الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وقعت لي مشكلة أثناء عملي كبائعة في أحد المحلات التجارية، كيف أحلها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله، جزاكم الله أعظم الجزاء على مجهودكم الجبّار في تفريج كروبنا، وجعله الله في موازين حسناتكم، وسبباً في تحقيق أمنياتكم.

ظروفي القاسية أجبرتني على العمل كبائعة في أحد المحلات التجارية، وبصعوبة بالغة وبعد مشاكل عديدة مع والدتي ووالدي، وفرضهم المنع علي، وبعد عذاب شديد، وبعدما بلغت القلوب الحناجر؛ حصلت على هذا العمل، وعملت فيه فترة قصيرة جداً، ومن ثم وقعت بيني وبين أحد الموظفات التي أعمل معهن في ذات المحل مشكلة صغيرة جداً، وصارت تهددني وتتوعد بالانتقام مني، رغم أن المشكلة تافهة جداً جداً، ولا تستحق كل هذا التهديد والوعيد!

لكن حين توظفت حذرتني البائعات المتوظفات في ذات المحل من هذه الموظفة الخمسينية، وقلن لي: بأنها تتصف بالنذالة، وحقودة وشريرة وطاغية، وهي لا تخاف الله، وأن جميع الموظفات لم يسلموا من ضررها وشرها، والكثير من الموظفات التي قدمن للعمل تركن العمل فوراً بسبب شرها وأذاها وكيدها، وأنها تبث شرها على الموظفات كي يسأمن ويتركن العمل، ولكي يخلو لها المحل، وأخبروني بأنها قد اتهمت كثيرا من النساء التي تعرفهن ظلماً، وقد بلغت عنهن الشرطة بهتاناً.

بعد شهر من مشكلتي معها أخبرتني إحدى الموظفات التي تستأمنهن على سرّها، بأن هذه الموظفة الشريرة التي كانت تتوعدني بالانتقام قد اتصلت على مركز الهيئة، وأخبرتهم باسمي ومكان عملي، وافترت عني الكذب ببلاغ كاذب، واتهمتني ظلماً وبهتاناً، وقد اتهمتني تهمة شديدة.

المشكلة أن الهيئة لم يتأكدوا من صحة البلاغ، ولم يعرفوا بأنه بلاغ من حاقدة، فأنا قد لاحظت مراقبة الهيئة حين كنت أعمل، ووقوفهم خارج المحل ينتظرون خروجي، ثم يطاردونني من مكان إلى مكان، حتى إنهم لحقوني وعرفوا منزلي!

المشكلة أن أهلي قاسين جداً، وأنا خائفة منهم، فقد مضى على تركي للعمل 3 شهور، وما زالت الهيئة تلاحقني، ويتتعبون أثري طيلة الوقت، ويتضح من الأمر أن البلاغ الكاذب الذي وصل للهيئة بلاغ شديد؛ لأنه حتى الآن يوجد شخص ملتحٍ يتضح أنه من الهيئة يراقبني دائماً حين أخرج من المنزل، دائماً ألاحظه يتبعني ويقتفي أثري!

المشكلة: أن الحاجة للمال تجبرني على أن أبحث عن عمل مجدداً، ولا يوجد غير هذا المجال؛ لأن مؤهلي ثانوي، وسبق لي البحث عن عمل ولم أجد سوى العمل كبائعة، لكنني تعبت نفسياً من الذي حصل لي، وكرهت أن أعمل مجدداً خوفاً من أن أواجه المزيد من سوء الحظ، وألاقي النحس والعذاب.

ما هي وجهة نظركم؟ أسعدكم الله وفرج عنكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يوسَّع رزقك، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن ينتقم لك ممَّن ظلمك، وأن يسترك بستره الذي لا ينكشف في الدنيا ولا في الآخرة.

وبخصوص ما ورد في رسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فإنه مما لا شك فيه أن هذه المرأة قد ظلمتك ظلمًا عظيمًا، ولكن الذي أبشرك به أن الله جل جلاله كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته) وقال جل جلاله سبحانه: {ولا تحسبنَّ الله غافلاً عمَّا يعمل الظالمون * إنما يؤخرهم ليومٍ تشخصُ فيه الأبصار * مهطعينِ مقنعي رؤوسهم لا يرتدُّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} ولقد لعن الله الظالمين في أكثر من موضع في القرآن الكريم، وقال جل جلاله عن نفسه: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّمًا فلا تظالموا).

إلى غير ذلك من النصوص القرآنية والنبوية التي تدل على خطورة هذا الذنب العظيم الذي يترتب عليه إلحاق ضرر بعباد الله تبارك وتعالى بغير وجه حق، كما حدث معك من افتراء هذه المرأة عليك، وكتابة هذه الشكوى أو البلاغ الكيدي ضدك لرجال الهيئة، وأن هذا الأمر جعلك في وضع في غاية الحرج، وأنك دائمًا تخضعين لمراقبة ومتابعة إلى هذه اللحظة، رغم أنك في أمس الحاجة إلى العمل.

وأنا أقول لك -أختي الكريمة-: إن الهيئة حتى وإن كان فيها بعض التجاوزات الفردية إلا أنها أيضًا بعيدة عن الظلم، وبعيدة عن الافتراء، فهي تتابع الشخص إلى فترة من الزمن، فإذا تبين لها أن هذه الشكوى كيدية، وأنها لا أساس لها من الصحة، وأن سلوكك بفضل الله تعالى لا غُبار عليه، وأنك ملتزمة بأخلاق المسلمة الفاضلة، ولا تسلكين مسلكًا غير حميد، فإن هذا الأمر سوف يُرفع نهائيًا، وتعود الأمور إلى مجاريها دون أن يشعر بذلك أحد.

لذا أتمنى ألا تتوقفي عن البحث عن عمل، ما دمت في حاجة إلى العمل، وما دمت تعملين في مجالات شرعية وليس فيها اختلاط ما بين الرجال والنساء، أو مجالات عمل غير مشروعة.

فأنا أقول: لا تتوقفي ما دمت في حاجة؛ فإن العمل والأكل من ذات اليد من كسب الإنسان أفضل من أن يتسول أو أن يسأل الناس شيئًا أعطوه أو منعوه، وأفضل من أن يسلك مسلكًا غير شرعي يبيع – والعياذ بالله – دينه بعرض من الدنيا قليل.

فواصلي العمل واجتهدي، ولا تتوقفي، وأسأل الله عز وجل أن يحفظك من كل مكروه وسوء، كما أسأله تبارك وتعالى أن يمُنَّ عليك بعمل صالح عاجلاً غير آجل، تعيشين من خلاله حياة كريمة، وتساعدين أسرتك، وتقومين بالواجب عليك تجاههم ما دام لا عائل لك سواك.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً