الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرة التفكير تدفعني إلى الجنون .. فما هو الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالب جامعي حاليا، ومستواي الدراسي كان ممتازا على الرغم من إهمالي، ظروفي الأسرية والمادية ممتازة، ولدي الكثير من الأصدقاء، لست محافظا على الصلاة، وأتمنى لو أنني أستطيع المحافظة عليها، ولكنني شخص مهمل.

قبل خمس سنوات تعرضت إلى الاعتداء اللفظي والاستفزاز، كان عمري 15 سنة، بعد الرجوع إلى المنزل تغيرت حالتي، لازمني التفكير وأصبحت أشعر بأن لدي معضلة معينة في حالتي النفسية، أفكر كيف أصبت بهذه الحالة، وكيف يمكنني الخروج منها؟ فقدت تركيزي، وبدأت نفسيتي تتأثر من كثرة التفكير.

عند الجلوس مع أهلي أو أصدقائي أفكر وأحلل وأناقش أفكاري، وعندما أحاول التوقف لا أستطيع، بحثت عن حلول مناسبة لحالتي في الإنترنت، وبدأت في قراءة المواضيع المتعلقة بالأمراض النفسية، فتدهورت حالتي، وفقدت الأمل.

دخلت الثانوية وحالتي كما هي، أفكر كثيرا أثناء الحصص الدراسية، أفكر في الناس، وفي نهاية السنة شعرت بتحسن حالتي النفسية، خف الاكتئاب كثيرا، وقل التفكير حتى انتهت المشكلة، ولكن الوساوس والأفكار الجانبية المتعلقة بالدين والجنس والزواج ظلت موجودة، ولكنها بسيطة وتذهب بسرعة، ولا تشكل أي مشكلة كبيرة.

قبل ستة أشهر قرأت أحد المواضيع في الإنترنت لشخص مصاب بالاكتئاب، وبعد الاستيقاظ من النوم عاودتني حالة التفكير الغريبة، كنت أقنع نفسي بأنني لا أعاني شيئا، وأنني سليم، فلم أستطع التوقف عن التفكير.

أصبحت بالوقت الراهن أفكر وأوسوس حول الأمراض النفسية، وحول طبيعة الإنسان، أحلل كثيرا وأسعى لمعرفة وتشخيص نفسي، وعند وصولي إلى تشخيص معين تتحسن حالتي لعدة أيام ثم تعود للتدهور والدوران بنفس الدائرة الأولى.

أشعر بالعصبية والإحباط أحيانا، وأخاف من الجنون بسبب التفكير، رجحت حالتي بأنها اكتئاب نفسي، وبدأت قبل أسبوعين في تناول السيبراليكس بجرعة 10 ملغ، لم أعان من الأعراض الجانبية للعلاج، عانيت من القلق بالبداية، وخف بعد أيام.

قرأت في الإنترنت عن تجارب الناس الناجحة في علاج الاكتئاب، شعرت بالسعادة والراحة، واختفت كل الأعراض لمدة يومين أو ثلاثة، ولكن التفكير المستمر، ومحاولة إقناع نفسي بأنني سليم ظلت مستمرة، ورجعت لي أعراض العصبية والإحباط، لا أستطيع ترك التفكير أو تجاهله، أصبحت كالمدمن، وأعاني من القلق والضيق وفقدان التركيز.

هذه الأعراض دفعتني إلى الظن بأن حالة الاكتئاب وتقلب المزاج أتتني من كثرة التفكير، خصوصا عند قراءة تجارب الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، وجدت اختلافات كثيرة بيني وبينهم، فأنا لا أشعر بالذنب، ولا أحتقر ذاتي، ولا أملك ميولا انتحارية، ولم أفقد رغبتي في الحياة أبدا.

أشعر بأنني لو تمكنت من إيقاف التفكير سأعود طبيعيا، وأستطيع التفاعل مع حياتي بشكل طبيعي، فهل هناك أمل بذلك؟

أعتذر على الإطالة، وأشعر بأنني لم أصف أعراضي تماما، ووصفي ناقص وغير تام، وأشعر بأنه جزء من أعراضي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية أسأل الله تعالى أن يحميك من الجنون، وأن تصلك رسالتي وتقرأها قبل أن تجن، أحببت أن أداعبك بهذه المقدمة لأشعرك أنك تبالغ في تكبير الأمور بعض الشيء.

الإنسان رهين ردود أفعاله غالباً، فهي التي تشكل قناعاته حول مواقف تمر به، أو مشاكل تعترض سبيله، فإما أن تكون ردوداً إيجابية فيعتبر كل ما يتعرض له تجارب وخبرات تُضاف إلى رصيده، وتُصقل شخصيته من خلالها، حيث تقوى وتشتد، ويتعلم من أخطائه.

وإما أن تكون ردة فعله سلبية، ويقف عندها ويدور في رحاها تتقاذفه الأفكار، فتضعف شخصيته، ويفقد إقباله على الحياة، يغمره الهم والحزن والخوف والاكتئاب.

أي حادث يمر بنا، مهما كان مؤلمًا، فعلينا أن نكون أقوياء في مواجهته، ولا نترك له مجالاً أن يرافقنا في حلنا وترحالنا، بل نتركه وحيداً ونرحل عنه بعيداً، لا نلتفت ولا نأبه به إلا كتجربة تعلمنا منها.

فذلك الموقف الذي سبب لك كل ما لديك من اضطرابات نفسية، هو ماض، مضى وانتهى، وينبغي أن يكون أثره كذلك، والعجيب أنه مضى عليه خمس سنوات، وهي كفيلة بأن تجعله يتلاشى.

أخي الفاضل: إن هناك نقطة في رسالتك استوقفتني أثناء قراءتي لها ألا وهي: إن حالتك النفسية تحسنت وخف الاكتئاب كثيراً في نهاية السنة، أي أثناء انشغالك بالامتحانات والتحضير لها.

ذلك يعني أن ذهابك في أفكارك بعيداً، وغوصك في أفكار سلبية، ووساوس حول أنك مريض نفسي، تعاني من الاكتئاب والقلق، واستغراقك في الأفكار والتحليل للأمور والأفكار والمواقف إنما هو نتيجة فراغ تعيش به، فتملأه بما لا يعود عليك بنفع ولا طائل.

وشيء آخر هو من الأهمية بمكان، إلا وهو الفراغ الروحي فقد ساهم في استسلامك للأحزان والهموم، والشك والاكتئاب، كما ذكرت في رسالتك أنك غير محافظ على الصلاة.

لذلك عليك أن تتخذ قراراً حاسماً جازماً على طرد تلك الوساوس بعيدة عن تفكيرك، ومما يساعدك في ذلك التأمل في النقاط التالية:
1- أنت في المرحلة الحالية طالب جامعي، ومستواك ممتاز و-لله الحمد-، فعليك أن تشغل نفسك بدراستك، من خلال المواظبة على حضور كافة المحاضرات، والمشاركة في النقاشات والحوارات، والتعمق بالمواد التي تقدمها من خلال القراءة والاطلاع، كل ذلك يجعل ذهنك منشغلاً بأفكارك قيمة ومهمة ومفيدة، حيث لا يبقى مكاناً لتلك الوساوس والأفكار.

2- تفعيل نشاطك الاجتماعي، ذكرت أن لديك الكثير من الأصدقاء، فمن الممكن أن تنظم معهم برامج ترفيهية ومفيدة في آن معاً، مثلاً تنظيم رحلات إلى مناطق أثرية، أو متاحف، أو مكتبات، أو أماكن ترفيهية للترويح عن النفس بين الحين والآخر.

3- وضعك المادي الممتاز أيضاً يجعلك قادراً على تقديم المساعدة لمن يحتاجها، من خلال تنظيم زيارات إلى دار لرعاية الأيتام، أو لزيارة مشفى للأمراض المستعصية وتقديم الدعم المادي لهم، فهذا سيغمر قلبك بالرضا والسعادة من ناحية، ومن ناحية أخرى حين ترى ما هم فيه من آلام وأوجاع، ستشعر بالنعم الكثير التي أنت غارق بها من حيث لا تدري، وتشغل نفسك بأفكارك وأوهام توهم نفسك من خلالها أنك مريض، وأنت سليم معافى و-لله الحمد-.

4- املأ أوقات فراغك بما تحب وتهوى، وذلك من خلال ممارسة هواياتك، أو من خلال تنظيم مشاريع لقضاء يوم العطلة مع الأهل، وأيضاً خصص جزءاً من وقتك لممارسة الرياضة، فإن تنشط الدماغ، وتزيد الحيوية والتشاط.

5- تنمية الجانب الروحي والإيماني من خلال التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، بالمحافظة على الفرائض ومن ثم النوافل، والأذكار وتلاوة القرآن، ومما يعينك على ذلك الصحبة الصالحة، والتزام حلقات العلم بالمساجد، حيث تجد مربياً فاضلاً يأخذ بيدك، ويدلك على طريق الهدى والرشاد، ويقربك من الله أكثر.

6 ـ أما استخدام الدواء فنعتذر عن الرد على هذا الجانب وذلك نظرًا لأن الأطباء النفسيين في إجازة حاليًا، وعليك الرجوع إلى الطبيب الموثوق الذي وصف لك هذا الدواء، وحذار أن تستخدمه من تلقاء نفسك، فقصتك من وجهة نظري لا تحتاج إلى الدواء.

7 ـ وأخيراً أنصحك بهذا التمرين للتخلص من تلك الحادثة التي حدثت لك وعمرك خمسة عشر سنة، وهو كالتالي:
اجلس في مكان هادئ حيث لا يشغل بالك شيئا، ثم تخيل أمامك شاشة تلفزيونية كبيرة، قم باستعراض تلك الحادثة على الشاشة بكل تفاصيلها، ثم قم بمسحها من الشاشة وتشويش ألوانها وإزالة معالمها وتفاصيلها، ثم استمر بعملية المسح حتى تصبح الشاشة بيضاء لا صور فيها ولا صوت على الإطلاق، ولاحظ مشاعرك وكيف أنها تغيرت، ثم قم بتخيل أنك تقوم بقطع وقص التيار الكهربائي الذي يشغل الشاشة، وبهذا تقفل الشاة قفلا نهائيأ وتزول تلك الذكرى المؤلمة لك من داخل دماغك، جرب ذلك وسترى نتيجته -إن شاء الله-.

أسأل الله أن يلهمك الحكمة في القول والعمل، ويجعلك من أهل الفلاح والصلاح في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً