الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشكو من تقلب الشخصية وقلة الثقة بنفسي وقدراتي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

جزى الله خيراً كل القائمين على هذا الموقع المبارك، الذي يخدم الإسلام والمسلمين في كل بقاع العالم، وبعد:

أنا شاب أبلغ من العمر 21عاما، وقد أعفيت لحيتي ولله الحمد، وأؤدي الصلاة في وقتها، إلا أنني أشعر دائما بالنقص، أحس بأن شخصيتي متقلبة، ولا أجد لنفسي أسلوبا واحداً أسير عليه، متناقض جدا مع نفسي، وكذلك همتي في تحصيل العلم والمعرفة جدا منخفضة، كما أعاني من التسويف... كما أن ثقافتي جد محدودة، لأني لا أستطيع الحوار بشكل جيد في مختلف شؤون الحياة؛ وهذا يسبب لي الإحراج لدرجة أنني أتهم نفسي بالجهل، وأني عديم الجدوى، كما أنني أعاني من أفكار ووساوس تؤرقني جدا. وأنا لست راضياً تماما عن شخصيتي، ولدي الرغبة في أن أتغير إلى الأفضل حتى يرضى الله عز وجل، وأرضى أنا بنفسي.

لهذا سؤالي هو: كيف يمكن أن أتخلص مما أعانيه؟ بعبارة أخرى: كيف أبني شخصيتي وأكون مؤثرا في المجتمع؟ وكيف السبيل لتحصيل الثقافة والمعرفة حتى أكون متحدثا جيداً؟

أفيدونا مأجورين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه.

وأما بخصوص ما تفضلت به؛ فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: من الجميل جدا أخي الحبيب اتهام النفس بالتقصير والعمل على الارتقاء، لكن من الخطورة الوصول إلى مرحلة ازدراء الذات، لأنه يفقدك الثقة على التحسن، ويجعل حسناتك سيئات ومدائحك مذام.

ثانيا: كل شيء في الحياة ينمو بالعلم، المهم أن تحدد نوع العلم الذي تريد دارسته، وأن تسأل فيه أهل فنه، وأن تكون الهمة عندك متواصلة لتبلغ الغاية التي تتمنى.

ثالثا: قدراتك اللغوية جيدة جدا، وقدراتك العقلية منظمة، يدرك ذلك من قرأ رسالتك، ونحن نتصور أن ما تمر به أمر عارض طارئ عليك.

رابعا: لا تستطيع أن تكسب كل الناس؛ لأن الناس مذاهب شتى وأفكار متعارضة، لكنك تستطيع أن تكسب من يوافقك الرأي في موضوع ما، وعليه فلا تهتم كثيرا بمن ابتعد عنك ما دمت على الحق.

خامسا: كن كما أنت ولا تجتهد أن تقلد غيرك فيما تراه خطئا لتكسب وده، واعلم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل، فمتي أصلحت حالك مع الله أصلح الله حال الناس معك، فافعل ما يرضي الله حتى يحبك، وتذكر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ، نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ).

سادسا: هناك بعض الصفات التي تجعلك مؤثرا في غيرك نذكرها لك اجمالا:

الصفة الأولى: اجتهد في الابتعاد عن الجدال فإنه مدمر ومذهب للود، وإذا لزم الأمر فجادل بالتي هي أحسن كما أخبرك القرآن: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

الصفة الثانية: ابتعد قدر الاستطاعة عن الغضب والانفعال، فإن الغضب مذهب للوقار مجلب للأحزان، ويدفعك إلى قول ما تندم عنه بعد ذهاب فورة الغضب، وهنا نتذكر نصيحة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم لذلك الأعرابي والتي كررها مراراً: (لا تغضب … لا تغضب … لا تغضب ..)، ونتذكر قول الحق تبارك وتعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

الصفة الثالثة: تبسمك في وجه أخيك صدقة، اجتهد أن ترسم الابتسامة عند التعرف على الغير، أو عند الحديث مع الآخرين، واعلم أن الابتسامة كلام طيب ولكن بغير حروف.

الصفة الرابعة: وقولوا للناس حسنا: التعابير اللفظية كثيرا ما تكون صادمة حتى وإن كانت حقيقة ، اجتهد أن تكسو ألفاظك وأن تختار الأرفق بالناس عند الحديث معهم، وتذكر قول الله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

الصفة الخامسة : الاعتذار عن الخطأ ليس دليل ضعف، بل المكابرة هي الضعف بعينه، لا تحاول أن تثبت صدق رأيك إذا كنت تعلم خطأه، بل اعتذر عنه، وتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل ابن آدم خطّاء).

الصفة السادسة: أقصر الطرق إلى صرف الناس عنك هي الكذب، كن صادقا مع الناس، ولا تخلف وعدا إلا بعذر واعتذار، ولا تقل كذبا مهما كان قاسيا، وتذكر قول الله: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ).

الصفة السادسة: لا ترد الإساءة بمثلها: فالكل يعبر عن بيئته، وتذكر قول الله تعالى: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " وقد قال الشافعي رحمه الله :
يخاطبني السفيهُ بكلِّ قبحٍ ... فأكرهُ أنْ أكونَ لهُ مجيباً
يزيدُ سفاهةً وأزيدُ حلماً ... كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيباً
إذا نطقَ السفيهُ فلا تجبهُ ... فخيرٌ من إجابتِهِ السكوتُ
فإنْ كلّمتَه فرّجتَ عنه ... وإنْ خلّيتَه كمداً يموتُ

وأخيرا: ننصحك بالصحبة الصالحة، وقراءة بعض الكتب المتخصصة في ذلك، وأشهرها في العصر الحاضر كتاب: كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس.

نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً