عنا مسافات ومسافات، وكما يحصل مثلا أن نريد أن نذكر شيئا، كاسم شخص نعرفه مثلا، ونجد أننا كلما بذلنا جهدا لا نتذكر اسمه، كلما أحسسنا بابتعاد هذا الاسم عنا، وبعد أن نعجز ونترك الأمر، ولو بعد دقائق، فجأة نجد الاسم قد أتى تلقائيا لذاكرتنا.

أريد منك أن تحاولي عدم التفكير كثيرا في هذه "المشكلة"، وتحاولي نسيانها، وكأن الأمور طبيعية، متذكرة طبعا كثرة انتشار هذا القلق أو الرهاب الاجتماعي، والناس قد لا يلاحظون، أو يفكرون في أن هذه مشكلة، وربما ينسبونها إلى أنك ذات شخصية لطيفة وهادئة.

والذي أتوقع حدوثه أنك وبعد مدة قليلة ستلاحظين أنك بدأت تسترخين، ورويدا رويدا سينطلق لسانك بالكلام والسؤال والجواب مع المعلمة والمدربة وبقية الناس، وستلاحظين ارتفاع درجة ثقتك بنفسك، وكأن شيئا لم يكن.

وإذا أردت بعض المهارات التي يمكن أن تساعدك على انطلاق لسانك أن تحاولي وأنت بمفرد في غرفتك أن تتحدثي مع نفسك، بصوت مرتفع بما تشائين قوله، وستجدين أن ثقتك بكلامك أصبحت أفضل وأفضل، ولكن احذري بأن لا يسمعك الأهل أنك تحدثين نفسك، كي لا تذهب بهم الظنون في مكان آخر!

وأنبهك أيضا إلى أنك بعد أن تبدئي بالكلام مع المعلمة والمدربة والأصدقاء، أحذرك من أمر قد يحصل وهو أنك قد لا تعودي "تسكتين" عن الكلام، وكل الكلام الذي فاتك في الماضي ستعوضينه في فترة قصيرة.

وفقك الله، وأطلق لسانك بكل خير، وإن شاء الله نسمع أخبارك الطيبة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • قطر lolo

    جميل جداجزيتم خيرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً