الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا أنثى، ولكن تصرفاتي ذكورية، فما سبب هذا الشعور؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولا أحب أن أبارك لكم جميعا، وأسأل الله أن يعيده علينا بالعفو، والعافية يا رب، ويتقبل منا صالح الأعمال.

استفساري هو شاذ وغريب من نوعه، وعجزت طيلة ال18 عاما أن أجد له جوابا داخليا، ومن حولي.

أنا أنثى، وقد بلغت وأنا في ال 15 من عمري تقريبا، أو ال 14، لا أذكر تحديدا، المهم، أنه منذ أن ولدت، وأنا تصرفاتي ذكورية بحته.

وقد يقول بعضكم: أن اختلاطي مع إخوتي الذكور هو السبب، ولكن الأخوين اللذين أكبر مني سنا، والأصغر مني هما بنتان، وليس هناك علاقة قوية بيني وبين إخوتي الذكور لهذه الدرجة.

ومنذ أن كنت صغيرة، وأنا لا أطيق التصرف كأنثى، ولا ألبس ملابسهم، ولا أرغب أو أهتم بشيء يخصهم، حتى كبرت، وبقيت عندي هذه الحالة.

في بداية بلوغي كنت أتهرب من الناس، ولا أريد مقابلة أحد، وكنت أدعو الله مرارا أن لا أكون أنثى، فأنا لا أطيق ذلك.

حتى عندما كبرت، بدأت أفهم وأستوعب بأنني حقا أنثى، ولا فرار من ذلك، ولكن تصرفاتي، وطريقة كلامي، ونظرتي للفتيات تدل على عكس هذا تماما، وأقسم بالله بأنني لا أتوهم، ولا أبالغ أبدا، فهذا ما أشعر به.

أتضايق كثيرا عند مناداة الناس لي بـ"مسترجلة"، فأنا أشعر بأنني ولد من الأساس، ولا أتصنع ذلك أبدا، ويحرجني أيضا الأطفال حين يقولون لي: لماذا أنت لا تذهبي مع الرجال، ويصفونني على أنني ذكر.

سؤالي هو:

هل أنا حقا ذكر أم أنني أنثى؟ وهل من الممكن أن أكون ذكرا؟

"أرجو من الكل أن لا يشمت بي أو يستهزئ, أن يدعو لي، ويترك عنه الاستهزاء، فأنا لا أريد أن أدعو عليه بأن يشعر بنفس مأساتي".

أعتذر عن إطالتي، ولكن هذه المرة الأولى التي أعبر فيها عما في داخلي، وأتمنى أن أجد جوابا يريحني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ oufi حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإننا نهنئك بقدوم شهر رمضان الفضيل، ونسأل الله أن يتقبل طاعاتكم، وأود أن أشكرك وبصفة خاصة على رسالتك هذه، - وإن شاء الله تعالى - أنت قد وجهت الرسالة للمكان الصحيح، ونحن نحاول بقدر ما نستطيع أن ننصحك ونرشدك لما هو صحيح - بإذن الله تعالى -.

أولاً: هنالك عوامل هرمونية تُحدد جنس الإنسان كما تعرفين، وهنالك مظاهر ثانوية للأنثى، وكذلك مظاهر ثانوية للذكر، وهي معلومة.

في حالات نادرة، قد يكون المظهر الجسدي بخلاف التكوين الهرموني، يعني أن تكون امرأة مثلاً لها كل الصفات الثانوية الأنثوية: من ظهور الثديين، وخلافه، وشكل الحوض – مثلاً – ، ولكن هنالك مكونات هرمونية داخلية تُفرز بكميات أكثر، وهي ذكورية في أصلها، وقد يكون العكس صحيحًا. هذه حالات، ولكنها حالات قليلة جدًّا ونادرة.

هنالك حالات أخرى كما تفضلت وذكرت، قد تلعب التنشئة دورًا في الطريقة التي يقبل فيها الإنسان نفسه، ويتصرف حسب ما هو مطلوب منه، وقد يكون هناك رفض تام للجنس الأصلي، ويلجأ الإنسان إلى ما يعرف بالجندرية المخالفة، أي يسلك السلوك الذي يسلكه الجنس المضاد.

والجندرية لا يُقصد بها الجنس كما يعتقد البعض، إنما هو السلوك الذي يوائم الجنس، فالرجل له سلوك معين يوائمه، والمرأة لها سلوك معين يوائمها.

وهناك أسباب أخرى كثيرة: على مستوى العقل الباطني، واللاشعوري، وقد تكون حدثت تجارب سلبية جدًّا في أثناء الطفولة لم يستوعبها الإنسان، أدت إلى أنه يرى نفسه كإنسان صحيح، ولكنه في الجسم الخطأ، وهذا أعتقد أنه ينطبق على حالتك، وفي كثير من الأحيان لا نجد أي سبب أو تفسير.

وحتى لا أطيل عليك..

أود منك أن تذهبي وتقابلي طبيبة لتقوم بفحصك فحصًا كاملاً جسديًا وهرمونيًا، وهذا الفحص من وجهة نظري ضروري جدًّا، لأنه سوف يحدد المكونات الهرمونية ومحتواها، وكذلك الأعضاء التناسلية، سوف تُحدد، وهي ليست الأعضاء التناسلية الخارجية فقط، إنما الداخلية أيضًا، وهذا بسيط وسهل جدًّا عن طريق فحص الموجات الصوتية.

إن وجد أي نوع من عدم التوائم التكويني الداخلي، فهنا سوف تتعاون معك الطبيبة لتُرشدك لمقابلة مختصين لوضعك في الوضع الجنسي الذي يُلائمك، وهذا مقبول شرعيًا حسب ما أفاد العلماء الأفاضل، أما إذا اتضح أن تكوينك هو تكوين أنثوي كامل – وهذا ربما يكون هو الأغلب –.

وهنا أقول لك: عليك بأن تتواصلي مع مختص نفسي، وفي ذات الوقت أن تضعي لنفسك برامج مهمة، وهذه البرامج نسميها بالبرامج المعرفية، أي أن الإنسان يغير نفسه فكريًا، ولا يغير جسده، لأن الجسد هو في الأصل صحيح، ولكن الفكر هو الخطأ، وهذا من خلال التأمل، والتدبر، والتفكير، وأن الله قد خلقك هكذا، فلا تغيري خلق الله، ويجب أن تقبلي بذلك، وفي هذا - إن شاء الله تعالى – خير كثير، وتذكري دور المرأة، وسوف تجدين قلقًا شديدًا جدًّا يسيطر عليك مع هذا النوع من التفكير، ولكن كرري التفكير، كرري وكرري، وسيحدث لك تواؤم.

ثانيًا: أجبري نفسك بأن تفعلي وتعملي أعمال النساء، وأن ترفضي تمامًا أعمال الرجال، ابني الأنوثة فيك من خلال هذا، كوني حريصة جدًّا في موضوع اللبس، فهذا مهم جدًّا، البسي اللبس الأنثوي في كل شيء، الملابس الداخلية والخارجية، وسوف تجدين أيضًا قلقًا وتوترًا شديدًا في بداية الأمر، ولكن بعد ذلك سوف تجدين أن القلق قد زال.

ثالثا:الصحبة، فالصحبة الطيبة الخيرة، مطلب مهم جدًّا، وحاولي أن تبني علاقات مع الداعيات، ومع الصالحات من النساء، واطلبي منهنَّ المساعدة المباشرة، وهذا ممكن جدًّا.

وأنا أعرف الكثير من الحالات التي تغيرت، وذلك من خلال ما ذكرته لك من برامج باختصار، أضف إلى ذلك أن المعالجة النفسية مهمة، والمعالجة الشرعية مهمة، وفي بعض الأحيان هناك معالجة هرمونية أيضًا مهمة، وهناك معالجة دوائية نفسية، حيث أن بعض مضادات الاكتئاب وُجد أنها تفيد جدًّا في أن يقبل الإنسان ذاته كما هي، وليس حسب اعتقاده أنه هو الإنسان الصحيح لكنه في الجسم الخطأ.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأرجو أن تتبعي ما ذكرته لك، وبالله التوفيق، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات