الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أكون علاقات اجتماعية ناجحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتقدم بجزيل الثناء لمن قام على تأسيس هذا الموقع العظيم، وكذلك الدكاترة جزاهم الله خيرًا المسؤولون عن الإجابة عن هذه الأسئلة.

كنت أبحث عن قضايا مبعثرة في الإنترنت، وكل ما وجدت قضية متعلقة بي عثرت على عنوان هذا الموقع، فرغبت أن أشارك فيه بطرح سؤالي.

أنا طالب في كلية الطب البشري، عمري 22 سنة، أعاني من وسواس قهري، وأنا اجتماعي ولكن بالمجاملة فقط، لا أعرف كيف أتعايش اجتماعيًا مع الغير لفترة من الزمن وحتى مع أقاربي؛ إذ أني كنت أعيش في بلد عربي غير البلد الذي أنا منه، وقد عودنا أهلنا ألا نختلط بكل الناس، ولكن الظروف شاءت أن أعود إلى الوطن، رسمي أحيانًا، لا أعرف حتى كيف أكون صداقة صحيحة بدون عثرات وبدون أن يتكلم عليّ أحد، لا أعرف كيف أكون اجتماعيًا؟

وأنا مطمئن القلب بأن ما أقوم به صحيح، عندما دخلت الكلية في البداية كنت أسلم على هذا وذاك، بعد فترة رأيت بأن هذا يتكلم عني، وهذا بدأ يصافحني ويسأل عني، وفلان يريد أن يسألني أسئلة عدة ويريد أن يأتيني المنزل، وأمور عدة اجتماعية لم أمر بها مسبقًا.

بعد فشلي في السنة الأولى قررت أن أتحدى، وأن أرى ماذا يعني صداقات، كونت صداقات، ولكني فوجئت بأن فكري تبدل، وأني تغيرت عما كنت عليه في المدرسة من تميز وتفوق ومكانة لدى المدرسين، وأصبح في الفترة الأخيرة تركيزي ضئيلاً جدًّا، وأنا حاليًا في أغلب الأحوال غريب الأطوار، وقد وصفني أحد المدرسين عندما كنت أسأله دائمًا: كيف أجيب في الامتحان؟ بالمتعب.

فقدت الثقة في نفسي فترة من الوقت، كل يوم أعاني من القلق هذا، وأحس أن ذاكرتي بدأت تتلاشى، شعري منذ أن فشلت أول سنة بدأ بالتساقط، أهلي حزينون على حالي، أحد أقاربي نصحني أن أترك الطب، ولكني مررت بتجارب صعبة في الطب من الفشل، وما أكثر ما حلمت به ولا أريد أن أتركه؛ لأني إذا تركته سأصبح مجهولاً، ولن أقوى على العيش في هذه الدنيا، أنا الآن في الكلية وأرى أنه ليس لدي مكانة اجتماعية، عندما نقلت بعد نجاحي في الفشل الأول إلى وطني واجهت نفس المشكلة مع أبناء وطني, ولم أرتح بتاتًا أكثر من السابق.

في إحدى المرات تمشيت في الكلية حتى ضربت رأسي بعمود من الكهرباء، أحس أحيانًا أنني لست أنا، لا أعرف السيطرة على النفس أحيانًا، تتواجد فيّ صفات لا تتواجد في غيري.

عندما أسلم على هذا وذاك وأسأله ويجيبني أحس أنه أخذ الصفات الجيدة التي لدي, وأصبح مستحوذًا عليها، وفعلاً باليوم التالي يأتي فلان الذي سألته بالأمس مختلفًا عما كان عليه تمامًا، أحس أني دائمًا أضحوكة، عندما قدمت إلى وطني دخلت الكلية وكنت متحمسًا جدًّا للعلم؛ لأني مررت بتجربة فشل مريرة لم أمر بها في حياتي، كنت أشارك مع الدكتور المدرس دائمًا في أول أسبوع، وبعد مرور الأيام وتعمقنا في المنهج أكثر رأيت أن الوقت يحتم علي أن أكون اجتماعيًا مع هذا وذاك، وبمجرد أن حاولت بدأت الوساوس الاختلاطية تصيبني، وبدأت أحس أن دماغي ثقيل, ودائخ دائمًا، كنت أدخن منذ ثلاث سنوات، وأقسم بالله أني تركته الآن.
ما هو الحل؟
هل يعمل لي غسيل دماغ؟ أم ماذا؟

صفاتي الجيدة: كنت صغيرًا أقلد الشيخ عبد الباسط في القرآن، وكنت ألقب بالحنجرة الذهبية.

- أحرزت معدل 87 ودخلت الطب على حسابي في الخارج.

- كنت ألقب بالنابغة لذكائي عندما كنت في الخارج الذي أمضيت فيه معظم طفولتي.

- أتحدث بطلاقة الإنجليزية وإلا لما دخلت الطب.

أنا اعلم بأن في استشارتي شيئًا من الغرابة والتعقيد، لكن هذا كل ما أريد أن أعبر عنه أمامكم.

أرجو الرد علمًا بأني أحب أن أتواصل مع موقعكم العظيم هذا.

جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب، وأبدأ بأن أؤكد لك أن استشارتك ليس فيها أي نوع من الغرابة والتعقيد، بل هي واضحة جدًّا، صادقة وأمينة، وتعكس تمامًا ما يدور في خلدك وتفكيرك.

أيها الفاضل الكريم: بصفة عامة ما تعاني منه من مشاعر سلبية حول مقدراتك، وعدم التأكد من الذات والقلق وافتقاد الدافعية، أرى أن الوساوس القهرية وسوء التأويل، والتفسير الخاطئ لبعض الأحداث الاجتماعية العادية هو الذي جعلك في هذا الوضع النفسي.

بمعنى آخر الوساوس القهرية وما يصاحبها من قلق وتردد واستحواذ سلبي جعل مزاجك يكون في جانب الكدر، وهذا من المعروف عنه أنه يقود الإنسان إلى سلبيات كثيرة، أهمها: افتقاد الثقة في المقدرات، ومن الإشكاليات الكبيرة التي تواجه الأفاضل أمثالك هو انتقاء الفكر السلبي التلقائي، هنالك فكر تلقائي أو يمكن أن نسميه أتوماتيكي يسقط على الإنسان، وبعض الناس يرفضون هذا الفكر، أو يقومون بتصفيته وفلترته، وأخذ ما هو جيد منه، ورفض ما هو سلبي، لكن بعض الناس -ولسبب ما- يقبلون هذه الأفكار التلقائية السلبية، ولا يقاومونها، ويجعلونها هي التي تحرك مسارهم في الحياة.

إذن -أخي الكريم-: الذي أهدف إليه هو أن أنبهك لهذه النقطة المهمة أنك تنتقي ما هو سلبي، وتتقبل ما هو تلقائي، وهذا هو الذي أضر بك وبصحتك النفسية، أنت ذكرت في ختام رسالتك صفاتك الجيدة، وهذه الصفات عظيمة جدًّا، لماذا لا يكون الانتقاء لها وقبولها هي وجعلها ركيزة أساسية لتتحرك من خلالها للمزيد من الإنجاز وتقبل ذاتك، وتتفهم ذاتك, وتطور ذاتك؟! وأهم من ذلك هو أن لا تحكم على نفسك أبدًا بمشاعرك، إنما تحكم على نفسك من خلال أفعالك؛ وهذه الأفعال حتى -وإن كانت بسيطة- يجب أن تستشعرها، يجب أن تنتقيها وتأخذها نبراسًا لك يحدد مسارك.

فيا أخي الكريم: أرجو أن لا تلبس ثوب الفشل، فأنت -الحمد لله تعالى- لك نجاحات كثيرة, ولك طاقات كثيرة، ولك إمكانيات واضحة، إمكانيات عقلية ومعرفية، وعمرك حقيقة بدايات نضارة الشباب، حيث كل ما هو جميل وكل ما هو إيجابي.

أيها الفاضل الكريم: المهمة الأساسية هي أن تغير نفسك معرفيًا على الأطر التي ذكرتها لك، ودائمًا ائت بما يخص الإنجازات والإيجابيات، والإنسان يمكن أن ينتقي فعلاً واحدًا مثلاً إذا عرفت أن أؤدي الصلوات الخمس يوميًا في وقتها وفي المسجد متى ما كان ذلك ممكنًا أليس ذلك إنجازًا عظيمًا؟ بالطبع هو كذلك؟ ظهذا يمكن أن يؤخذ كمثال للمزيد من تحسين الدافعية والإنجاز، إذن تعلق بشيء واحد، أنجزه إنجازًا جيدًا؛ فهذا -إن شاء الله تعالى- يتولد منه الفكر الإيجابي.

ثانيًا: من الضروري جدًّا أن تحسن الظن بالناس، نعم هنالك أشرار، هنالك من يضمرون الشر والحسد للناس، ولكن في نهاية الأمر -إن شاء الله تعالى- لن يصيبك مكروه من جانبهم، فيجب أن نحسن الظن، وأن نؤول التأويل الصحيح، ويجب أن تحمل أنت في داخلك دائمًا رسالة الإحسان إلى الآخرين؛ لأن الإحسان يجمل كل شيء في حياة الناس، وهذا يجعلك تحس بالرضا تمامًا.

أخي: الوساوس وعسر المزاج لا بد أن تعالج بالأدوية، فالأدوية لها فعالية معينة، ولها إيجابيات كثيرة، وهي تمهد الطريق حقيقة إلى الإنجاز السلوكي الذي تحدثنا عنه، لك عدة خيارات، وأنا أعتقد أن عقار بروزاك (فلوكستين) سيكون دواء مثاليًا في حالتك، جرعة البداية هي كبسولة واحدة في اليوم تتناولها بعد الأكل لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها كبسولتين في اليوم واستمر على هذه الجرعة العلاجية مدة أربعة أشهر، وهي جرعة وسطية، وليست الجرعة القصوى، بعد الأربعة الأشهر ارجع إلى الجرعة الوقائية مرة أخرى، تناولها بمعدل كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أخي الكريم: دائمًا نحن نوصي أنفسنا وإخوتنا وأحبابنا بأن إدارة الوقت بصورة صحيحة هي أحد مفاتيح النجاح، الرفقة الطيبة مهمة جدًّا للإنسان في حياته، ممارسة الرياضة أيضًا تحسن الدافعية وتزيد من الطاقات الإيجابية لدى الإنسان.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • هولندا نعمة الله

    انا اعاني من نفس الامر لكن اول ماقرئت عرفت ماذا اعاني جزاكم لله خير وبارك الله فيكم واتمنى للجميع الخير والصحة والبركة

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً