الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أجلس مع خطيبتي في مكان عام للتعرف عليها.. فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إذا كان هناك شاب ينوي خطبة فتاة، ويريد أن يتحدث إليها، ولكن لا يستطيع في إطار العمل، وذلك لأنه يريد أن يخبرها بمواضيع معينة، ولابد أن تطول الجلسة، وهذا لا يمكن أن يتم إذا جلس معها في بيت أهلها.

فهل من الخطأ أن تجلس معه في مكان عام ومفتوح أمام الناس ضمن اللباس الشرعي، ودون وجود خلوة، وضمن حدود كلام منطقي وعادي، لا يحرك المشاعر.

بارك الله بكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نبيلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

بداية نرحب بك - ابننا الكريم – في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، ولا يخفى على أمثالكم أن الإسلام إنما شرع الخطبة ليحقق التعارف ويحقق التآلف، وأن الشاب إذا أراد فتاة عليه أن يطرق باب أهلها، ثم بعد ذلك يطلب النظرة الشرعية، ثم بعد ذلك يُتاح لكل فريق أن يسأل عن الفريق الآخر، وعن أحواله، وعن استقرار أسرته، وعن بيئته، وبعد ذلك لا مانع من إكمال المشوار، ولا حرج كذلك إذا أراد الطرف أن يتوقف، هذا هو الأصل.

والمعرفة الحقة لا تتحقق بمجرد الجلوس قبل الزواج، وكثير من الناس ربما قال: كيف أتعرف عليها؟ نحن نقول أي معرفة ليست مكشوفة، ليست على ضوابط الشرع، ليست بعلم الأهل، لا تخلو من الخديعة، ولا تخلو من الكذب، لأن الإنسان يظهر ما ليس عنده، كما ثبت أن العلاقات العاطفية خارج الأطر الشرعية هي المسؤولة عن أكثر من ثمانين بالمائة من نسبة الفشل بعد الزواج.

هذا طبعًا نحن نتكلم عن علاقات، وربما يكون فيها تجاوزات، ولكن واضح أنك - إن شاء الله تعالى – حريص على الخير، وتريد علاقة ليس فيها مخالفات، وتريد أن تجلس مع الفتاة، ونعتقد أن الأسئلة التي تريد أن تسألها، أولاً ينبغي أن ترسل محرمًا من محارمها أو محرم من محارمك، فإن لم يتيسر هذا، وكان في بيئة العمل امرأة كبيرة، أو رجل كبير يستطيع أن يوصل رسالة منك إليها، فإن لم يتيسر هذا فلا مانع من الجلوس في مكان العمل تحت علم الناس، كأن تأخذوا مكانًا بعيدًا عن الناس، لكن الناس يرونكم، وتتكلم معها وتناقشها في بعض الأمور.

نتمنى أن تتاح لك فرصة أحسن من هذا، ولا يكون هناك خلوة كما ذكرت وأشرت، لكن إذا لم يكن هذا متيسرًا، وكان المكان عام وتحقق الجلوس بالكيفية التي ذكرتها، بلباس شرعي كامل، دون حدوث خلوة، ودون حدوث كلام لا يليق إلا بين الأزواج، حتى بعد الخطبة لا يجوز للخاطب أن يكلم خطيبته إلا في أمور جادة، إلا في الأمور التي لها علاقة في مستقبلهما، فالخطبة نفسها ما هي إلا وعد بالزواج لا تبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته ولا الخروج بها، فكيف إذا كانت الخطبة نفسها غير موجودة.

لذلك إذا كانت هذه الأمور مهمة - كما ذكرت – ولا تستطيع أن تقولها في بيتها، ولا تستطيع أن تقولها لها عبر رسالة جوال، ولا تستطيع أن تبلغها عبر وسيط، فلا مانع من الجلوس بالكيفية المذكورة، مع أننا نفضل إذا كانت هي موظفة أن يكون الجلوس في مكان عملها، وفي مكان المراجعين أمام بصر الناس، وأمام نظرهم، تناقشوا مثل هذه الأمور أو تعرض عليها الأمور التي ربما فيها إشكال، ثم بعد ذلك عليك أن تأتي دار أهلها من الباب وتكلم أهلها الأحباب، ونقترح عليك قبل ذلك أن تحيط أهلك وأسرتك علمًا بهذه الرغبة، وبرغبتك في أن تتواصل معها، وإذا جئت إلى أهلها من الضروري ألا يعرفوا أنه قد صارت اجتماعات بينكما أو قد تواصل بينكما أو صار تعارف قديم بينكما، لأن هذه الأمور قد تكون سببًا في جعل أهل الفتاة يعاندون في كثير من الأحيان؛ لأن البنت تكون قد تجاوزتهم واختارت رجلا وجاءت به، لذلك لما تتم هذه المراسيم، وتتعرف على وجهة نظرها.

أرجو أن تبدأ العلاقة بالطريقة الصحيحة، فتبدأ المشوار بإخطار أهلك، ثم بطرق باب أهلها، وحبذا لو جئت بأهلك إلى بيت أهلها حتى يتحقق التعارف، لأننا دائمًا نقول أن الزواج ليس بين رجل وامرأة فقط، ولكن بين بيتين، بين أسرتين، بين مجموعتين من البشر، بل ربما بين قبيلتين.

لذلك من الضروري أن تحاط الحياة الزوجية في بداياتها بهذه الهالة من رعاية الضوابط الشرعية وبهذا الإعلان، بأن تكون العلاقة هدفا، وهذا فيه مصلحة للفتاة وللفتى، فإن أي علاقات في الخفاء يمكن أن تكون خصما على سعادة الزوجين، وخصما على الثقة المتبادلة بينهما، ولذلك من مصلحة الفتاة أن لا تقبل بأي تنازلات، لا تجلس وحدها، ومن مصلحة الفتى أيضًا أن يجد امرأة ترفض الاستجابة إليه، وتقدم تنازلات.

الإسلام أراد للمرأة أن تكون مطلوبة عزيزة لا طالبة ذليلة، على كل حال الكيفية التي ذكرت إذا لم تجد محرمًا لك أو محرمًا لها كوسيط في توصيل ما تريد أن توصله لها من أسئلة، أو لم تجد إنسانًا كبيرًا في السن، وإذا لم يكن هناك إمكانية إرسال رسالة لها عبر الجوال، إذا لم يتيسر هذا، فلا مانع أن يكون في بيئة عملها تجلس معها، وتناقشها، بشرط أن يكون بلباس شرعي، وألا يكون المكان خاليا، وأن يكون المكان مكشوفا، وأن يكون الكلام معروفًا، وألا تطول الجلسة، إلى غير ذلك من الأمور التي نفضل مراعاتها.

ونسأل الله أن يقدر لك ولها الخير حيث كان ثم يرضيك به، مع تذكيرنا للشباب أن الإسلام لا يمنع من كل هذا، ولكن بعد إعلان الرغبة، بعد الخطبة يُتح للإنسان أن يجلس ويحاور ويناقش، والخطبة ما شرعت إلا لتحقيق هذا التعارف وهذا التآلف، ونسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يلهمكما السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً