الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تائه بين مشاكل والديّ ولا أعلم ماذا أفعل؟!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاب، عمري 12 سنة، طالب في الصف الأول المتوسط، أحب والدي وأنا متأكد أنهما يحبانني، ولكن منذ صغري وأنا أعاني من مشاكلهما الصغيرة والكبيرة، منها سببها عائلي، ومنها مادي، ومنها مشكلات سببها في غاية السخف، المشاكل كانت عادة تحل في 3 أيام وأحيانا تنتهي في نفس اليوم، ولكن كلما كبرت سنة زاد عدد المشاكل وأصبحت المشاكل أكبر وأكبر، في السنين الماضية كانت المشاكل عبارة عن مجادلة ثم كبرت المشاكل فوصلت إلى الضرب! وماذا بعد؟

أبي كثير الغضب فهو يغضب من أقل الأشياء، وأمي تكبر المشكلة باستفزاز أبي، فهي تسب عائلته وهو أكثر شيء يغضب أبي فتصل الأمور إلى الضرب.

كل منهما يريدني أن أذهب معه، ولكنني لا أستطيع أن أترك أحدهما فأنا لا يمكنني أن أتخيل عيشي بدون أبي أو أمي على الأقل حتى أكبر، لدي 3 احتمالات، أن أذهب مع أمي أو أذهب مع أبي ويتطلقان، أو أن أكمل عيشي في هذا البيت معهما وأتحمل مشاكلاهما الكبيرة التي تؤثر علي نفسيا ودراسيا.

لا يمكنني أن أستشير أحدا من أهلي، إذا كان من أهل أمي أو أبي فمن المؤكد أن يقف الأهل مع أحدهما وتكبر المشكلة وتصل إلى الطلاق، لهذا أنا نشرت هذا الاستفسار، لقد مللت من هذا الوضع، فهذه ليست حياة عادية، هذه حرب! أتمنى أن تقولوا لي: ماذا أفعل؟

ماذا أفعل لأنقذ عائلتي؟ ماذا أفعل لكي لا أخسر أحد والدي؟ ماذا أفعل لكي أعيش بسعادة مثل بقية الناس؟
أرجوكم أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ عبد القادر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أيها الولد النبيل- وردا على استشارتك أقول:

لقد سررت كثيرا بقراءتي لهذه الاستشارة وبهذا الرقي والعقل الراجح فهنيئا لك بما وهبك الله من رجاحة العقل.

أيها الولد الكريم: ما تلاحظه من والديك من المشاكل اليومية أمر طبيعي جدا، ولكن من جهل والديك أنهما يثيران المشاكل أمامك، وكان الأجدر بهما إن حصل أمر أن تتم معالجته بعيدا عن الأبناء حتى لا يؤثر عليهم نفسيا.

أكثر المشاكل التي بين الزوجين كما ذكرت أسبابها تافهة ولكن الشيطان حريص كل الحرص على تكبيرها وتضخيمها؛ لأن غاية ما يريده هو أن يهدم الأسرة عبر الطلاق.

ضعف الإيمان سبب رئيس من أسباب حدوث المشاكل الزوجية، فأرى أن تجتهد في توثيق صلة والديك وتقوية إيمانهما من خلال حثهما على تنويع الأعمال الصالحة كتلاوة القرآن الكريم، وصلاة النوافل، وصيام بعض الأيام الفاضلة، وأداء العمرة، والمحافظة على أذكار اليوم والليلة.

ذكرهما في أوقات صفاء النفوس أن الحياة الزوجية لا يمكن أن تكون سعيدة، إن كان كل واحد منهما يحاسب صاحبه على كل صغيرة وكبيرة بل لا بد من غض الطرف عن كثير من الهفوات والزلات.

وضح لهما أن حل أي إشكال في وقت حدوثه يزيد المشكلة اشتعالا ولكن عليهما أن يؤخرا حلها والتحاور بشأنها حتى يذهب الغضب ويخسأ الشيطان.

لا بد أن تبين لهما أن تشاجرهما أمامك يسبب لك ألما نفسيا، وأنك تود أن تراهما سعيدين.

تحين الوقت المناسب للتحدث مع والدك عن قضية ضرب والدتك وبين له أن الضرب أمر لا يليق ولا يمكن أن يكون حلا للمشاكل.

على والدتك أن تبتعد عن كل ما يثير المشاكل ولعلها الآن تدرك ما هي الأمور التي تثيرها، وعليها أن تصبر وتكثر من الدعاء والتضرع بين يدي الله تعالى أن يصلح زوجها وأن يلهمه الرشد.

لا بد أن تعلم والدتك أنه من العيب إذا حصلت بينها وبين زوجها مشكلة أن تسب أهل زوجها فما ذنبهم فيما يحصل بينهما.

على والدتك أن تكون عفيفة اللسان، وأن تتخير من الكلام أحسنه وألينه، كما قال تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا).

عود نفسك على ألا تتأثر بما يحصل بين والديك حتى لا يؤثر ذلك على نفسيتك، وكن على يقين من هذا الأمر طبيعي يحدث بين الأزواج، وتعامل معها بذكاء وفطنة بحيث لا يشعر أي منهما أنك تميل إلى طرف دون الآخر بل اجعل كل واحد يشعر بأنك في جانبه، وأنا على يقين أنه إذا تقوى إيمانهما فسوف تقل الخلافات بينهما.

شخص الأسباب التي تثير المشاكل بينهما، وحث كل واحد منهما على الابتعاد عن الوقوع فيما يثير المشاكل.

اقترب من والديك أكثر وبر بهما، فذلك سيجعل لك مكانة وكلمة عندهما وسوف يكون كلامك ونصحك مقبولا لديهما -بإذن الله-.

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسل الله سبحانه أن يصلح والديك، وأن يؤلف بين قلبيهما، وأن يلهمهما الرشد، ولا تيأس ولا تقنع أو تمل من الدعاء فإن الله لا يمل حتى يمل العبد وكن على يقين أن الله لن يرد يديك صفرا.

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يصلح والديك وأن يؤلف بينهما، ويسعدهما ويعدك بسعادتهما إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً