الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من السمنة منذ السادسة عشرة من عمري، أفيدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة عمري 22 سنة، أود أن أستفسر عن أمر شغل عقلي وتفكيري لسنوات طويلة، فأنا أعيش حياة يتخللها الحزن والهم وضيق الصدر -ما لا أستطيع وصفه-، حيث أنني أعاني من مرض السمنة منذ السادسة عشرة من عمري تقريباً, كان ذلك بسبب علاج خاطىء، ولكنني تجاهلت الأمر، ولم أنتبه له إلا بعد فوات الأوان، عندها لازمني الألم على ما أعيشه؛ مما جعلني أعاني الهم والغم والكدر وضيق الصدر، وأصبحت أتوقع أن أصاب بأي مرض من شدة الحزن، وكثرة البكاء المتواصل منذ سنوات عديدة.

يتفطر قلبي وأتحسر على نفسي، وعلى طبيعة حياتي المختلفة عن الناس، فأقاربي لا يعرفون شكلي، فلا أخرج إلا للدوام والمستشفى فقط, ودائماً أبكي حتى في الأعياد والأعراس، ويكدر هذا الأمر صفو حياتي، فالكل يستمتع في حياته، وأنا أبكي في كل وقت، حتى أثناء عودتي من الدوام.

سؤالي: هل ما أتعرض له من مواقف، وما أعيشه من كسر للنفس، وضيق يؤرق مضجعي، هو الابتلاء المذكور في القرآن والسنة، وهل سوف أثاب عليه؟ ولو افترضت أنني لم أقم بعمل أي طاعة أثاب عليها، فهل يكون هذا الأمر تكفيراً لذنوبي؟ فإن كان ابتلاء فسوف أفرح به، ولكن كيف أصبر عليه؟

أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جود حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يُمتِّعك بالصحة والعافية، وأن يجعل لك من لدنه وليًّا ونصيرًا، إنه جوادٌ كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة- فإن الدنيا بطبيعتها دار ابتلاء وامتحانٍ واختبار، كما قال الله -تبارك وتعالى-: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}، فالشر الذي هو عبارة عن هذه الابتلاءات التي وردتْ في رسالتك، هذه فتنة بمعنى ابتلاء، وكذلك الصحة والعافية، والأموال والأولاد، والاستقرار فتنة، أي ابتلاء؛ فكلٌ مبتلى وهو لا يشعر، والصحابة -رضي الله تعالى عنهم- يقولون: (ابتلينا بالبلاء فصبرنا، فلما ابتلينا بالعافية لم نصبر).

فالبلاء الأعظم حقيقة هو البلاء في نعمة المال والاستقرار، أما البلاء الذي أنت فيه فهو معروف أنه بلاء، وأن الناس ينظرون إليه على أنه ابتلاء واضح لا يحتاج إلى بيِّنةٍ أو برهان، ولذلك يتعاطف الناس معك، وأبشِّرك ببشرى النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيها: (ما يُصيب المسلم من همٍّ ولا غمٍّ ولا حزنٍ، ولا أذىً ولا مرضٍ، حتى الشوكةَ يُشاكها إلَّا كفَّر الله بها من خطاياه).

فمعنى ذلك أن هذه الابتلاءات التي حدثت لك كلها كفَّارة للذنوب والمعاصي والآثام التي وقعتْ منك في حياتك، إذا لم يكن لك معاصٍ أو ذنوب، أو كنت مُقِلَّةً من هذه الأمور، فإن هذا سيُدَّخَرُ لك حسنات عند الله -تبارك وتعالى-، كما قال الله -تبارك وتعالى-: {إنما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يمشي على الأرض وليست عليه من خطيئة).

وبُشرى أخرى أبشِّرك بها أيضًا، وهي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أحبَّ الله عبده ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السُّخط).

فإذًا الذي يُطلب منك الآن أن تأخذي بالأسباب، وأن تبحثي عن علاجٍ إذا كان ذلك ممكنًا، ثم ترضي بقسمة الله -تبارك وتعالى-، ولا تتبرَّمي للذي أصابك، لأن الذي أصابك هو خير كما قال الله -تبارك وتعالى-: {فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}.

هذا ابتلاء حقيقي -بإذن الله عز وجل- لأن العبد المؤمن هو الذي يُبتلى، أما الكافر لا يُبتلى أصلاً، وإنما ينتقم منه، فالمؤمن يبتليه الله -تبارك وتعالى- ليرفع من درجاته، وليَحُطَّ من خطاياه، وليلْفتَ انتباهه إلى ما ينبغي أن يكون عليه، وأنت في هذا الابتلاء من فترة طويلة، ولك أسوة في أنبياء الله خاصة نبي الله أيوب -عليه السلام- صبر سنوات في مرضه، ودعا الله تعالى قائلاً: {رب إني مسَّني الضُّرّ وأنت أرحم الرحمين}، فاستجاب الله له قائلاً: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضُرٍّ}.

فعليك -بارك الله فيك- بالأخذ بالأسباب؛ لأن هذا لا يتعارض مع الصبر، ثم بعد ذلك عليك -بارك الله فيك- بالدعاء والإكثار منه، والصبر على البلاء والرضا بقضاء الله -تبارك وتعالى-، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط).

فأوصيك بالرضا على أقدار الله تعالى وقضائه، وخذي بالأسباب العلاجية، وعليك بالدعاء، واتركي الأمر لله تعالى، واعلمي أن ما قدَّره الله لك هو خير، وكما ورد في الحديث: (لو يعلم أهل البلاء ما أعدَّ الله لهم من الأجر عنده، لتمنَّوا أنهم ما رأوا العافية في يومٍ من أيام حياتهم)، فهذا ابتلاء أنت مأجورة عليه، فاصبري واحتسبي وأبشري، وخذي بالأسباب على قدر استطاعتك، ولا تنسي الدعاء، وأبشري بفرج من الله قريبٍ.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً