الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرة الابتلاءات والخسائر التي تعرضت لها تدمرني فما السبيل للراحة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا أعلم كيف أبدأ، ولكنني سأختصر لكم قصتي في سطور، بدأت الحكاية منذ كنت بعمر 13 سنة، فقد نزل بي وبأسرتي البلاء، وحينها كنت أنا الشخص الذي يتلقى كل المصائب والابتلاءات بشكل مباشر، لا يمكنني اختصار وشرح حجم المعاناة التي مررت بها كي لا أطيل عليكم.

أنا اليوم بعمر 31 سنة، وتعجب الناس من معاناتي الكبيرة، وأجمع الكل على رأي واحد بأنهم لم يسمعوا شيئاً كهذا من قبل، فمعاناتي لم تحدث لأي بشر من قبل، خسرت أصدقائي وسمعتي وأقاربي ومالي وصحتي، أقسم بالله لم يتبقَ لي أي شيء في الحياة، وأعاني من سلس الريح منذ عمر 16 عاماً، ظهر بشكل مفاجئ كبقية الأمور، لا أستطيع الخروج من المنزل، وحينما أخرج أتعرض للسخرية من الجميع، وهذا الأمر يجرحني جداً، ولا أستطيع الزواج، خطبت أكثر من 20 فتاة، ولم يقبلني أي أحد.

علماً بأني جامعي وموظف.

الكثير من الناس يقولون بأنني مسحور، وأنا أرقي نفسي منذ سنوات دون فائدة، وأفكر بالانتحار كثيراً، فما نصيحتكم؟

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عثمان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

سنة الابتلاء والاختبار ماضية في الناس، لا يسلم منها أحد، قال سبحانه: {الَّذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزيزُ الغَفورُ}، [الملك: ٢]، وقال سبحانه: {كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينا تُرجَعونَ}، [الأنبياء: ٣٥].

الحياة كلها دار ابتلاء واختبار بالخير أو بالشر، فعلى المؤمن أن يصبر على قضاء الله وقدره، ويأخذ بأسباب جلب الخير ودفع الشر عن نفسه، ثم يرضى بعد ذلك بما يحصل له من أقدار الله، فإن الإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان، لا يتم إيمان العبد إلا به.

الابتلاء على نوعين:
- ابتلاء تمحيص ورفع درجات للعبد الصالح.
- ابتلاء عقوبة وتأديب للعبد العاصي البعيد عن الله لعله يرجع ويتوب إلى ربه.

لله حكم بالغة في سنة الابتلاء للعبد إذا رضي وصبر منها:
- رفع درجاته ومحو سيئاته.
- استخراج عبادة الصبر والدعاء والتضرع من العبد.
- قربه من الله جل وعلا ورقة قلبه، ونحوها من الحكم.

استحضر هذه الحكم في نفسك بسبب الابتلاء الذي أصابك، وكن على ثقة بربك الكريم الجواد الذي يسمع دعائك ويرى حالك، وأحسن الظن به وتفاءل خيرا بالمستقبل، وثق أن الله أراد بك خيرا، فلو علمت ما خبأه الله لك من الأجر والثواب بسبب الابتلاء والصبر عليه لانشرح صدرك.

قال -صلى الله عليه وسلم- :( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة )، [رواه الترمذي]، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

لذا ننصحك بالصبر والتحمل والرضا، وإياك والتفكير في الانتحار، فهو دليل على ضعف الإيمان، وعقوبة قاتل نفسه عند الله عظيمة؛ لأن المنتحر يريد أن يتخلص بفعله هذا من عذاب دنيوي، ولكنه لا يعلم أن عذابه سيستمر معه في النار بالأداة التي انتحر بها، ويلقى الله وهو عليه غضبان، لأنه خالف أمر ربه القائل: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ورَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أنهُ قالَ: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)، فهذا جزاء المنتحر في الآخرة، ففكر فيه جيدا، فإنه علاج لقطع وسواس الشيطان لديك.

كما أن الواجب على المؤمن التصبر والتحمل إذا حصل عليه نكبة ومشقة في دنياه، أن لا يعجل في قتل نفسه، بل يحذر ذلك ويتقي الله ويتصبر ويأخذ بالأسباب، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، وإذا قتل نفسه فقد تعرض لغضب الله وعقابه و-العياذ بالله-.

لا مانع من عرض نفسك على راق شرعي ثقة، يرقي عليك للتأكد من سلامتك من السحر أو العين، وكذلك ننصحك بالاستمرار بالرقية الشرعية، فإن القرآن الكريم أنزله الله شفاء لكل داء، قال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا}، [الإسراء: ٨٢].

لا تستعجل فربما قرب الفرج وأنت لا تدري، وعليك بتحقيق شروط الدعاء والرقية حتى تستفيد منها، وهي الإخلاص واليقين وعدم الاستعجال على الإجابة، وأكل الحلال، والتوبة من الذنوب والمعاصي، واحرص على آدابها، مثل: تحري أوقات الإجابة، والإكثار من الذكر والاستغفار والصدقة معها، وكثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونحوها من الطاعات التي تقربك من الله وتشرح صدرك وتذهب همك وحزنك.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • تركيا أبو عبدو الحلبي

    جزاكم الله خيرا وبركة

  • مجهول ام احمد

    جزاكم الله خيرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً