الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطيبي تحول من ملتزم إلى تارك للصلاة، فكيف أتعامل معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة مخطوبة منذ عام لزميلي في الدراسة، علما أن مدة دراستنا في الجامعة كانت 5 سنوات، تقدم لخطبتي في السنة الثانية، وكان رد أهلي الانتظار حتى التخرج، وقد كان، وهذا ما يجعل مدة معرفتنا ببعضنا 6 سنوات، وبحكم أنه كان زميلي في الجامعة فكنت أستطيع ملاحظة أخلاقه وسلوكه وتعامله، حتى دينه، فهو صاحب تربية ودين وخلق، وحتى عيوبه مما يمكن التعايش معها.

ما يزعجني أربعة أمور حدثت مؤخرا:

الأول: منذ مدة بدأ يقصر في صلاته، مع العلم أنه كان يقوم الليل، وكان يحثني عليه، بل كان يوقظني من نومي لأقيمه، وربما لم يكن يستخدم رقم هاتفي إلا في هذه الحالة -يرن فقط بدون حديث-، فقد كان ملتزما بضوابط الحديث معي، حاولت نصحه ولكن دون جدوى، وكان في البداية يحاول تدارك التقصير، ووعدني أن يعود إلى صلاته ولا فائدة، وقد فكرت في الانفصال عنه، ولكن تراجعت بسبب حبي له، وبسبب مميزاته وأخلاقه، ولكن فتوى تارك الصلاة تؤرقني، فبعض الفتاوى تكفره.

ثانيا: تزامنا مع ترك الصلاة، بدأ الالتزام بالضوابط الشرعية في الخطبة تزول تدريجيا، نشعر بتأنيب الضمير، ونتوب، ولكن سرعان ما نعود، أصده كثيرا، ولكن أضعف في مرات أخرى، أبكي ندما، وأعزم على فسخ الخطبة؛ لأنه سبب تقصيري في حق الله، ولكن سرعان ما أشفق عليه، فأنا أعلم بحبه لي، وأنه جاهد نفسه، والتزم بالضوابط، وحافظ عليّ من نفسه وأنا أمامه في الجامعة، وبعد التخرج حاول أن نعقد القران، وأننا لسنا بحاجة للخطبة، ولكن أهلي رفضوا، فمن عاداتنا عقد القران ليلة الزفاف، ويعمل جاهدا أن يعجل الزواج، ولكن العوائق المادية تقف حاجزا أمام ذلك، ولأنه إنسان وله طاقة تحمل، ينفذ صبره ويضعف، ويغضب ويثور لأنني لا أفهم حاجته لي، وكل تلك المشاعر حبا وليس شهوة.

ثالثا: تزامنا مع ذلك، وفي وقت تأنيب الضمير، يخبرني أنه أصبح يمارس شيئا محرما يغضب الله، وأفهم من خلال حديثه أنها العادة السرية، لكنه لم يصرح باسمها، فأشعر بالذنب، وأني السبب في ذلك، حيث أنه بدأ يصرح لي بأنه يتخيلني كثيرا، وهذه هي نتيجة ذلك، وأنا أخاف عليه من أضرارها، أريد أن يقلع عنها، ولكنني لا أستطيع أن أخبره صراحة بذلك، ولا أملك فعل شيء، فكيف يمكنني مساعدته؟ 

رابعا: من ضمن التجاوزات أنه بدأ في التساهل بكلمات الغزل والإعجاب، وألاحظ أنه يعجب بأجزاء من جسمي تربكني خيفة حين أشعر أنها من الممكن أن تكون ميول جنسية محرمة أو خاطئة، كالإتيان في الدبر، أو ما شابه ذلك من الثقافات الأجنبية، ولا أملك التحقق من ذلك طبعا، فأنا أشعر بالخجل من غزله وأقوم بصده، ولكن ذلك يخيفني أن يكون له ميول خاطئة.

أنا أحبه كثيرا، وأدعو الله أن يهديه ويعجل لنا بالحلال، ولا أريد أن أضع احتمال فسخ الخطوبة مطلقا، بل أميل إلى حلول الإصلاح والمساعدة، فهل أنا مخطئة؟ وإن كان تفكيري صحيحا، ماذا علي فعله في هذه النقاط الأربعة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على تواصلك مع موقع الاستشارات إسلام ويب، ونرجو لك التوفيق والسداد في حياتك، وأن يسهل أمرك، وأما جوابنا لك:

- يظهر من خلال ما ذكرتِ أنك فتاة متدينة، تحافظين على الصلاة، وعلى قيام الليل، وهذا علامة خير وصلاح، ونرجو أن تثمر هذه العبادات عليك في تصرفاتك وعلاقتك مع الآخرين؛ لأن الصلاة والعبادة تزكي النفس وتصلحها، وتقوي فيها المراقبة لله تعالى، وتعظيم الحرمات.

- أما ما جاء من مشكلتك مع خطبة هذا الشاب وتأخر الزواج، فالذي ينبغي أن يعلمه كل شاب وفتاة أن الخطبة شرعا: هي وعد بالزواج من الطرفين، وقد شرعها الله قبل الارتباط بعقد الزوجية ليعرف كل من الزوجين صاحبه، من خلال السؤال عنه وعن طريق الأهل والأصدقاء، وحتى يتعرف على دينه وخلقه، ومن المعلوم في مرحلة الخطوبة أنه يحرم الخلوة بالمخطوبة؛ لأنها محرمة على الخاطب حتى يعقد عليها، ولم يرد الشرع بغير النظر إليها حال الخطبة، وبقيت العلاقة بينهما في غير ذلك على التحريم، من الكلام، أو الاتصال الهاتفي أو النظر، ونحو ذلك؛ لأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة ما نهى الله عنه، فإذا احتاج أحد الخاطبين أن يتكلم مع الآخر حول أمور ضرورية من أجل ترتيب الزواج، فليكن الحديث مع المخطوبة مع وجود محرمها، وبهذا يجوز اللقاء معها، وامتنعت وقوع المعصية مع حضوره، وأما اللقاء مع الخاطب من قبل المخطوبة وعلى انفراد فهذا لا يجوز شرعا، لما فيه من الخلوة المحرمة التي نهت عنها الشريعة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان "رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع.

- وقد قلت في طلب الاستشارة: (من ضمن التجاوزات أنه بدأ في التساهل بكلمات الغزل والإعجاب، وألاحظ أنه يعجب بأجزاء من جسمي تريبني خيفة حين أشعر أنها من الممكن أن تكون ميول جنسية محرمة أو خاطئة، كالإتيان في الدبر، أو ما شابه ذلك من الثقافات الأجنبية، ولا أملك التحقق من ذلك طبعا، فأنا أشعر بالخجل من غزله وأقوم بصده، ولكن ذلك يخيفني عن كيف لي أن أعلم إن كان له ميول خاطئة): وهذا الذي ننبه عليه، فهذا هو المحذور بعينه، ولذلك لا يجوز أن تلتقي به ولا ينبغي الكلام معه، ولا ينبغي أن تسمعي كلام الغزل ونحو ذلك منه، وأدعوك إلى مراقبة الله، والابتعاد عن الاستمرار في هذه التصرفات؛ لأنها من مداخل الشيطان؛ لأنه إذا صرح كل طرف للآخر بمشاعره نحو الآخر، وخاصة بكلام الغزل والحب، ثم يحصل الاستدراج من الشيطان إلى محرمات أخرى، منها الكلام الخادش في الحياء، ثم التواصل والنظرات المحرمة، كل ينظر للآخر نظرة شهوة، وهذا مخالف لمقتضى الإيمان بالله الذي يأمر بغض البصر، قال تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} [النور : 30]، ثم يحصل الاستدراج أكثر بأن يزين الشيطان كل طرف للآخر حتى يقع ما لا يحمد عقباه، نسأل الله السلام والعافية.

- أما قولك: ( أنا أحبه كثيرا)، فأقول إن الحب قبل الزواج مجرد وهم وليس له حقيقة، وهذه عادة دخيلة على بلاد المسلمين، والذي حدث إنما هو مجرد ميل قلبي للرغبة في الزواج، وأما الحب الحقيقي فلا يأتي إلا بعد الزواج، فآمل أن لا يعطى أمر الحب أكبر من حجمه؛ لأنه ليس له حقيقة، بسبب أن هذا الخاطب ما زال حتى الآن هو رجل أجنبي، وليس زوجا حتى تمنحيه حبك، فضلا أن يكون كبيرا.

- مسألة صلاح الخاطب وما يقع به من مخالفات من التقصير في الصلاة، أو ممارسة العادة السرية، ونحو ذلك مما ذكرت في الاستشارة، فالذي ننصح به هو النصيحة له عن طريق رسائل الجوال، ويمكن أن تنصحينه بالاستفادة من المواقع الإلكترونية في بيان ما يقع فيه من مخالفات مثل موقعنا هذا إسلام ويب، وأرجو أن لا تكون النصيحة بشكل مباشر باللقاء به، أو الحديث معه بتفاصيل وخاصة في ممارسة العادة السرية؛ لأن هذا لا يجوز خوفا من الوقوع في الفتنة.

- ومما ننصح به: أنه إذا رأيت أن التعجيل بالزواج فيه مصلحة لك ولهذا الخاطب، وبعد التأكد من صلاحه، فأتمنى أن تبادري إلى إقناع أهلك بتعجيل الزواج، ويمكن أن تقدموا الزواج إلى وقت مناسب، تتفقان عليه، ومسألة العوائق المادية إن كان لك سبيل إلى إزالتها أو التخفيف منها فافعلي، وهذا جزء من حلول المساعدة له في الزواج.

- وفي الأخير آمل أن يكون التعلق بهذا الشاب فيه اعتدال، فلا داعي للمبالغة في الأمر، وكأن حياتك الزوجية لا يتصور إلا معه، فقد يزداد في بعده عن الله وتقصيره في الصلاة وقد يزداد انحرافه، أو قد لا يستطيع الزواج بسبب العوائق المادية، فاحتمال فسخ الخطوبة وارد، ونحن مسلمون نؤمن بالقضاء والقدر، وأن ما يقدره الله لنا في كل حال فهو خير.

وفقك الله إلى كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • صهيب-السودان

    وفقك الله في كل حياتك إنشاءالله حياه سعيده و كريمه

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً