الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف الاجتماعي منعني من الخروج حتى لزيارة أمي..

السؤال

السلام عليكم..

أبلغ من العمر 26 سنة، لدي مشكلة في تغير المزاج بسرعة، والخوف والارتجاف في الأطراف في اللحظات الحرجة أو الصعبة، والخوف من الارتباط بأي شيء، ولدي مشكلة في عدم ثباتي على أي شيء، تركت مدرستي الثانوية الصناعية وأنا مازلت صغيرا، ثم أكملت الثانوية العامة بعد سبع سنوات، وفي تلك السبع سنين، كنت عاطلا عن العمل، ثم التحقت قبل 3 سنوات بدورة عسكرية في الأمن العام، ولم أستمر فيها، وفصلت منها نهائيا.

بعدها تدبرت لي وظيفة في البريد براتب ممتاز، وتركتها، ثم عن طريق معرفة جاءتني وظيفة في شركة كبيرة، ولكنها كانت بعيدة جدا عن مكان إقامتي، وصلت إلى هناك ثم انسحبت منها، ولم أكمل، وتوظفت في عدة شركات، وكذلك لم أكمل بسبب ارتباكي وخوفي الذي بدأ منذ ما يقارب العشر سنوات، وخوفي من الناس، ومن نظراتهم إلي، ومن مشاكل وأشياء كبيرة، جعلتني أخاف كثيرا وأرتعش وأتصبب عرقا، وأتلعثم من أي حوار، إلى أن من الله علي وأرشدني إلى زيارة طبيب ممتاز في مدينتي قبل سنتين، ثم وصف لي دواء سيروكسات 20 وإندرال 40.

استمريت على العلاج سنة ونصف السنة رغم أعراضه (السمنة والنعاس) ولكن قلت أصبر لأجل الأفضل إذا أذن الله، فكنت أذهب إليه في مراجعات، وأقول له: أنا لم أستفد من هذا العلاج، فيكون رده استمر عليه؛ لأنه يأخذ فترة في التفاعل ولا بد من الخروج والذهاب والتجمع والاختلاط، فاتبعت كلامه كما قال بالحرف، رغم المعاناة في بداية الأمر، ولم أستفد منه إلا الشيء القليل في مسألة الاختلاط بالناس والخوف شيئا قليلا.

بعدها تركت العلاج، وحاولت أن أطور من نفسي، وقررت دراسة الحاسب الآلي، ولم أكمله، وحبست نفسي منذ ثلاثة أشهر في غرفة، أنام أكثر الأوقات، ولا أخرج إلا نادرا، حتى زيارة أمي لم أزرها في العيد الفائت (أمي مطلقة منذ 23 سنة)، ولا أي أحد من أقاربي.

أرجو منكم مساعدتي في أن أقاوم وأستمر وأواجه الناس، وأن ترشدني إلى دواء يخرجني مما أنا فيه، فأنا والله أتعذب، ولك جزيل الشكر والعرفان، وجزاك الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا والكتابة إلينا، وعلى أنك مستمر بالبحث عن العلاج والحل، ولم تقطع الأمل، فاليأس عندنا لا يجوز، ونحن دوما مأمورون بمتابعة البحث والعلاج اقتداءً برسولنا الحبيب.

من الواضح أن عندك حالة شديدة من الرهاب الاجتماعي، وبحيث أثرّ على حياتك ونشاطك الحياتيّ وبشكل كبير كفقدان الأعمال العديد من المرات، والانتقال من عمل لآخر، ورفض بعض الأعمال؛ لأنها ستضعك في موقف صعب مع الآخرين.

صحيح أن العلاج الدوائي كالسيروكيات والأنديرال من الأدوية الجيدة في علاج مثل هذا الاضطراب، وصحيح أن العلاج السلوكي أيضا من العلاجات الفعالة، ولكن ربما مزج العلاج الدوائي مع العلاج السلوكي هو الأفضل من ناحية طبيعة الاستجابة للعلاج. ولكن هناك أمر قد يغيب عنا، وهو:

طبعا كثرة التنقل هذه والانتقال من عمل لآخر، هو عرض لهذا الرهاب الاجتماعي، إلا أن هذا الانتقال هو أيضا وفي ذات الوقت سبب أن هذا الرهاب بهذه الشدة، فأنت لا تعطي نفسك فرصة تعلم المهارات الجديدة والتي ستعينك على تجاوز هذا الرهاب، فأنت ما أن تستطيع التكيّف مع المكان والموقف الجديدين حتى تهجر المكان وتنتقل لمكان آخر، وهكذا دواليك، وبحيث لا تتيح لنفسك فرصة التكيّف المناسبة مع الوضع الجديد، ولا تتيح لنفسك فرصة تعلم أن هذه المواجهة في هذا المكان الجيد ليست مخافة كما أنت تتصور الآن.

وطالما أن الرهاب الاجتماعي عندك هو بهذه الشدة التي تجعلك تفقد عملك، وتبقى فترة دون عمل فالأمر يستدعي الزيارة العاجلة للطبيب النفسي، والذي غالبا سينصح بالعلاج الدوائي مع السلوكي، ولكن وقبل أي شيء آخر بعدم تجنب الأماكن المزعجة؛ لأن هذا لا يعزز عندك إلا النتائج السلبية لهذه المواقف، مما يؤصلّ عندك هذه الأعراض.

وفقك الله وكتب لك الشفاء في أقرب فرصة.

______________________________________

انتهت إجابة د. مأمون مبيض المستشار النفسي، وتليها إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.

كما ذكر لك الأخ الدكتور مأمون فإن الخوف الاجتماعي وتقلبات المزاج هي التي جعلتك تتنقل بين الوظائف ولا تستطيع الثبات في وظيفة واحدة، بالرغم من أن علامات التكيف والتواؤم مع تلك الوظيفة قد بدأت.

الذي أراه - أيها الفاضل الكريم - أنت مطالب حقيقةً بأن تأخذ أمر العمل وأهميته كوسيلة لتطوير ذاتك، وفي مهاراتك، وتحسين مزاجك، وباب من أبواب الرزق يجب أن تأخذه بجدية أكثر، بمعنى أن تعزز المفاهيم التي ذكرتها لك، ولا تحكم على نفسك فقط بأفكارك أو بمشاعرك، انتقل انتقالة حقيقية والجأ إلى التطبيق العملي وتجنب التردد.

الأمر الثاني هو: أنت مطالب أيضًا أن تنظر للمخاوف نظرة عكسية، نظرة تفتت هذه المخاوف وتقلل منها، يجب ألا تقبلها، يجب أن تطرح على نفسك أسئلة (لماذا لا أكون مثل الآخرين؟ ما الذي يمنعني من ذلك؟ لماذا لا تكون لديَّ تطبيقات سلوكية جماعية مثل الحرص على صلاة الجماعة وممارسة الرياضة الجماعية) يجب أن تسأل نفسك (لماذا لا أذهب وأزور أمي؟).

أنا أعتقد أنك قبلت بالفكر السلبي، وهذه هي مشكلتك، لا، الفكر السلبي يجب أن يقاوم، يُهزم، يُحطّم، وفي نهاية الأمر سوف تكتشف أن الأمر بسيط وبسيط جدًّا.

بالنسبة للعلاج الدوائي: توجد أدوية تعالج هذا النوع من الرهاب، وهي كثيرة وكثيرة جدًّا، وكما نصحك أخي الدكتور مأمون: إذا تواصلت مع أحد الأخوة الأطباء هذا سوف يكون جيدًا، أما إذا لم تستطع التواصل فأنا أرى أن عقار (زولفت)، والذي يعرف أيضًا تجاريًا باسم (لسترال)، ويسمى علميًا باسم (سيرترالين) سيكون دواء مفيدًا جدًّا بالنسبة لك، على أن تدعمه بجرعة صغيرة من عقار يعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل)، والذي يعرف علميًا باسم (سلبرايد).

جرعة السيرترالين هي أن تبدأ بنصف حبة - أي خمسة وعشرين مليجرامًا - تتناولها ليلاً لمدة أسبوع، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة ليلاً - أي خمسين مليجرامًا - استمر عليها لمدة شهر، بعدها اجعل الجرعة مائة مليجرام - أي حبتين في اليوم - وهذه جرعة علاجية معقولة جدًّا، يمكنك أن تتناولها كلها في المساء، أو تتناول حبة في الصباح وحبة في المساء، مدة العلاج على هذه الجرعة هي خمسة أشهر، بعدها تخفض الجرعة وتجعلها حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

أما بالنسبة للسلبرايد فالجرعة هي أن تبدأ بخمسين مليجرامًا (كبسولة واحدة) تناولها مساءً لمدة أسبوع، بعد ذلك ارفع الجرعة واجعلها كبسولة صباحًا ومساءً لمدة شهر، ثم كبسولة واحدة في المساء لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول السلبرايد، لكن يجب أن تستمر في تناول اللسترال كما هو.

المهم جدًّا هو أن تعزز أفعالك ولا تنقاد بمشاعرك السلبية، وسوف تجد أن الأمور قد تغيرت تمامًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر شريف

    ادمعت عيني ايها الفتى و انا الذى كنت احسب ان عندى مشاكل اجتماعية كبيرة ... اصبر و ما صبرك الا بالله و احتسب لعل اعلى منازل الجنة هى مكانك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً