الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنا في حيرة من أمري بين أمي وزوجتي، ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمته الله بركاته.

متزوج منذ ثلاث سنوات، ولدي طفلتين، أسكن في دار العائلة، علما بأني الوحيد، لكن لم أجد طعم الراحة بسبب القوانين والأنظمة التي تدرجها أمي علينا (أنا وزوجتي) إجباراً، خاصاً بموضوع النظافة باكراً عند الثامنة والنصف، وإن لم تعمل زوجتي فهناك مشاكل ونكد ينتظرها.

تعبت من هذا النظام، لدرجة أني أقول مهووسة نظافة، نعم النظافة جميلة ولكن بحدود، تكلمت كثيراً مع الذين لهم تأثير عليها، ولكن دون جدوى، حتى أبي لا أعرف ما به، لا يقف لجانبنا، فقط إعمل ونفذ وتكون الحياة جميلة.

فكرت بعمل قاطع في المنزل وأن أنشئ حماما ومطبخا صغيرين، وأفصل بين زوجتي وأمي، لعل وعسى تخف المشاكل ما رأيكم؟

أنا أحترم أمي، وبذات الوقت أحترم زوجتي، ولكنني أحسست أن واقع الحال يطلب مني أن أحترم أمي أكثر وأن أقلل من احترام زوجتي لكي ترضى أمي!

لا أستطيع أن أجبرها على ما ليس لي حق على إجبارها؛ لأن الشرع لم يقل لنا إجبرها على الطاعة بالتوافق فقط، وغير هذا فهناك الدعاوي والغضب والمسبة والتحسبن علينا وحتى على طفلتي الصغيرة، فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالسلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:

قبل أن أدخل في الكلام على المشكلة أقول إن الأفضل في حال الاستطاعة، ولم يكن هنالك ممانعة من قبل والديك أن تستقل بمنزل بعيدا عن بيت والديك حتى تأخذ أنت وزوجتك وأطفالك حريتكم، وأما إن كنت غير مستطيع ماديا، أو أن والديك سيغضبان فلا بد من التأقلم مع القوانين التي وضعتها والدتك، وستجد أن الأمور تتحسن بإذن الله تعالى.

نيل رضى الوالدين وإسعادهما من أفضل ما يتقرب به العبد لربه سبحانه وتعالى، فقد قال عليه الصلاة والسلام للرجل الذي قال: من أحق الناس بحسن صحبتي؟ فقال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أبوك".

مشكلتك تحددت في نقطة واحدة وهي أن والدتك تجبركم على القيام بنظافة البيت عند الساعة الثامنة صباحا، وتريد أن يكون المنزل في نظافة دائمة.

ولو أننا وزعنا هذه المشكلة على من في البيت بنسبة 25% لكل منهم فقلنا لك أعط رقما من 25 لكل من والدتك، والدك، زوجتك، أطفالك لكانت النتيجة كما يأتي:

والدتك (25) والدك (0) زوجتك (0) أطفالك (0)

إذا فالمشكلة كما حددتها أنت هي مع والدتك وحدها، وهذا يعني أن حياتك جيدة في البيت وعلاقتك ممتازة.

ولا شك أن المشكلة ليست طوال اليوم، ولكن بمعنى أنها لا تريد من زوجتك أن تستمر في عمل النظافة من الساعة الثامنة إلى وقت النوم، فهذا أمر مستحيل، ولكن قد يكون طلب والدتك أن تصحو زوجتك مبكرا وتباشر العمل في النظافة حتى تنتهي من ذلك، ومن ثم تبادر زوجتك بالنظافة فور حصول ما يغير تلك النظافة، مثل أن يحدث الأطفال شيئا يخل بالنظافة، وبقية الأوقات أنتم في راحة جميعا.

المشاكل التي تحدث إذا هي بسبب وجود قذارة معينة في البيت أو عدم ترتيبه هذا ما نتوقعه.

والدتك سارت على هذا النهج، ومن الصعب ثنيها عن النظافة التي نشأت وسارت عليها، وكنت تلاحظها قبل أن تتزوج تقوم بتلك الأعمال ولم يكن لديك أي مشكلة، بل ربما لم تشفق على والدتك التي تتعب نفسها من الصباح الباكر وهي تنظف البيت وحدها، وأنت متفق معها على أن النظافة شيء جميل، وأنا أقول ما أجمل البيت التي تشع نظافته وإن نظرت إلى ترتيبه وحسن منظره لم تحب أن تفارقه.

إذا أردت الآن أن أشخص سبب نفورك وشكواك فسأجده كالآتي:

هنالك تكاسل من زوجتك أو تبرم عن القيام بالنظافة، والسبب هو أن الوقت مبكر جدا في نظركما، وربما كان السبب في ذلك هو سهركما، وبالتالي فعليكما أن تغيرا جدول النوم حتى يتناسب من النظام القائم في البيت من أجل أن تعيشا في راحة وسعادة حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

فهمت من استشارتك أنه ليس هنالك أي مشكلة بين زوجتك ووالدتك إلا مشكلة النظافة، وهذا يعني أن الحياة مستقرة إلى حد كبير، وأن والدتك ليست متسلطة ولا تختلق المشاكل، فإذا قامت زوجتك بواجبها تجاه النظافة انتهى ما تشتكي منه.

أخي الكريم: واضح أنك كبّرت المشكلة، والصحيح أنه لا توجد مشكلة إطلاقا، والحل هو أن ترتب أنت وزوجتك وقتكما بحيث تناما مبكرا وتصحيان أو تصحو زوجتك مبكرا وتباشر أعمال النظافة، وتعتبر البيت بيتها، وتتعامل مع والدتك كما تتعامل مع أمها، وتتقرب منها أكثر، ومن هنا ستجد أن والدتك تتغير وتتحسن، خاصة أن زوجتك ربما كان الاتفاق معها على أن سكنها في حال الزواج سيكون مع عائلتك، والمسلمون عند شروطهم، أما أن تستقطع لنفسك غرفة ومطبخا وحماما فلا أنصحك به؛ لأن البيت بيت والدك، وقد لا يوافقان على ذلك، وبالتالي ستكبر المشكلة.

في حال كانت عندك القدرة على الاستقلال ببيت بعيد عن والديك فلا بد من التفاهم معهم بذلك الشأن خاصة إن كثر أبناؤك فلربما تسببوا في إزعاج وقلق لوالديك إلا إن كانا محبين لبقائكم ولا يشعران بأي تضجر من الأبناء فبقاؤكم في البيت هو الأفضل، وتقوم بما أوجب الله عليك من برهما، ولعلك تتذكر من خلال ما تعانيه من أطفالك كيف أن والديك عانيا من تربيتك.

احذر أن تتأفف أمام والدتك أو والدك؛ فإن ذلك معصية كبيرة، كما قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).

لا بأس أن تعين زوجتك في نظافة البيت؛ فليس في ذلك عيب أبدا، وعليكما أن تحافظا على أذكار النوم، والتي فيها دعاء يعين المحافظ عليه على القيام بكل أعماله بيسر وسهولة، فقد أتت فاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى والدها تطلب منه خادما يُعنها على أعمال البيت فقال عليه الصلاة والسلام لفاطمة: (ألا أخبرك ما هو خير لك منه: تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين وتكبرين الله أربعا وثلاثين، قال علي بن أبي طالب فما تركتها بعد، قيل ولا ليلة صفين قال ولا ليلة صفين).

أكثرا من تلاوة القرآن الكريم، وحافظا على أذكار اليوم والليلة؛ فذلك سيجلب لقلبيكما الطمأنينة والهدوء قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

الزما الاستغفار، وأكثرا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

تضرعا بالدعاء بين يدي الله تعالى أثناء السجود، وسلا ربكما أن يعينكما وأن يصرف عنكما الشيطان الرجيم الذي يريد أن يحدث مشاكل في أسرتكما، وأن يشرح صدوركما ويوفقكما، وكونا على يقين أن الله تعالى سيقويكما وسيعينكما وسيشرح صدوركما.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق والسعادة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً