الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفكير في الزنا والسعي في الحصول على قرض ربوي لتسهيل أمور الزواج

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا رجل -والحمد لله- أحاول قدر الإمكان الابتعاد عن المعاصي، -والحمد لله- خطبت فتاة على قدر من الدين والأخلاق، ولكن تواجهني صعوبة في الزواج الآن بسبب المال، وإني أعيش في بلد عربي مسلم، ولكن ـ مع الأسف ـ تكثر فيه المفاسد، وحتى أكون أكثر وضوحاً، فإني فكرت في الزنا، والعياذ بالله! والله، إني لا أريد سوى الحلال، ولكن ما باليد حيلة.

الآن أفكر في موضوع القرض الشخصي من أحد البنوك، فبالله عليكم، انصحوني، أرجو ملاحظة أن ما دفعني أكثر على التفكير في موضوع القرض هو إلحاح أهل الفتاة، وعدم الصبر على تأخير الزواج.

والسلام عليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/Ramzi حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله العظيم أن يحفظنا وإياكم، وأن يلهمنا رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا.

فإن الإسلام دعا للعفاف والطهر، ولا بد أن نعلم أن صيانتنا لأعراضنا تبدأ بمحافظتنا على أعراض الآخرين، والإنسان لا يرضى الزنا لأخته أو لبنته أو لأمه فكيف يرضاه للآخرين؟

فاجتهد في الابتعاد عن المعاصي، وعن مواطن الفتن، وحصن نفسك، بالخوف من الله! وعليك بالصوم؛ فإنه وجاء! واعلم أن الشريعة لم تنه عن الزنا فقط، وإنما نهت عن كل السبل الموصلة إليه لعظم هذه الفاحشة، وسوء آثارها على الفرد والمجتمع، فقال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[الإسراء:32].

وقد سئل رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عن أي الذنب أعظم؟ فقال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قيل ثم أي؟ فقال: وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قيل ثم أي؟ قال: وأن تزاني بحليلة جارك)، وذاك قول الله تعالى: ((وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا))[الفرقان:68].

وهكذا نلاحظ أن الزنا وضع مع الجرائم الكبيرة، فالإشراك بالله قتل للفطرة، وقتل النفس لهذا الإنسان الذي كرمه الله، والزنا قتل للعفاف والطهر في المجتمعات، والزنا يجلب الفقر والشقاء والأمراض والأسقام، ويقصر الآجال، ويخرب الديار، وهو قبل ذلك يجلب غضب الجبار سبحانه؛ ولذا ننصحك بالمحافظة على دينك، والابتعاد عن مجرد التفكير في هذه الكبيرة، وإليك هذه الأبيات التي رددها الإمام الشافعي -رحمة الله عليه- والتي يقول فيها:

يا هاتكاً حرم الرجال وقاطعاً سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حراً من سلالة ماجدٍ ما كنت هتاكاً لحرمة مسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
من يزن يزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهم

واعلم أن الربا من أعظم الكبائر، وقد أعلن الله الحرب على أكلة الربا، فقال تعالى: ((فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))[البقرة:279]، وما لأحد بحرب الله من طاقة، والحياة التي يبدأها الإنسان بالمعصية لا يرجى من ورائها الثمار الطيبة - والعياذ بالله –! وقد أرشد الإسلام الذين لا يجدون نكاحاً إلى سلوك طريق العفاف، فقال سبحانه: ((وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ))[النور:33].

وإذا كانت الفتاة صاحبة دين، وأنت ممن يخاف في الوقوع في المعاصي ـ نحسبك ولا نزكيك، فالله حسيبك ـ فأرجو أن تتفق مع أهلها على تبسيط الأمور؛ ليكون الزواج بإذن الله مباركاً! وعليك بالاجتهاد في فتح أبواب جديدة: أطلب فيها الرزق، واتخذ الأسباب، ثم توكل على الوهاب، واحرص على الدعاء والتضرع لمن يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، واعلم أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وعليك بتقوى الله، فإن الله يرزق أهلها وييسر أمورهم، قال تعالى: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ))[الطلاق:2-3].

والله تبارك وتعالى يعين ويوقف من يطيعه، ويتوكل عليه، فكيف إذا كان مسلماً يطلب العفاف، ويحرص على الحلال، وقد بشر الله من يطلب العفاف من الفقراء، فقال: ((إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ))[النور:32]، وقال ابن مسعود: (التمسوا الغنى في النكاح) ولاشك أن حرصك على السؤال دليل على أن فيك معاني الخير، فلا تطفئ هذا النور بظلمة المعاصي.

وعليك بهجران بيئة الشر، والبحث عن رفاق الخير، فإنهم خير عون للإنسان بعد توفيق الله! وأرجو أن تجد من أهل الخير ورفاق الصدق من يعاونك ولو على سبيل القرض الحسن حتى تكمل مراسيم زواجك، واحرص على أن تبدأ حياتك الأسرية بدون مخالفات شرعية؛ فإن للمعاصي شؤمها وآثارها.

وإذا ألح أهل الفتاة، فأرجو أن تبين لهم حقيقة الأمر، فربما تنازلوا عن كثير من المطالب وحرصوا على مساعدتك على إتمام الزواج؛ لأن العقلاء يخطبون دين الرجل وأخلاقه وليس المال أو المظهر، ولو كانت المبالغة في المهور وفي تكاليف الزواج مكرمة لسبقنا إليه أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً