الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هجرت بيت زوجي لأنه أخفى عني عمره وأريد العودة إليه فما النصيحة؟

السؤال

أنا امرأة بعمر 32 سنة, عندما تقدم زوجي لخطبتي كان أرمل, ولديه ولدان, ويبلغ من العمر ثلاثة وخمسين سنة - ففارق العمر بيننا واحد وعشرون سنة - فاستخرت الله وتزوجته رغم كبره؛ لأنني كنت خائفة أن يفوتني قطار الزواج, وعشت معه شهرين في سعادة, وحملت منه, وفي يوم أخبرني عن سنه الحقيقي, فوجدته قد أخفى عني خمس سنوات, وأن البيت الذي يسكن فيه هو بيت أهل زوجته المتوفاة قبل زواجنا - وقد قال لي: إنه بيته -, فاسودت الدنيا أمام عيني, وتشاجرت معه, وقلت له: أنت رجل مسن في سن أبي, وقد كذبت عليّ بخصوص البيت, فكيف سأعيش معك؟ وخرجت من بيته, وذهبت إلى بيت أهلي, وأخبرت أمي بما جرى فغضبت, وقالت: لماذا أخفى عنا حقيقته قبل الزواج؟

قلت لها: لن أعود إليه, وكانت أمي معي؛ لأنها تريد أن تراني سعيدة في بيتي, فقالت لي: لو كان الأمر يتوقف على العمر فهو ليس مهمًا, لكن المشكلة أنه ليس لديه مسكن مستقل به أعيش فيه مع أولادي مستقبلًا؛ لأنه رجل مسن, ولم يستطع أن يشتري شقة لنفسه من عمله, فكيف سيوفر لنا سكنًا وهو في هذا السن, وهذا الغلاء, وأنا أوافق أمي؛ لأنني أخاف من التشرد - لا سمح الله -إذا لم يعد موجودًا, وقد حاول أن يتصالح معي, وأن يعيدني إلى البيت عدة مرات لكنني رفضت, وقلت له: لن أعود إليك, ومكثت عند أهلي ثمانية أشهر, وأنجبت ابني, لكنه مات بعد ولادته.

بعد هذا كله أحسست بالذنب, وبظلمي لزوجي, وتقصيري في حقه؛ لأنني هجرته, وخرجت من بيته دون إذنه, فندمت كثيرًا, اتصلت به وطلبت منه أن يسامحني عدة مرات, وقد سامحني وطلب مني العودة إلى بيته في هذا الأسبوع فوافقت, لكني أحس بالخوف الآن.

أخاف أن أعود إليه وأفشل مرة أخرى؛ لأن أمي وإخوتي لا يريدوني أن أعود إليه؛ لأنهم يكرهونه, وقالت لي أمي: إذا عدت إليه فلن أكلم زوجك, ولن أزورك أبدًا, وكذلك إخوتي, وهذا ما جعلني أخاف أكثر؛ لأنني متعلقة بأمي كثيرًا, وهي مريضة مرضًا مزمنًا, وأنا الوحيدة التي تعتني بدوائها.

إذا رأيت أمي منزعجة من شيء لا أفعله - حتى إن كان فيه مصلحتي - وهذا كله سبب لي مرضًا نفسيًا هو الخوف.

أريد أن أعود إلى زوجي؛ لأنني أخاف من الوحدة إذا طلقت, فلست صغيرة في السن, فمن يقبلني؟ لكنني أخاف إذا عدت من الفشل مرة أخرى, ومن البعد عن أمي؛ لأنني متعلقة بأمي جدًّا, فأنا في هم وغم لا يعلم به إلا الله, فبمَ تنصحوني - جزاكم الله خيرًا ؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

مرحبًا بك – أختنا العزيزة – في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يُفرج كربك، وأن يُقدر لك الخير حيث كان.

نحن نشكر لك – أيتها الأخت العزيزة – حرصك على البر بأمك، والإحسان إليها، ومراعاة ظروفها وأحوالها، وهذا دليل على حسن إسلامِك ورجاحة عقلِك - نسأل الله تعالى أن يزيدك صلاحًا وبرًّا بأمك -.

في الوقت ذاته نحن نشكر لك شعورك بالتقصير في حق زوجك، وشعورك أيضًا بأنك أسأت فيما فعلتِ فيما مضى من خروجك من بيته بلا إذنه؛ إذ كل ما ذكرت عنه ليس مبررًا لذلك كله، فإن إخفاءه لبعض السنوات في عمره لا يبرر لك النشوز وعصيان أمره والخروج من بيته من غير إذنه، ما دام يقوم لك بما يلزمه من الإنفاق، ووفر لك ما تحتاجينه من السُّكنة، ولا يُشترط في ذلك أن يكون مِلكًا للزوج؛ فإذا وفر لك ما تسكنين فيه سكنًا مستقلًا لائقًا بك - ولو بالأجرة - فإنه قد أدى ما عليه.

من ثم فنصيحتنا لك - أيتها الأخت العزيزة – أن تطلبي السماح من زوجك عما مضى - وقد أحسنت إذ فعلت ذلك، وأحسن هو إذ سامحك - ويجب عليك أن ترجعي إلى بيت زوجك، فهذا فرض فرضه الله تعالى عليك، فليس لك أن تخرجي من بيته إلا بإذنه - كما أمر بذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم -.

كون أمك لا تريد منك الرجوع أمر لا يجب عليك الطاعة فيه، ولكن بإمكانك أن تتغلبي على هذا الظرف بمحاولة الرفق والترفق بأمك لكي تصلي معها إلى قناعة بأنك امرأة متزوجة، وأنه يجب عليك طاعة الزوج ما دام لم يمنعك حقًّا من حقوقك في النفقة، وأن هذا لا يتعارض مع برك بأمك وإحسانك إليها.

نحن على ثقة أنك إذا تلطفت بأمك وترفقت في إقناعها أن الخير لك في أن تبقي مع زوجك؛ إذ قد تقدم بك العمر، وأن هذا خير من الفراق، وأن الله - سبحانه وتعالى - أوصى الزوجين بمحاولة الإصلاح فيما بينهما بقدر الاستطاعة, فنحن على ثقة بأن هذا الطرح بأسلوب رفيق بأمك سيؤدي إلى اقتناعها بذلك، فهي غالبًا ما تكون حريصة كل الحرص على مصالح ابنتها، وتُحب أن تراها سعيدة فرحة، فأظهري لها سعادتك بالرجوع إلى بيت زوجك، وأنك لن تنقطعي عنها، وحاولي استئذان زوجك والتلطف به ليأذن لك في البقاء مع أمك في كثير من الأوقات؛ حتى لا تُشعريها بفقدك، وسيتولى الله - عز وجل - عونك وتيسير الأمر لك بأن تجمعي بين رضا زوجك ورضا أمك.

نسأل الله تعالى أن يُقدر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً