الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفض الأهل للخاطب بسبب قلة جماله

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.
أرجوكم، انسدت الأبواب في وجهي، ولم أعد أدرك الصواب من الخطأ، أرجوكم، أريد من حضرتكم أن ترشدوني؛ فأنا تائهة، مشكلتي لم تكن مشكلة، كانت فرحة ورضا، لكن أعز الناس ـ ألا وهم أهلي ـ جعلوها مشكلة، فأنا فتاة في ال30 من عمري، كنت فتاة تافهة، بمعنى أني لم أكن متحجبة، ولا متدينة، ولا محافظة على صلواتي، كنت أستغل النت في الأشياء التافهة كالشات،

تعرفت إلى شاب منذ 4 أشهر غير حياتي إلى الأحسن، كان بيننا كل الخير، والحمد لله، قلبه طيب وعلى مستوى عال من الأخلاق، لم أر إنساناً في خلقه والحمد لله، حببني في الحجاب، وشجعني على ارتدائه، والحمد لله، أصبحت أحافظ على صلواتي، تعرفت إلى موقعكم بعدما توقفت على البحث في الأشياء التافهة في النت.

المهم أن هذا الشاب تقدم لخطبتي بعدما تواعدنا أننا سنرتبط رجاء مرضاة الله ورسوله، أتدرون أني صدمت في أهلي، قالوا إن هذا الشاب ليس على درجة من الجمال، إنه قبيح الوجه، وإنه ليس على مستوى اجتماعي جيد، فإمكانياته المادية محدودة، ولا يليق بي، هذا هو رد أهلي، هل هذا مقياس للرفض؟ أجيبوني من فضلكم، هل الجمال أو القبح سبب في قبول الزواج من طرف أهلي؟ الماديات تسبق أم المعنويات في الارتباط.

صدمتي كبلت لساني، لم أعد أقدر على الدفاع، ولا أريد أن أعصي والدي، فأنا لم أعصهما قط، وأريدهما أن يكونا راضيين عني وعن زواجي بالإنسان الذي اقتنعت به، أنا لا يهمني المظاهر، لا يهمني أن يكون جميلاً أو قبيحاً، المهم أنه إنسان صالح والحمد لله، أرجوكم أن ترشدوني من فضلكم؛ فأنا في أشد الحاجة لمساعدتكم.

حالتي النفسية جد متدهورة، لا صديقة أشكو لها، أرجوكم ألا تبخلوا علي من فضلكم، أجيبوني في أسرع وقت ممكن، ثقتي بكم كبيرة وإيماني بالله سبحانه وتعالى أكبر، وبالقدر خيره وشره، وجزاكم الله كل خيراً.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ وفاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعاً رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

فإن الإسلام دين لا يهتم بالمظاهر، ولكنه دين يهتم بصلاح المخبر قبل جمال المظهر، والله تبارك وتعالى لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأجساد ولا إلى الأموال، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، والفلاح لكل قلب عامر بتوحيد الله، والنجاح والقبول للعمل الذي يؤسس على الإخلاص والمتابعة لرسول صلى الله عليه وسلم، وما فائدة جمال الشكل إذا لم يكن معه إيمان وخوف من الرحمن؟ وهل نفع أبو لهب جمال وجهه وكرم أصله حين كذب بالرسول صلى الله عليه وسلم؟

وكم من إنسان كان جميل الشكل، فذهبت نضارته بحادث سيارة أو بفعل مرض خطير أو بمرور الأيام والسنوات، فإن جمال الشكل عمره محدد، ولكن جمال النفس هو الذي يبقى في الدنيا والآخرة، وأحسن من قال:

جمال الوجه مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس

وإذا كان هذا الرجل صاحب دين وأخلاق فاضلة فليس هناك أفضل منه؛ لأن جمال الرجال في كمال أخلاقهم وحسن مروءتهم وفلاحهم بطاعتهم لله وقدرتهم على تحمل المسئولية، وأرجو أن تظهري رغبتك لوالدتك في أدب وحكمة، واطلبي مساعدتها، فإذا صعب عليك الأمر فأخبري أحد محارمك من الرجال أو إحدى العمات أو الخالات، وسوف تجدين بإذن الله من يعينك ويتفهم وجهة نظرك؛ لأن رأي البنت هو المهم فهي صاحبة المصلحة وصاحبة الرأي الأول والأخير، فلا تزوج البكر دون أن تستأذن، وإذنها صماتها، ولا الثيب حتى تستأمر؛ لأنها عاشرت وعرفت حقائق ومعادن الرجال، بخلاف الفتاة البكر، فإن تجربتها ضعيفة في أمور وصفات الرجال.

ولا داعي للقلق؛ فإن الأبواب لا زالت مفتوحة، وتوجهي إلى من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، واحرصي على طاعة الله، وواظبي على ذكره، وأكثري من شكره، فإن الخير بيده سبحانه.

وأعجبني حرصك على إرضاء والديك، ولن يضيع الله من يطيع والديه، واعلمي أنه ليس من العقوق إظهارك لما في نفسك، فأنت صاحبة المصلحة، وهم لم يفعلوا ما فعلوا إلا من أجل مصلحتك بحسب ظنهم، فإذا علموا أن الخير في ارتباطك بهذا الرجل فلا أظن أنهم يقفون في طريقك، اطلبي منهم بحكمة أن يسألوا عن أخلاق الرجل ودينه، وليس عن شكله وأمواله، والإنسان لا يعاب لشكله؛ لأن الله هو الذي خلقه، وإنما يعاب الإنسان على كسبه السيئ وأخلاقه القبيحة.

والإسلام لا يرضى بهذا الذي حدث ولا يقره، ولم يطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من أولياء البنات أن ينظروا إلى الشكل والمظهر، ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه ( دينه وأمانته) فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).

وأرجو أن تتوجهي إلى الله وتستشيري الصالحين من أرحامك، وكل الصالحات، واعلمي أنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، و(عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير)، فأشغلي نفسك بطاعة الله، واذكري لأهلك ما في نفسك، فليس في ذلك عيب أو خطأ.

واتق الله واصبري؛ فإن النصر مع الصبر، ولن يغلب عسر يسرين، وتجنبي المعاصي؛ فإن لها شؤما وثمارا مرة، وأكثري من الاستغفار، وراجعي نفسك وعلاقتك بربك، فـ(إن العبد قد يحرم الرزق بالذنب يصيبه)، وما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.

ونحن نوصي المسلمين والمسلمات بعدم السخرية من أحد؛ لأن الله تعالى قال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ))[الحجرات:11]، وكان السلف يخافون من المعصية؛ لأن الله يبتلي من يسخر من الناس وأشكالهم وأحوالهم، وكان ابن سرين يقول: "لو سخرت من كلب لخشيت أن يقلبني الله كلباً" أو كما قال رحمة الله عليه، وكم من إنسان سخر من آخر فابتلاه الله في أحب الناس إليه! والإنسان لا يشاور في شكله أو لونه، لكنها منح من الله، ولا يعاب المرء على شيء لا دخل له فيه، وإنما يكون العيب والخلل في نقص الدين والخوف من الله.

ونسأل الله أن يسهل لك أمرك ويغفر لك ذنبك، وأن يقدر لك الخير ويرضيك به! والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً