الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توفي أبي وأمي وبيقت أنا وإخوتي وأنا أكبرهم، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم
أشكركم لسماع مابي من حزن وانكسار، وأشكر كل القائمين على الموقع، وربنا يجعله في ميزان حسناتكم جميعاً، وأفاد الله بكم الناس.

أنا شاب بعمر 24 سنة، أدرس هندسة مدنية، ومنذ 3 سنوات توفيت أمي عن عمر صغير 41 سنة، الله يرحمها ويرحم أموات المسلمين، وحزنا جداً، وصبرنا –الحمد لله- على قضائه وقدره، ومنذ شهر توفي والدي عن عمر 59 عاماً، الله يرحمه.

صرت أنا وأخواتي بلا أم ولا أب، ولي أخوان أصغر مني، الحمد لله على قدره.

الحزن جثم على قلبي، وبقيت أخاف من المستقبل، وكيف أعيش وأبني نفسي، أحس أن الدنيا أغلقت من بعدهم.

كنت خطبت ابنة خالتي بعلم أبي -الله يرحمه- وتعرفون الظروف أني مثل أي شاب يبدأ حياته ببساطة، حتى البيت ما عندي، فبقيت أفكر كثيراً في الأيام وخائف من الرزق، وأندم والخوف من المستقبل مسيطر علي.

أرجو أن تفيدوني وتطمئنوا قلبي، وشكراً لكم، وهل أنا آثم لأني أفكر في رزق يوم لم يأت؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohammed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

من الطبيعي - ولدي الحبيب محمد - أن تنتابك حالة من القلق والحزن والخوف على المستقبل، لا سيما وأنت في مثل هذه المرحلة العمرية من الشباب، وربما بعد وفاة الوالدين رحمهما الله، بما يمثلانه من دفء وحنان وقوة وسكن نفسي وأمان، وربما قل من بعدهما الناصر وعز السند المعين، إلا رحمة رب العالمين، وكفى به من مولى وحفيظ ونصير للمستضعفين، وحسبك أن كثيراً من عظماء الرجال – بل ورسول الله صلى الله عليه وسلم – كانوا أيتاماً.

ولى أبوك عن الدنيا ولم تره ** وأنت مرتهن لازلت في الرحم
وماتت الأم لما أن أنست بها ** ولم تكن حين ولت بالغ الحلم
ومات جدك من بعد الولوع به ** فكنت من بعدهم في ذروة اليتم

إني أوصيك – ولدي العزيز – في سبيل تجاوز آلام الماضي والتهيؤ لتحديات المستقبل ومواجهة مخاوفك وأوهامك باتباع الآتي:

- أن تحسن الصلة بالله تعالى، ومعرفته والتعلق به بعبادته سبحانه وذكره، قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وفي الإيمان بالقدر خاصة ما يشرح الصدر ويقوي القلب ويريح النفس؛ لأن المؤمن بالقدر يعلم (أن ما أصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

اعلم بأنه لا يكون شيء في ملكوت الله وأقدار الناس من أفراح وأحزان إلا بقضاء الله وقدره، (قد جعل الله لكل شيء قدراً).

- لزوم الصحبة الطيبة التي تذكرك إذا نسيت وتعلمك إذا جهلت، وتعينك على نوائب الدهر، ففي مجالستهم بركة وفي التشبُه بهم أسوة، وهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء، وخير معين على تخفيف الهموم، ودعاؤهم مأمول الاستجابة، وصحبتهم نجاة يوم القيامة، (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).

- تجاوز الماضي بمتاعبه وآلامه، والالتفات إلى حاضرك والاهتمام بمستقبلك، قال تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) ومن جميل الحكم قولهم: (ما مضى فات, والمؤمل غيب, ولك الساعة التي أنت فيها).

- حسن الظن بالله والثقة به ورجائه والتوكل عليه، فمن كان مع الله كان الله معه، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله بكل شيء قدراً). فاطمئن إلى سعة رحمته وقرب فرجه (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً).

- الدعاء (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).

اللهم هب لنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً.


وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً