الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعمامي وعماتي يستغلون أبي ولا يزورونا إلا لمصلحة!

السؤال

السلام عليكم

لقد تعبت من عماتي وأعمامي بسبب سوء معاملتهم لأبي، فهم يستغلون أبي حتى يأخذوا منه المال شهرياً، بالرغم من أنهم غير محتاجين، ويعيشون بمرتب يكفيهم، وعندما لا يعطيهم أبي المال في شهر من الشهور لا يكلمونه، وإن كلموه يلومونه لعدم إعطائهم المال.

لا يزورونا إلا إن كانوا في حاجه لمال، فيقومون بزيارتنا حتى يخبروا أبي أنهم قد زارونا، أي لابد أن يكافئهم أبي بالمال! لماذا؟! لمجرد فقط أنهم زارونا.

لا يراعون أن أبي متعب ومرهق لدرجة كبيرة في عمله حتى يأتي بهذا المال الذين لا يعرفون أبي إلا بسببه.

منذ سنوات قبل أن يمن الله على أبي بالمال احتاج لمبلغ منهم ولم يعطه أحد حتى جنيهاً واحداً! وبالرغم من ذلك أبي يقوم بإعطائهم حتى يزورونا ليشعرنا أبي أننا لدينا أقارب يهتمون بنا.

لا أستطيع أن أكلمهم، أشعر بثقل في صدري عندما أقابلهم، وأشعر أنهم منافقون كثيراً، وأحياناً لا أخرج لمقابلتهم وأبكي في غرفتي بسبب هذا الأمر، وأخاف أن يحاسبني الله على قطعي لصلة الرحم، ولكن يعلم الله وحده أني حاولت أن أتعامل معهم ولم أستطع، فإني أشعر أن نفسيتي تسوء جداً عندما أراهم! فماذا علي أن أفعل؟

جزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حنين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أختنا الكريمة- ورداً على استشارتك أقول:

المعطي والمانع للمال هو الله سبحانه، وهو الذي يقسم معيشة العباد، يقول تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، وفي الحديث الصحيح: (لا مانع لما أعطيت ولا معي لما منعت).

يقول عليه الصلاة والسلام: (الكريم قريب من الله قريب من الناس والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس)، والله تعالى يخلف على من أنفق، يقول تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، وفي الحديث الصحيح: (يا ابن آدم أنفق ينفق عليك) ويقول عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً).

اعلمي يا ابنتي الكريمة أن صلة الرحم بالمال من أسباب سعة الرزق وطول العمر، يقول عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن يوسع له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه).

هناك أولويات في النفقة، فأهل البيت من أبناء وبنات وزوجة ووالدين أولى من غيرهم، فيلام الشخص إن قصر في حقهم وأنفق على الأبعدين من أسرته.

أما إذا كان غير مقصر فذلك من أفضل القربات، ولا يلزم في حال صلة الرحم أن تكون فقيرة، لكن إن كانت فقيرة فأجرها مضاعف، فلا تنزعجي من صلة والدك لأرحامه، وأكثري له من الدعاء بسعة الرزق.

صلة الرحم لا تكون بالمكافأة إن أعطوه أعطاهم وإن منعوه منعهم، بل الصلة الحقيقية أن يعطي الرجل من حرمه ويصل من قطعه، ففي الحديث قال رجل يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأعطيهم ويحرمونني، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل) فكأنما تسف في وجوههم الرماد الحار.

المدارة من حسن الخلق حتى ولو كان هؤلاء ثقلاء فلا تعتزلي من يجوز لك الظهور عليهم في حال زيارتهم لوالدك، ولا تظهري تضجرك في وجوههم، وإن كان قلبك ممتعضاً منهم ومن تصرفاتهم، فقد كان النبي يكره خلق بعض الناس، ومع هذا كان إذا زاره أحد منهم هش وبش في وجهه، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، إن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ائذنوا له فلبئس أخو العشيرة) فلما دخل عليه ألان له القول! قالت عائشة فقلت يا رسول الله قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول، قال: (يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه).

نسأل الله تعالى أن يوسع لوالدك في رزقه، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً