الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استدان أهلي من زوجي نقودًا ولم يستطيعوا الأداء!

السؤال

السلام عليكم.

أرجو النصيحة، أنا واقعة في مشكلة بين أهلي وزوجي، وسبب الاختلاف أن أهلي اقترضوا من زوجي مبلغاً منذ 4 سنوات، وللآن لم يدفعوا الكثير، وحالياً أهلي وعدوني أنهم سيسددون لزوجي المبلغ شهرياً، ولكن دفعوا شهراً واحداً فقط، أما باقي المبلغ فلم يدفعوه.

ما العمل؟ تعبت وأنا أحاول ألا تكون بينهم مشاكل، أهلي وضعهم المادي صعب، وزوجي صبر عليهم، ثم قال: يدفعوا شهرياً مبلغاً بسيطاً.

حاولت أن أوفق بين الطرفين، ولكن أخاف أن تكون هناك مشكلة، وأكون أنا في الوسط، حاولت أن أذكر زوجي بأن يصبر وله الأجر، ولكن قال لي: صبرت لـ 4 سنوات أو 5، ولم يقتنع بكلامي، حاولت مراراً.

علماً أن أهلي ينوون الدفع، لكن وعدوني مرات ومرات، ولم ينفذوا، ما العمل؟

أرجو النصيحة، جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم علي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل أمرك، وأن يغفر ذنبنا وذنبك، وأن يعين الجميع على التوفيق والسداد.

وذكري هذا الزوج بقول الله تعالى:{ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }، فإن الله سبحانه وتعالى يجازي الإنسان الذي يداين الناس، ويعطيهم لقضاء حاجتهم أجراً عظيماً، ويكتب بذلك الأجر، وذلك الفضل عندما يصبر الإنسان على صاحب الدين حتى يؤديه خاصة إذا كان يمر بظروف مالية قاهرة، فإن الصبر عليه والإحسان إليه، والانتظار منه والاحتمال هذا من المكارم التي دعت إليها الشريعة، والمكارم التي دعا إليها هذا الدين الذي شرفنا الله تعالى به.

وأرجو أن يفهم هذا الزوج أن العلاقة بينه وبين أهلك أكبر من الدرهم والدينار، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعين الجميع على الخير، وإذا كان الإنسان بحاجة فإنه ينبغي أن يصبر عليها ونعاونه ونشجعه حتى يؤدي ما عليه، وعليك أيضاً أن تشكري لهذا الزوج، وأن تعرفي له فضله، وأن تبيني له أن هذه الأمور والأموال سوف تأتيه إن شاء الله تعالى طال الزمان أو قصر، لكن ظروف الأهل هي التي حالت بينهم وبين أن يسددوا له هذا الواجب، وأن يقابلوا الإحسان هذا بإحسان مماثل، وبوفاء مماثل، ونسأل الله تعالى أن يلهمكم السداد والصواب.

وعلى أهلك أن يلجؤوا إلى الله تعالى بالدعاء، ويتعوذوا بالله من غلبة الدين وقهر الرجال، كما ورد في حديث رسولنا عليه صلاة الله وسلامه، وأنت من جانبك أيضاً إذا تمكنت من مساعدتهم أو الوقوف معهم أو تقديم شيء لهم، فأرجو أن لا تترددي في هذا الأمر، وحاولي دائماً أن تشعريه أنك معه، وأنك حريصة على أن تدفع له هذه الأموال، حتى لا يفهم أنك تتآمرين عليه.

وأعتقد أن الأمور إن شاء الله سوف تصل إلى حلول طيبة، فعليكم باللجوء إلى الله تبارك وتعالى والتوجه إليه، وإذا كان أهلك وعدوا، ولكنهم لا يستطيعون وأنت أعرف الناس بأهلك وبظروفهم، فإن الإنسان في مثل هذه الأحوال لا يلام طالما كان هو يحاول أن يسدد الأموال، لكنه يعجز، وأيضاً ساعدي أهلك حتى لو استطاعوا أن يبيعوا بعض الأشياء من أجل قضاء بعض الديون، أو على الأقل من أجل إثبات حسن النية، لأنه يخشى أن الأمر الآن فيه انعدام الثقة؛ لأن الذي صبر خمس سنوات يستطيع أن يصبر سنوات أخرى أيضاً، ولكن يبدو أن الثقة قد انقطعت، ولكي تعيدوا هذه الثقة لابد أن يثبتوا الجدية، ويثبتوا المصداقية فيما يستطيعوا أن يقدموه.

وعلى زوجك أيضاً أن يتساهل معهم، وأن يقبل منهم القليل والكثير الذي يأتي تقديراً للظروف التي يمرون بها، وإذا كان زوجك في وضع مادي طيب، فإننا ندعوه أيضاً إلى أن يتذكر ما بينهما من العلاقة، ولا تنسوا الفضل بينكم، وأما إذا كانت ظروف الزوج صعبة، فعليك أن تشجعي أهلك على أن يجتهدوا في تقديم ما يستطيعون بصدق؛ حتى يخرج زوجك أيضاً من أزمته، فإن الإنسان لا يستطيع أن يحتمل تأخير الدين إذا كان هو بحاجة للدرهم والدينار.

وهذه الأمور أنت أعرف الناس بها، وأنت خير من يواجه هذه الأزمة وأشعري زوجك أنك معه، وأنك حريصة على أن ترد له هذه الأموال، وأنه صاحب فضل، وأنه ينبغي أن يجازى بالإحسان، وقولي له وأخبريه أيضا بصدق عن ظروف الأهل بعد أن تشكريه، وتبيني أن هذا واجب عليهم.

وبالنسبة لأهلك أيضا ينبغي أن تنقلي لهم المشاعر النبيلة كأن تقولي اعذرونا فهو الآن في أزمة يحتاج إلى الأموال، ويحتاج إلى هذه الأشياء حتى لا يشعروا أنه أيضا يبخل عليهم، وأنه يشتد عليهم ويقسو عليهم من نحو ذلك الكلام، وأنت طبعاً مطالبة بطاعة زوجك فهو أولى الناس بك، ومطالبة أيضاً أن تحسني إلى أهلك، وتترفقي بهم، وتحملي منهم، نسأل الله أن يعينك على الخير، ونوصيك بكثرة اللجوء إلى الله تبارك وتعالى والتوجه إليه سبحانه وتعالى، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يستخدم الجميع في طاعته.

ووصيتنا للجميع بتقوى الله فإنها مفتاح الخيرات، والاستقامة على شرعه، فإن الاستقامة تفتح أبواب الرزق والخير، وكذلك أيضا نوصي الجميع بالدعاء وباللجوء إلى الله تعالى، ونوصي الجميع كذلك بكثرة الاستغفار فإن الله قال: { استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدراراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}.

نوصي الجميع كذلك بالإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وبالإكثار من ذكر الله كما مضى وخاصة لا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمكم السداد وأن يخرجكم من هذه الأزمة، ونسأل الله أن يسهل الأمور إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً