الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي ابتعد عن التزامه وقرآنه، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم.

عندما جاء زوجي لخطبتي كان شاباً خلوقاً جداً, يؤم المصلين في مسجد الحي, وقد قارب على ختم القرآن, وكنت أشعر بقربه من ربه في كلامه معي, وحثه لي دائماً على القيام والذكر وطلب العلم, وكان يلقي كلمة بسيطة في المسجد, أي له نشاط دعوي.

بعد العقد سافر للعمل بالخارج, وانشغل كثيراً عن كل ذلك, ولكن كنت معه أذكره, وهو يذكرني, وتمر فترات نتبادل فيها الغفلة مع الرغبة في العودة كما كنا, ولكن ما يدمي قلبي أنه مع الوقت يعود متأخراً من عمله, فيقصر في قيام الليل, ثم تركه, ومع الوقت أصبح لا يستطيع القيام لصلاة الفجر في المسجد, حتى صار يصليها في الأسبوع مثلا مرتين أو ثلاثاً, وهو يتألم لذلك, لكنه يبرر لنفسه أنه متعب جداً في عمله المرهق.

بالطبع لم يعد له أي نشاط دعوي, ولا يفكر في ذلك لطبيعة الحياة بالخارج, ولم يرزق بصحبة صالحة تماماً, بل على العكس صار له صديق بعيد كل البعد عن الالتزام, وقد كلمته كثيراً, وتضايقت من صحبته, وهو يتعلل أنه يلازمه في العمل طول الوقت, ولا يستطيع مفارقته.

أرى تأثراً من صديقه في أشياء بسيطة, لكنها عندي كبيرة, أشعر أنه يتأثر به في بعض ألفاظه وكلماته -ليست بذيئة- لكنها علامة على استعداده للتأثر به.

أيضا كنت ألح عليه في أمر ما, ولم يقتنع أبدا, وبعدها كلمه صديقه فأقتنع بسهولة, وهذا يفزعني ويثير غضبي, رغم قلة أهمية هذا الأمر الذي حاولت إقناعه به, فالحياة في الخارج يصعب معها عمل الخيرات, العمل والنشاط الدعوي, الصحبة الصالحة, طلب العلم, هذا ما يتكلم به حاله.

أنا خائفة أن يزيد هذا الانتكاس بعد أن نتزوج؛ لأني أرى ممن حولي هذه الغفلة المصاحبة للزواج, فأنا أدعو الله له كثيرا, ولم أستطع أن أصارحه في هذا, لكني ألمح له عن سوء حالنا, وحاولت تشجيعه على أمر الصلاة بتحقيق الخشوع فيها, فاستجاب أياما, وفترنا أنا وهو.

أعترف بتقصيري أنا أيضا لأنه هو من كان يشد من أزري, ورجوت من الله أن يكون قائدي في الطريق إلى الله, وكان حلمي أن يكون داعيا إلى الله, يترقى في طلب العلم, وهو الآن يبتعد كثيرا عن هذا الحلم.

آسفة جدا للإطالة, ولكن قلبي يبكي دما على حال زوجي, ولا أملك إلا الدعاء له.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ التائبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بداية نرحب بك ابنتنا الفاضلة، ونشكر لك هذا الاهتمام بأمر الزوج، ونسأل الله أن يعينكم على الخير، وهنيئا له بهذه الزوجة التي تعينه على الخير، ونسأل الله لكم التوفيق والسداد, ونكرس شكرنا على التواصل مع الموقع.

ابشري بالخير، فإن الإنسان إذا رغب في أن يعود إلى الله وإلى طاعته فإن الرحيم يفتح له الأبواب، وإذا جاء العبد يمشي أتاه العظيم هرولة.

لذلك نتمنى من الله تبارك وتعالى أن يعينكم على الخير، وندعوك للاستمرار في النصح بلطف وتذكيره بالله تبارك وتعالى، والذي فهمناه أنك بعيدة عنه، ولا شك أن قرب الزوجة الصالحة له أكبر الأثر, إذا كنت معه فإن مساحة المعسرات الخارجية ستكون قليلة, فاجتهدوا في أن تكونوا مع بعضكم، وفي أن تكوني معه حتى يعينك وتعينيه على طاعة الله, وعلى كل أمر يرضي الله تبارك وتعالى.

أرجو أن تعلمي أن العمل بالخارج إذا كان له بعض السلبيات فإن فيه كذلك بعض الإيجابيات, فالإنسان عندما يبعد عن والديه وعن بلده يكون عنده استعداد للهداية واستعداد للتأثر أكبر, فاغتنمي هذه الفرصة، وذكريه بالله تبارك وتعالى الذي يحفظ الإنسان في حله وترحاله، وحاولي دائما أن تمدحي جوانب الخير التي عنده, فإذا أحسن قليلاً فامدحيه وأثني عليه من أجل أن يزداد طاعة لله تبارك وتعالى.

لا شك أن أي إنسان يحتاج إلى مثل هذا التشجيع؛ لأن فيه عونا للإنسان على طاعة الله تبارك وتعالى, كما أرجو أن تعلمي ألا توصلي إليه أنك يائسة، وأن الوضع يزداد سوء، فإن الأمر لله من قبل ومن بعد، ولكن بيني له حرصك على الخير، واجتهدي أنت في نفسك أيضا ولا تشعريه بضعفك، أو تراجعك عن الطاعات والتقرب إلى رب الأرض والسموات.

نسأل الله تبارك وتعالى أن تقر عينه بصلاحك، وأن يقر عينك بصلاحه, وأن يرده على ما كان عليه, وإلى ما هو أحسن مما كان عليه، ونحن نتمنى أن تستمر هذه الروح, هذه المشاعر النبيلة منك, وهذا الإصرار, وأن تكونوا في طاعة الله، فإن من سعادة الإنسان أن يكوّن أسرة يُعين فيها ويُعان فيها على طاعة الله تبارك وتعالى.

نسأل الله تبارك وتعالى لكم كل توفيق وسداد، ونتمنى أن نسمع عنكم خيرا، ونرى من حالكم خيرا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكثر من أمثالك من الحريصات على إعانة الزوج على طاعة الله, ولك البشرى فإن المرأة إذا أعانت زوجها على طاعة الله, وأعانها على طاعة الله؛ يصدق عليهم قول الله: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان...).

النبي عليه الصلاة والسلام هو القائل: (رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء, ورحم الله رجلا قام من الليل ثم أيقظ أهله فإن أبى ونضح في وجهه الماء....).

أرجو أن تعلموا أن البيوت لا تصلح إلا بمثل طاعتنا لصاحب العظمة والجبروت, قال العظيم في كتابه: (وأصلحنا له زوجه) ماذا كانوا يفعلون يا رب؟ قال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين).

نسأل الله لكم التوفيق والسداد, وأن يعينك على الطاعة, وأن يرزقنا وإياكم الذرية الصالحة, وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً