الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محتاج إلى الزواج ووالدي مستطيع، فهل أطلب منه أن يزوجني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أريد أن أتزوج، وأهلي مستطيعون مادياً، فالوالد -أطال الله عمره في طاعته- يعمل بالتجارة، وقد زوج إخواني الاثنين، واللذان هم أكبر سناً مني، وتحمل كل تكاليف زواجهم، والوالد لن يقصر معي، فهو كريم والله يشهد، لكنه يخاف ألا أكمل دراستي، أو أن الزواج قد يعيق حياتي الدراسية.

أنا طالب في السنة الرابعة صيدلة، وبقيت لي سنة خامسة وأتخرج، أهلكتني العادة السرية وشهوتي القوية، وأريد أن أحفظ نفسي وفرجي وأتزوج.

بم تنصحونني؟ أكمل دراستي وبعدها أتزوج أم أتزوج وأنا أدرس؟ علماً بأني بعمر 23 سنة.

أريد الزواج، فقد تعبت من حالي ومن العادة السرية التي أهلكت معظم الشباب! أنا ما زلت طالباً بالسنة الرابعة صيدلة، وأريد أن أتزوج، والوالد مستطيع -ولله الحمد- أن يتحمل كل التكاليف، وعندنا شقة فارغة، يمكن أن أسكن فيها -والحمد لله- لكني ما زلت طالباً ومتردداً، لأني بلا عمل، والوالد هو الذي سيعولني أنا وزوجتي حتى أكمل دراستي وأجد لي عملاً.

علماً بأن الوالد مستطيع ويعمل بتجارة مواد البناء، وإخواني الذين يكبرونني يعملون معه وهم متزوجون، يمكن أن أعمل معه وأدرس، ومن ثم بعد دراستي أتوجه للعمل في مجال تخصصي (الصيدلة)، وإما أن أبحث عن وظيفة أو أعمل بتجارة الأدوية بمساعدة وتمويل من الوالد، حتى ننمي تجارتنا ونطورها .. فبم تنصحونني؟ أأتزوج وأصون نفسي؟

علماً بأني صار لي 6 أشهر خاطبًا، وهذا ما يشجعني على الزواج، لأن البنت موجودة وجاهزة في أي وقت للزواج، فبم تنصحني يا شيخنا؟ والله إني مشتت الفكر رغم أني لدي خطة لتسيير حياتي كما ستلاحظ مسبقاً، لكني بنفس الوقت متردد، كوني بلا عمل، ولا أريد أن أكون عالة أنا وزوجتي على الوالد -الله يحفظه ويطول بعمره-.

شكراً لكم وجزاكم الله عنا خيراً أيها الرائعون.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نسأل الله لك التوفيق والسداد، وشكرًا لك على حسن العرض لهذه الاستشارة، ونسأل الله أن يوفق هذا الوالد المبارك لأن يُعينك على الزواج، ونذكره بالكلام الذي كان الشيخ ابن عثيمين يقوله بأنه يجب على من ملك سعة أن يزوج أبناءه وأن ييسر زواج بناته، لأن حاجة الأبناء إلى العفاف لا تقل عن حاجتهم للطعام والشراب، وأرجو أن تنبه الوالد أن يقرأ هذه الاستشارة أو يتواصل معنا.

نحن على ثقة أنك إذا تزوجت ستحقق نتائج أفضل، والزواج دافع للنجاح، وليس عقبة في طريق النجاح كما يعتقد كثير من الناس.

نحن ندعو كل والد عنده قدرة أن يزوج أولاده وأن ييسر مهر بناته؛ لأن هذا هو الواجب الذي ينبغي أن ننتبه له من الناحية الشرعية، وكان سعيد بن العاص رضي الله عنه يقول: (إذا علم الرجل ولده القرآن، وحجَّ به بيت الله الحرام، وزوّجه، فقد خرج من حقه) من هنا نحن ندعو هذا الوالد الذي كان كريمًا فاضلاً مع إخوانك – وهو كذلك معك كما أشرت – ونشكر لك حسن الظن بالوالد والأدب معه، ونتمنى أن يستجيب لهذه الرغبة.

أيضًا نتمنى أن تجد في الأعمام والعمات والأخوال والخالات، والدعاة والداعيات والفضلاء والفاضلات، من يسعى في إقناع والديك حتى ييسروا لك أمر الزواج، لأن هذه المسألة من الأهمية بمكان، وينبغي أن يُدرك كل أب – يسمع بهذه الاستشارة أو يسمع هذه القصة – أن الواجب علينا أن نساعد أبناءنا على بلوغ العفاف وأن نعينهم على الزواج، لأن هذا يضمن لهم أولاً إكمال نصف الدين، ويضمن لهم أيضًا الاستقرار في حياتهم، والزوجة ستأتي برزقها، والأولاد يأتون بأرزاقهم، بل إننا أحيانًا نأكل من أرزاق أطفالنا، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم قال-: (وهل تُرزقون إلا بضعفائكم) يعني: بذكرهم ودعائهم وصلاتهم، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

لذلك نحن ندعو الوالد فعلاً، وندعوك أيضًا إلى أن تستمر في الطلب، وأن تُحسن عرض هذه المسألة، ونتمنى – كما قلنا – أن تجد بعض الذين يسمع الوالد كلامهم من أهل الوجاهات ليتكلموا بلسانك، وأيضًا من الجانب الآخر نحن لا نرضى لبناتنا أن ينتظرن، فكيف نرضى هذا لبنات الناس، تنتظر سنوات عديدة من أجل أن يأتيها هذا الشاب الذي ظلتْ تنتظره، فطالما كانت المخطوبة موجودة، والواضح أن عليها موافقة، وأنه لا اعتراض عليها، فلذلك خير البر عاجله، ولم يُرَ للمتحابين مثل النكاح.

ندعوك إلى أن تتوجه إلى الله أولاً، ثم عليك أن تكرر المحاولات، ثم عليك أن تطلب مساعدة الفضلاء والدعاة إلى الله تبارك وتعالى، ثم عليك أن تُثبت للوالد نضجك وحرصك على الدراسة، وتجتهد في معاونتهم عندما تتاح لك الفرصة مثل العطلات، تشتغل معهم وتعاونهم على هذا العمل الذي هو عمل للوالد لكنكم -ولله الحمد- تعملون بيد واحدة وأسرة واحدة، وأسعدتني هذه الرغبة في تطوير الأعمال، فإن الوالد يسره إذا وجد منك هذا النضج وهذا الاهتمام به وبعمله.

عليك كذلك أن تزداد له برًّا وطاعة، لأن كل هذه الأبواب سبيل إلى إقناع الوالد، لأن الوالد دائمًا يريد أن يرى ابنه ناضجًا على قدر المسؤولية، وأنت على قدرها، لكن لا بد من إثباتات ظاهرة من خلال اهتمامك بالوالد، وتقديرًا منك لمواقفه، وشكرًا منك له، واقترابًا منك إليه، وزيادة البر منك له.

أرجو أن تجد من يوصل هذه الرسالة ليقول للوالد: (الشباب الآن حولهم فتن وخير لنا أن نحفظ شبابنا، لأن الرجل إذا امتنع عن تزويج أبنائه وتسبب ذلك – والعياذ بالله – في أن يقعوا فيما يُغضب الله فإنه لا يُعفى من الذنب والإثم في هذا الذي حدث من أبنائه، طالما كان مستطيعًا على تزويجهم وإعانتهم على بلوغ الحلال).

نسأل الله أن يوفق هذا الوالد، وأن يبارك فيك، وأن يحقق لك النجاح والفلاح، وأرجو كما قلنا قبل أن تعرض على الوالد أن تثبت أنك جاد وأنك مهتم بدراستك ومهتم بالوالد، وإن تحقق الأمر فينبغي أن تُثبت أنك أيضًا على قدر المسؤولية، وأنك عرفت هذا الفضل للوالد، وأنك ازددت اجتهادًا في دراستك وحرصًا على مساعدة الوالد والإخوان.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأكرر: أرجو أن تكرر المحاولات، وتتوجه إلى رب الأرض والسماوات، وأبشر فإنه لا بد لمُكثر القرع للأبواب أن يلجَ، فاطرق هذا الباب، وتوجه إلى ربنا الوهاب، ونسأل الله أن يحقق لك كل مراد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً