الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي يعاني من أعراض نفسية وجسدية لا أعلم لها سبباً، ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي عمره 23 عاماً، متزوج ولديه ولد، مريض ولا أدري كيف أتصرف، قبل عام كان يحس برعشة في يديه، وتنميل في قدميه، وضيق في التنفس، وضبابية في الرؤية، وضعف في الذاكرة، وشرود وآلام أخرى.

سافر هو ووالدي إلى الأردن، وقام بعمل فحوصات، فأخبره الطبيب أنه مصاب في العصب البصري، وأنه مريض بالتصلب اللويحي، ووصف له إبراً، ثم استشار طبيباً آخر، فطلب منه عمل أشعة رنين مغناطيسي، واتضح في الأشعة أن الدماغ سليم وغير مصاب، فأخبره الطبيب إما أنه غير مصاب بالتصلب، أو أنه لم يصل إلى الدماغ، هكذا أخبرني أخي، ووصف له أدوية، أعتقد أنها مهدئة، أو نفسية، لمدة 6 أشهر، ثم يعود إلى الأردن للمراجعة.

ثم استشار طبيباً ثالثاً، فأخبره بأنه غير مصاب بأي شيء، وأن لا يتناول أي دواء، وأنه فقط يعاني من القلق والتوتر، والدواء الذي وصفه الطبيب الثاني كان قوياً، فأخي اشتراه من الأردن، وعندما عاد إلى اليمن قرر أن لا يتناوله، وعرضه على أكثر من صيدلية، فرفضوا شراءه، لأن جرعته كبيرة، فهو 150، والمتداول عندهم 70، فتناوله وتحسنت حالته ونفسيته طيلة 6 أشهر.

درس دبلوم إنجليزي، وسجل في الجامعة لدراسة الماجستير، وبدأ في البحث عن عمل في أكثر من شركة، ولكن دون فائدة، لم يجد وظيفة، وتخصصه هندسة مدنية، ثم في الشهر الأخير بدأ بتناول الدواء يوماً بعد يوم، وأصبح عصبياً، وعاد للتدخين، ثم توقف عن العلاج، وعاد -كما كان قبل العلاج- للانطواء والجلوس أغلب الوقت لوحده والعصبية والخمول والكسل.

وقبل شهر أخبرني بأنه يحس أن في رأسه فتقاً، وأنه بحث في النت فوجد حالات مشابهة لحالته، وأن مرضه هو التنسيم، وأنه قاس جمجمته بالخيط كما طلب منه، وتأكد أنه مصاب، ويشكو من الشرود وضعف في الذاكرة، وأنه يخاف من الجنون، ويريد مني أن أبحث له عن طبيب شعبي موثوق لعلاجه.

حاولت إقناعه أنه لا وجود لهذا المرض، ولكنه كان مصراً على مرضه، فطلبت منه الذهاب إلى طبيب أعصاب أو طبيب نفسي فرفض، وتضايق عندما أخبرته أنه قد يكون مرضاً نفسياً، وقال أنه غير مصاب بمرض نفسي، وأن ما فيه يكفيه.

ويوم أمس تفاجأت من حديثه، فهو يعتقد أنه مراقب، وأن هناك من يريد أن يفضحه ويشوه سمعته، وأن الجميع يحاولون إيقاعه في الخطأ أثناء الكلام، ومنهم زوجته، ويسمع أشياء ويرى أشياء، وهناك من يطلب منه التفكير، وإذا رفض التفكير آذاه بهز سريره، وإصدار الأصوات والأضواء، وأن جميع الناس تغيروا، وأنهم يكرهونه وهو يكرهم، ولم يعد يثق بأحد غيري.

في البداية ظننت أنه متعب ومرهق، فهو لم ينم منذ أيام، فطلبت منه أن ينام، ثم بعد أربع ساعات استيقظ، تحدثت معه، فأخبرني أنه لم ينم، فأية وضعية ينام عليها يحس أن زوجته تحلل أفكاره من وضعيته، هي وغيرها، ويلازمه صوت طنين في رأسه، ويريد التخلص منه، ويسمع صوت طرق على النافذة، وكلما حاول النوم أصدروا أصواتاً مزعجة.

تمالكت نفسي وتركته يتحدث، أخبرني أنه منزعج من تصرفاته، وأنه أحيانا يبتسم في مواقف غير مناسبة، وأنه خسر أعز أصدقائه بسبب أنه صدر من صديقه خطأ فضحك منه ضحكة هستيرية بلا قصد، ويتكلم بما فعل صديقه بصوت عال حتى ضحك من حولهم، وغضب صديقه وتركه، وتكرر نفس الموقف مع صديق آخر وتركه أيضاً، وأنه يجرح الناس وينفرهم منه، وأن كل من في الشارع يكرهه ويريد إيذاءه، وأنه نجا من الموت 3 مرات، وهو يقود السيارة عند عودته اليوم إلى البيت، فالكل يريد أذيته ومضايقته، فإن تجاوزهم وتركهم خلفه، انتصر عليهم، وإن سبقوه، انضموا لقائمة أعدائه، هكذا قال.

أخبرته أن زوجته وأصدقاءه لا يمكن أن يسببوا له الأذى، وأن يراقبوه، أو يفشوا أسراره، وأن زوجته من أطيب الناس، وعندما بدأت بالحديث معه، وأن ما يحس به مجرد أوهام، صاح أنني أجننه، وضرب على رأسه، فأمسكت عن الكلام وجعلته يشعر بأنني مصدقة لكل ما قال، فأخبرني أنه يحس براحة عند الحديث معي، فقلت له: لماذا لا تذهب إلى طبيب أعصاب لمتابعة حالتك؟ فهو مصر أنه مصاب بالتصلب، وكيف يكون مصاباً بهذا المرض دون متابعة من طبيب مختص، وطلبت منه أن يذهب إلى طبيب نفسي ويكلمه بكل ما يشعر به.

كنت أكلمه وأحس أنه يفكر في موضوع آخر، وفعلا يرد علي بموضوع آخر، وعندما انتهى من كلامه، خرجت فتبعني وطلب مني أن لا أخبر أحداً بما قال.

أنا محتارة كيف أتصرف، هل أخبر والديّ؟ أخاف عليهما، وأخاف من رد فعلهما، أو أن يخبرا أخي بما قلت لهما، فيفقد ثقته بي، هل هو مصاب بمرض نفسي أوعضوي، أو أنها هلوسة بسبب السهر وقلة النوم؟ أشيروا علي وبسرعة، فأنا خائفة جداً على أخي، وأعتقد أنه لا يريد الذهاب إلى الأطباء، فكيف أقنعه أو كيف أتصرف؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الرحمن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا على تواصلك مع الشبكة الإسلامية.

سأجيبك على الشق الأول، وهو موضوع تشخيص التصلب اللويحي عند أخيك، وسأحيل الجزء الآخر لاستشاري الأمراض النفسية.

بالنسبة للتصلب اللويحي: فإن التشخيص يكون بالأخذ بعين الاعتبار الأعراض التي يشكو منها المريض، وهذه الأعراض كثيراً ما تكون أيضا في أمراض أخرى، بالإضافة إلى إجراء صورة بالطنين المغناطيسي مع الصبغة gadilinium MRI للرأس والنخاع الشوكي.

فإن كانت الصورة طبيعية، فإن هناك احتمال ضئيل جداً أن يكون الشخص مصاباً بالتصلب اللويحي، ولتأكيد التشخيص، فإن الطبيب يقوم بإجراء تحليل للسائل الشوكي، ويمكن أحيانا وضع التشخيص بالأعراض والعلامات السريرية -أي العلامات التي يجدها الطبيب بالفحص الطبي- إن كان هناك نوبات متكررة للمرض، وكانت الأعراض واضحة تماماً.

إن كان الطنين المغناطيسي عند أخيك طبيعياً، وتحسنت الأعراض مع الدواء المهدئ، ولم تعد الأعراض مرة أخرى، فإن هذه الأعراض هي ليست أعراض التصلب اللويحي، وعلى الأكثر أن الأعراض كانت نتيجة القلق والتوتر الذي كان يعانيه أخيك كما أخبره الطبيب الأخير الذي راجعه.

ونرجو من الله لأخيك الشفاء ودوام العافية، ولك راحة البال.
-----------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. محمد حمودة -استشاري أول - باطنية وروماتيزم-،
تليها إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
-----------------------------------------------------------
من السرد الواضح بذاته حول حالة هذا الأخ وتطور حالته، أستطيع أن أقول لك: أنه مُصاب بمرض ذهاني يُعرف بـ (الاضطراب الزواري/ أو الظناني / أو بالباروني) كلها مسميات متداولة، هو مستوفي الشروط التامة والمعايير التشخيصية لهذا المرض، حالة الشكوك والظنانية ما يُعرف بهلاوس التلميح، كلها عنده، وهذا يكفي تمامًا لتشخيص حالة المرض.

الحالات السابقة لهذه الحالة من عدم ارتياح نفسي وتشكك حول أنه مُصاب بمرض ما، هذه دائمًا تسبق الحالات الذهانية، أما بالنسبة للتصلب اللويحي فالأطباء قاموا بالتأكيد على أنه غير مصاب به، وما أسدى به الدكتور محمد حمودة من نصائح يكفي تمامًا للتعامل مع هذه الناحية.

أما من الناحية النفسية فكما ذكرت لك فهو مُصاب بمرض واضح جدًّا، ولا بد أن يُعالج، أعتقد أن إخبار والدك مهم، ويمكن أن توضحي له أن هذه الحالة هي حالة مرضية وأنه سوف يُعالج كما ذكر الأطباء، ويجب أن تتضافر الجهود لإقناعه للذهاب لمقابلة الطبيب النفسي، ومن أهم الأشياء ألا يُقال له أنك تعاني من أوهام أو شيء من هذا القبيل، بل يقال له أنك مُصاب بنوع من الإجهاد النفسي، ومن الأفضل أن نذهب سويًّا إلى الطبيب ويتم فحصك، وإن كان هناك حاجة للعلاج سوف تُعطى العلاج اللازم.

هذا هو المنهج الذي يجب اتباعه، وهذه الحالات تستجيب وبصورة ممتازة جدًّا لمجموعة تعرف باسم (الأدوية المضادة للذهان) وعلى رأسها عقار يعرف باسم (أولانزبين) ودواء آخر يعرف باسم (رزبريادون).

فالحالة مرضية، وعلاجها -إن شاء الله تعالى- متوفر، وإقناعه لا أعتقد أنه سوف يكون بالصعوبة، يتحدث معه الشخص الذي لديه علاقة طيبة معه في سريَّة وخصوصية ويطمئنه، ولا يقال له أنك متوهم، هذا ليس صحيحًا.

الناحية الثانية: مع الاحترام والتقدير إذا كان يُخزِّن القات فلا بد أن يبعد عن هذا تمامًا، لأن القات فيه بعض المواد المثيرة التي تؤدي إلى الأمراض الشكوكية والظنانية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً